كتب: سید نیما موسوی
ترجمة: علي زين العابدين برهام
خلال الأيام الماضية، تشهد طهران فعاليات مهرجان فجر السينمائي الـ43، الذي يُعد أهم ملتقى لصنّاع السينما في إيران، وكما هو الحال كل عام، يسعى المخرجون الإيرانيون إلى تقديم أفضل أعمالهم في هذا الحدث السينمائي البارز.
إحدى أبرز المحطات في المهرجان هذا العام هي إنتاج فيلم تاريخي بعنوان “موسى كليم الله”، والذي يهدف إلى تقديم رؤية إسلامية عن النبي موسى، أحد الأنبياء البارزين في الديانات الإبراهيمية.
مخرج هذا العمل هو إبراهيم حاتمي كيا، أحد أبرز الأسماء في السينما الإيرانية بعد الثورة، والذي اشتهر بإخراج أفلام عن الحرب الإيرانية – العراقية، لكنه يخوض لأول مرة تجربة جديدة بإخراج فيلم تاريخي وديني، مما يجعله محطة مهمة في مسيرته السينمائية.
كان المشروع، في الأصل، من إبداع فرج الله سلحشور، مخرج مسلسل “يوسف الصديق”، لكن وفاته المفاجئة أوقفت العمل عند مرحلة كتابة السيناريو. وبعد سنوات من التوقف، تولى إبراهيم حاتمي كيا استكمال المشروع وتحويله إلى واقع.
وعلى المستوى العالمي، يُعد فيلم “خروج: الآلهة والملوك”، للمخرج ريدلي سكوت 2014، أحد أشهر الأعمال التي تناولت قصة النبي موسى، لكن فيلم حاتمي كيا يتميز بكونه أول فيلم في العالم الإسلامي يتناول هذه السيرة، ليقدم رؤية سينمائية تعكس التفسير الإسلامي لشخصية النبي موسى على الشاشة.
في عام 2016، وبينما كان فرج الله سلحشور يعمل على المرحلة التحضيرية لمسلسل “موسى”، وافته المنية، ما أثار تكهنات حول احتمال اغتياله بيولوجيًا على يد الموساد. وقد عزّز هذه الشكوك تناوله غير المباشر لجذور الصهيونية في مسلسله الشهير “يوسف الصديق”.
واليوم، تولّى إبراهيم حاتمي كيا إكمال المشروع، حيث يُقدّم “موسى” في نسختين: فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني، وقد عُرضت النسخة السينمائية مؤخرا ضمن فعاليات مهرجان فجر السينمائي.
خلال السنوات الأخيرة، كان حاتمي كيا يتعاون بشكل رئيسي مع منظمة أوج، الذراع السينمائي لـ الحرس الثوري الإيراني، لكن فيلم “موسى” جاء هذه المرة بالتعاون مع “سيما فيلم”، الذراع الإنتاجي لمؤسسة التلفزيون الحكومي الإيراني، في خطوة تعكس تحولا في مساره الإنتاجي.
من أبرز مميزات فيلم “موسى” أنه، خلافا للتقديرات الأولية، لم يعتمد على التصوير الحي التقليدي، بل تم إنتاجه باستخدام التقنيات الرقمية المتطورة. وفي سبيل تحقيق ذلك، تم تأسيس أكبر استوديو للمؤثرات البصرية السينمائية في قارة آسيا في طهران، ليكون مركزا لإنتاج هذا الفيلم، مع خطط مستقبلية لاستخدامه في إنتاج المزيد من الأعمال السينمائية الإيرانية.
أبطال الفيلم
شارك في بطولة فيلم “موسى ” كل من بهنام تشكر وشكيب شجره، وهما ممثلان عُرفا بأدوارهما في الأعمال الكوميدية الإيرانية، لكنهما خاضا في هذا الفيلم تجربة جديدة من خلال تقديم أداء درامي جاد في أدوار تاريخية، حيث ظهرا بمكياج ثقيل يتناسب مع طبيعة الشخصيات.
- بهنام تشكر جسّد دور فرعون مصر.
- شكيب شجره أدى دور القائد راموس، قائد العبيد العبرانيين.
- مريلا زارعي قدّمت دور “يوكابد”، والدة النبي موسى، وكانت شخصيتها محورية في القصة.
- بهاره كيان أفشار لعبت دور “آسية”، زوجة فرعون.
لكن الشخصيتين الأهم في الصراع الدرامي بين الخير والشر كانتا القائد راموس ويوكابد، حيث شكّلا اللبنة الأساسية لتصاعد الأحداث.
ومن بين الأسماء البارزة في الفيلم، جاء فرهاد آييش، الممثل المخضرم في المسرح الإيراني، والذي أدى دورين متناقضين تماما:
- مفسّر الأحلام في قصر فرعون، حيث قدم أداء يحمل طابعًا فانتازيا.
- زعيم مدينة “غوشان”، حيث لعب دورا أكثر حكمة وجدية.
جمع الفيلم بين التاريخ والدراما، مستعينا بأداء تمثيلي قوي ساهم في إضفاء عمق خاص على الأحداث.
بداية فيلم “موسى” واستلهامه من القرآن والسرد التاريخي
يفتتح الفيلم بمشهد يعرض الآية 41 من سورة طه:
“وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي”، وهي الآية التي يخاطب فيها الله النبي موسى، مؤكدا أنه قد اختاره لمهمة إلهية خاصة.
تبدأ القصة بمشهد وفاة النبي يوسف، حيث يُلقى جسده في أعماق نهر النيل، في مشهد رمزي يُجسّد نهاية حقبة وبداية انتظار بني إسرائيل للمُخلّص الذي سينقذهم من ظلم فرعون.
