كتب- ربيع السعدني
بعد اغتياله في يناير/كانون الثاني 2020، انتشرت صور تُظهر مصحفا يُقال إنه كان ملكا لقاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، مما أثار اهتماما إعلاميا وشعبيا في بعض الأوساط بشأن هذا المصحف.
ما قصة “مصحف سليماني”؟
اذ قال علي شيرازي، نائب رئيس منظمة العقيدة السياسية بوزارة الدفاع الإيرانية، حسب ما نشرت وكالة أنباء “إرنا” الرسمية: “كان لدى قاسم سليماني نسخة من المصحف كُتب في هوامشه تفسيره الشخصي للآيات، لكن هذا التفسير لم يُطبع بعد”.
أوضح شيرازي في تصريحات نُشرت بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2023: “أخبرني الحاج قاسم ذات يوم أن لديه مصحفا كتب فيه تفسيره لجميع الآيات، حيث كان الحاج قاسم يعرف اللغة العربية، ومن الطبيعي أن يكون فهم القرآن سهلا للغاية بالنسبة له”.
وأضاف: “هذه النسخة من المصحف موجودٌ الآن بحوزة نرجس، الابنة الكبرى لسليماني”.
وأشار إلى معرفة محمود خالقي، الصديق المقرّب لسليماني، بذلك الأمر، فقال: “إن الحاج قاسم طلب من السيد خالقي، وهو ملمٌّ بالعلوم الحوزية وهو في الحقيقة رجل دين، أن يدرس كتاباته في هامش هذا المصحف، وإذا كانت تصورات الحاج قاسم صحيحة، فسوف يقوم بنشره، ولكن هذا الكتاب لم ينشر بعد”.
وبحسب رواية شيرازي: “كتب الحاج قاسم انطباعاته في هوامش المصحف؛ لتنشر هذه الكتابات لغيره، على الرغم من أنه يستفيد منه أيضا”، مضيفا: “الحاج قاسم استغل كل لحظة من حياته، بل كان يحسب الليالي كجزء من حياته، وأعتقد أنه لم يعش 63 سنة بل عاش 170 سنة؛ لأنه كان يعمل ليلا ونهارا”.
علاقة سليماني بالقرآن
ويروي عنه اللواء محمد جعفر الأسدي، نائب قائد مقر خاتم الأنبياء، حسبما نقل عنه الموقع الرسمي للجنرال سليماني يوم 13 فبراير/شباط 2023، تحت عنوان “علاقة الحاج قاسم بالقرآن“: “كان للحاج قاسم علاقة خاصة بالقرآن، كثيرا ما رأيته يضع خطا على عبارات من القرآن بقلم فسفوري، كان من الواضح أن له غرضا مع العبارات التي كان يضع علامة عليها”.
وأضاف الأسدي في شهادته عن سليماني باليوم ذاته: “رحم الله حسين بور جعفري (أحد المرافقين لقائد الحرس الثوري) الذي كان بحقٍّ صديقا فريدا له لا يمكن تعويضه، وكرَّس حياته كلها له، عادةً ما يتلو الحاج (سليماني) القرآن بين جلستين أو عندما يركب الطائرة ليذهب إلى سوريا مثلا، حسين الذي كان يعلم أن الحاج يريد أن يقرأ القرآن الآن يسارع بإعطائه المصحف وقلم فسفوري وأحمر وأخضر، في البداية كنت أتساءل عن سبب وضع الحاج علامات على المصحف، ثم أدركت أن نظرته إلى القرآن تختلف عن نظرتنا”.
ويروي علي الشيرازي، أقرب أصدقاء سليماني ومؤلف كتاب “حاج قاسمي الذي أعرف”، في حوار حصري لوكالة الأنباء الرسمية “إيرنا” بتاريخ 6 يناير/كانون الثاني 2024: “لقد أخبرت الحاج قاسم عدة مرات عن هذا الكتاب، قم بتحرير الكتاب بنفسك وتأكد أننا لن ننشره إلا بعد رحيلك، ولكن إذا لم تقم بإعداد هذا الكتاب بنفسك، فلا يعرف ماذا سيحدث لك”.
