ترجمة: شروق السيد
في أعماق إيران، تحتضن الأرض كنزا هائلا من المعادن المتنوعة التي قد تغيّر مستقبل البلاد، فهل ستتمكن إيران من كشف هذا الكنز المخفي وتحقيق تحول اقتصادي جذري؟
كتبت صحيفة “وطن امروز” الإيرانية، يوم الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025: “وفقا للإحصائيات الإيرانية، تشكل الصناعات المعدنية نحو 30% من قطاع الصناعة العالمي، حيث تبلغ إيراداتها السنوية نحو 8 آلاف مليار دولار”، وفقا لمجلة “وول ستريت” .
وتُعتبر المعادن إلى جانب الموارد الهيدروكربونية مثل النفط والغاز من أهم مؤشرات ثروة أي دولة، في هذا المجال، وتحتل الدول روسيا والولايات المتحدة والسعودية وكندا وإيران المراتب الأولى حتى الخامسة.
وتابعت الصحيفة: “إيران، التي تمتلك 68 نوعا من المواد المعدنية، و37 مليار طن من الاحتياطيات المعدنية المؤكدة و18 مليار طن من الاحتياطيات المحتملة، تسيطر على نحو 3% من احتياطيات المعادن العالمية، رغم أنها لا تشغل سوى نحو 1% من المساحة العالمية، ومن حيث تنوع الاحتياطيات، تحتل إيران المرتبة العاشرة، ومن حيث حجم الاحتياطيات المكتشفة، تحتل المرتبة الرابعة عشرة عالميا.
وأضافت الصحيفة: “التنوع والوفرة في الاحتياطيات المعدنية يجعلان إيران واحدة من الدول التي تتمتع بقدرة عالية على تأمين المواد الأولية اللازمة للصناعة، مع 12 من المناجم الكبرى في العالم، و8% من احتياطيات الزنك و3% من احتياطيات الرصاص في العالم، وتُعد إيران رابع أكبر منتج للرخام الزخرفي في العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الموقع الجغرافي والجيوسياسي لإيران يسهل تصدير الصناعات المعدنية إلى مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى ذلك، فإن الاستفادة من 18% من مصادر الغاز و9% من مصادر النفط في العالم قد خفضت تكاليف الطاقة اللازمة للصناعات المختلفة بنسبة تصل إلى 50% مقارنة مع المتوسط العالمي، مما يجعل إيران فريدة مقارنة بالدول المعدنية الأخرى، وتوفر هذه الميزة فرصة استثنائية لصناعات المعادن مثل الصلب والنحاس والألومنيوم والأسمنت.
وذكرت الصحيفة أنه وفقا للخطط الموضوعة، من المتوقع أن يصل الإنتاج السنوي في عام 2025 إلى 55 مليون طن من الصلب، و440 ألف طن من النحاس، و1.5 مليون طن من الألومنيوم، و150 مليون طن من المنتجات المعدنية الأخرى.
ولتحقيق هذه الأهداف، يتطلب الأمر استثمارات في قطاع التعدين، وحتى الآن، تم استثمار نحو 45 إلى 46 مليار دولار في هذا القطاع، ومن أجل تحقيق نمو بنسبة 13%، هناك حاجة إلى استثمار لا يقل عن 15 مليار دولار إضافية.

مشاكل تواجه توسيع قطاع التعدين
وأوضحت الصحيفة: “يشير الخبراء إلى ثلاثة تحديات رئيسية في قطاع التعدين: عدم التطور وبيع المواد الخام، وعدم القدرة على التنافس بسبب العقوبات، ونقص الاكتشافات العميقة.
حيث في السنوات الأخيرة، تم إغلاق العديد من المناجم بسبب مختلف العوائق في الاستغلال والاستخراج، وفقا للإحصاءات الرسمية من وزارة الصناعة، من بين نحو 6000 منجم في البلاد، هناك 1388 منجما، أي أكثر من 20% منها غير فعالة”.