تبدو هذه الافتتاحية تحية سينمائية لمسلسل “يوسف الصديق” للمخرج فرج الله سلحشور، وكأن حاتمي كيا أراد أن يجعل فيلمه امتدادا دراميا لتلك القصة.
في موازاة ذلك، يرى فرعون مصر في المنام حلما مروّعا عن سقوط أركان حكمه، ما يدفعه إلى اللجوء إلى مفسّري الأحلام في قصره بحثا عن تفسير. يخبره المفسّرون أن مولودا عبريا سيؤدي إلى انهيار حكمه، مما يجعله يصدر قراراته القمعية ضد بني إسرائيل، إيذانا ببدء سلسلة من الأحداث التي ستُغيّر مسار التاريخ.
تصل القصة إلى ذروتها في مشهد أمّ موسى وهي تضع رضيعها في صندوق على مياه النيل، في مشهد درامي يرمز إلى بداية الرحلة الإلهية للخلاص والتحوّل الكبير.
بين الإشادة والنقد في الأوساط السينمائية الإيرانية
أثار العرض الأول لفيلم “موسى” في طهران ردود فعل متباينة بين النقاد والمهتمين بالسينما، حيث تفاوتت الآراء حول مستواه الفني وسرده الدرامي.
يرى محمد صابري أن الفيلم يتميز بأداء تمثيلي يتجاوز المستوى المعتاد في السينما الإيرانية، إضافةً إلى مؤثرات بصرية استثنائية تفوق ما قُدّم سابقًا في السينما الإيرانية وحتى في الشرق الأوسط،لكنه في الوقت ذاته ينتقد ضعف الحوارات، معتبرًا أنها قد لا تترك أثرا عاطفيا أو فكريا عميقا لدى الجمهور. في رأيه، نجح حاتمي كيا في تقديم صورة بصرية قوية، لكنه لم يطرح تفسيرا جديدا لشخصية النبي موسى يميّز الفيلم عن الأعمال السابقة.
أما آرش آبائي، الباحث اليهودي المقيم في طهران، فينتقد اعتماد الفيلم بشكل كامل على المصادر الإسلامية دون إشراف أو مشاركة من باحث يهودي، ما يجعله يفتقد رؤية الديانة اليهودية للقصة. ويشير إلى أن تصوير فرعون كعقيم أو إسناد تسمية موسى إلى هارون مستندان إلى الرواية الإسلامية، في حين أن هذه التفاصيل لا وجود لها في التراث اليهودي.
من منظور مختلف، ترى صحيفة “فرهیختكان” أن الفيلم يحمل طابعا نسويا قويا، إذ تُروى القصة من خلال ثلاث شخصيات نسائية رئيسية:
- يوكابد “والدة موسى”
- آسية “زوجة فرعون”
- القابلة التي ساعدت في ولادته
وتذهب الصحيفة إلى حد وصف الفيلم بأنه عمل ذو بعد فمينيستي ” نسوي” بسبب التركيز على الأدوار النسائية وتأثيرها في سير الأحداث.
بدوره، يرى حسن صنوبري، الناقد السينمائي الإيراني، أن الفيلم يتمتع بأداء تمثيلي متقن، حيث برع الممثلون في تقديم أدوارهم، كما أشاد بالموسيقى التصويرية التي أعدّها كارن همايون فر، معتبرا أنها متناغمة تماما مع أجواء الفيلم، فيما نجح شهرام خلج، خبير المكياج، في تقديم مؤثرات مكياج متقنة تناسب طبيعة الشخصيات. وعلى الرغم من أن بداية الفيلم لم تكن قوية، إلا أنه يحافظ على إيقاع مشوّق حتى النهاية، مما قد يجعله مرشحا لاستعادة الجمهور الإيراني من هيمنة الأفلام الكوميدية على شباك التذاكر.
من الواقعية إلى السينما المتطورة
عند استعراض المسيرة السينمائية لإبراهيم حاتمي كيا، يمكن تمييز مرحلتين رئيسيتين في تطور أسلوبه الإخراجي ورؤيته الفنية.
المرحلة الأولى (1986 – 2010): السينما الواقعية والتأثيرات الفكرية
في هذه الفترة، كان حاتمي كيا متأثرا بالنهج السينمائي لمحسن مخملباف، حيث ركّز على تقديم أعمال واقعية بلمسة اجتماعية وسياسية، مستلهما أحداثها من تجارب حقيقية، خاصةً فيما يتعلق بالحرب الإيرانية-العراقية وما بعدها. ومن أبرز أفلامه في هذه المرحلة:
- “دیده بان” (المراقب)
- “وصل نیکان” (اتصال الصالحين)
- “آژانس شیشهای” (الوكالة الزجاجية)
- “کرخه تا راین” (من كرخة إلى الراين)
المرحلة الثانية (2011 – حتى اليوم): التحول نحو السينما التقنية الحديثة
منذ عام 2011، انتقل حاتمي كيا إلى أسلوب سينمائي جديد يعتمد على التقنيات الحديثة والمؤثرات البصرية، مع تركيز أكبر على القصص الملحمية والتاريخية. وتشمل هذه المرحلة أفلامًا بارزة مثل:
- “چ” (سيرة القائد مصطفى شمران)
- “بوقت شام” (بتوقيت الشام)
- موسی کلیم الله
يُعدّ إنتاج “موسى” باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والمؤثرات الرقمية المتطورة نقلة نوعية في السينما الإيرانية، بل وحتى في السينما الإسلامية، فمن خلال هذه التجربة، يفتح حاتمي كيا آفاقا جديدة في صناعة الأفلام الدينية والتاريخية، وهو اتجاه من المتوقع أن يتطور بشكل أكبر خلال السنوات القادمة.