وأضاف: “كتب الحاج قاسم جميع مذكراته اليومية في 70 دفترا، وهذه الدفاتر موجودة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ولا يتم نشرها لأسباب أمنية، لكن أعتقد أنه حتى لو كان 90% من محتويات هذه اليوميات سرية، فإن 10% منها يمكن نشرها للجمهور عندما يقول قائد الثورة (خامنئي) إن الحاج قاسم مدرسة، فالحقيقة أننا سنتمكن من النشر عن الحاج قاسم بعد 50 عاما”.
إحياء ذكرى القائد
في سياق متصل أقيمت الذكرى الخامسة لاغتيال سليماني يوم الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2025، بحضور عائلة سليماني وبعض المسؤولين السياسيين والعسكريين، وآلاف الأشخاص من مختلف مناحي الحياة في طهران.
وبحسب تقرير وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إسنا” فقد “قُتل الحاج قاسم سليماني، الرجل الذي ارتبط اسمه بالتضحية والشجاعة والتضحية بالنفس، على يد ألدّ أعداء الثورة الإسلامية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018”.
كما التقى المرشد الإيراني علي خامنئي، يوم 1 يناير/كانون الثاني 2025، أسر الشهداء في الذكرى الخامسة لاغتيال سليماني، ونشر الموقع الرسمي لخامنئي مقطعا مصوّرا يتضمّن حديث خامنئي خلال لقائه بالعائلات، يقول فيه إن “سليماني كان متمسكا بمدرسة الإسلام والقرآن، وإذا كان لدينا الإيمان نفسه والأعمال الصالحة نفسها، فسنصبح أيضا سليماني”.
وتقام مراسم تأبين سليماني كل عام بصورة خاصة؛ هذه الاحتفالات حسبما نشرت وكالة “إيرنا” الرسمية يوم 2 يناير/كانون الثاني 2025، لا تحافظ على ذكراه حية فحسب، بل تنقل رسالته إلى الأجيال القادمة.
كما شهدت قاعة شهداء كلستان في أصفهان توافد مجموعات مختلفة من المواطنين والمسؤولين من مختلف أنحاء إيران، حسبما نشرت وكالة أنباء الطلبة المستقلة “إسنا” في تقرير مصور، الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2025، للاحتفال بذكرى الجنرال قاسم سليماني.
وبحسب تقرير مصور لوكالة تسنيم للأنباء نُشر في اليوم نفسه، استضافت الإدارة العامة للشؤون الثقافية في بلدية طهران، بالتعاون مع 22 منطقة، برامج ثقافية وحفل استقبال للمشاركين في إحياء الذكرى الخامسة لسليماني في طهران، وكان من بين البرامج الرئيسية لهذا الحفل إقامة موكب ومنصة ثقافية وشعائر دينية وأناشيد وإلقاء المراثي وغيرها.
تزامنا مع الذكرى الخامسة، وتحت هذا العنوان “الحاج قاسم مثال واضح على (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)”، نشرت الوكالة الدولية للأنباء القرآنية “إقنا” التابعة لمنظمة الإعلام الإسلامي في إيران، تقريرا تحتفي من خلاله بالذكرى الخامسة لسليماني.
وجاء في التقرير الذي نُشر السبت 3 يناير/كانون الثاني 2025: “خمس سنوات مرت على الحاج قاسم سليماني، والحاج أبو مهدي المهندس، وما زالت ذكراهما في القلوب، وما زلنا نتذكرهما ونشعر بالامتنان الشديد لتضحياتهما العظيمة.. إنهما معنا، أحياء في قلوبنا، حاضران في حركاتنا وسكوننا”.
واختتمت وكالة “إقنا” التقرير، بأنه “ينبغي النظر إلى سليماني من زوايا مختلفة والتعرف عليه بأبعاد مختلفة، وفي ما يتعلق بزوايا شخصية الحاج قاسم، فإننا نقتصر على الجانب العسكري ونحتفي به، في حين ينبغي تحليل هذه الشخصية من الناحيتين الثقافية والاجتماعية وغيرها من الأبعاد”.