وتابعت الصحيفة: تتمثل التحديات الرئيسية في اكتشافات المعادن بإيران في ضعف الاستثمار، وغياب المعرفة الجيولوجية الكافية، ونقص المعدات الحديثة، لذلك، هناك حاجة لتعزيز منظمة الجيولوجيا وزيادة الاستثمار في التنقيب المنهجي.
قد تؤثر عوامل مثل التغيرات في القوانين والسياسات الاستثمارية، والظروف الاقتصادية والجغرافية، إضافة إلى التغيرات في الأسواق العالمية على هذه التقلبات.
وأوضحت الصحيفة: “لقد أدت قلة الرقابة، وتطوير المؤسسات بشكل غير كافٍ، إضافة إلى دفع الإعانات الكبيرة لسلسلة إنتاج المنتجات المعدنية، بيئة مناسبة لخلق الركود والفساد في قطاع التعدين”.
وأضافت: “تعد الآلات المعدنية القديمة، وارتفاع تكاليف الوقود وقطع الغيار، إضافة إلى الضعف في التكنولوجيا الحديثة، من التحديات الأخرى التي تواجه التعدين في إيران، لكن يمكن لتجديد المعدات واستخدام التقنيات الجديدة أن يعزز الإنتاجية والإنتاج”.
غياب البنية التحتية
وتابعت الصحيفة: “على الرغم من أن إيران تمتلك احتياطيات معدنية غنية، فإنها تلجأ إلى بيع المواد الخام بسبب نقص البنية التحتية للنقل والتكنولوجيا اللازمة لمعالجة المعادن، ويمكن لإنشاء وحدات معالجة حديثة ووضع سياسات منسقة أن يساعد في حل هذه المشكلة”.
وأردفت: “إن التوظيف المتقلب والتحديات الأمنية في المناجم يتطلبان اهتماما خاصا بحقوق العمال ومعايير السلامة، ويمكن أن يسهم تأسيس مركز سلامة المناجم في تحسين الظروف”.
وتابعت: “إن العمل الموازي بين المؤسسات المعنية وغياب خارطة طريق لقطاع التعدين هما من المشاكل الأخرى في هذا المجال، لذلك، من الضروري إعادة النظر في القوانين البيئية وزيادة التنسيق بين المؤسسات، كما يمكن للاستفادة من القوى العاملة المتخصصة والخريجين في مجال التعدين أن تساعد في تجاوز المشاكل الحالية وتحقيق مزيد من الإنتاجية”.
تحديات تواجه قطاع التعدين
وواصلت الصحيفة: “في وقت سابق، نشر مركز دراسات البرلمان الإيراني تقريرا حول التحديات التي تواجه قطاع التعدين، ووفقا لهذا التقرير:
44 % من المشاكل تتعلق بالقوانين والدولة وغياب الاستراتيجية طويلة الأمد لقطاع التعدين.
33 % من المشاكل تنشأ من سوء الإدارة ومشاكل أصحاب المناجم.
13 % من المشاكل تتعلق بالقضايا البيئية والموارد الطبيعية.
10 % من المشاكل تتعلق بالقضايا الدولية.
الإجراءات المقترحة
وذكرت الصحيفة: “يشير مركز دراسات مجلس الشورى إلى أن إجراءات مثل التغييرات الإدارية الجذرية، وإقرار استراتيجية التعدين، وإزالة التناقضات مع القوانين العليا وحل التداخلات القانونية يمكن أن تحل 75% من المشاكل”.
مشاكل قطاع التنقيب:
وأضافت: “كما تناول هذا التقرير أيضا المشاكل التي يعاني منها قطاع التنقيب عن المعادن.
وبناءً عليه، فإن الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة في البلاد تم اكتشافها على أقل من 25% من مساحة البلاد، وهو ما تم استكشافه منذ سنوات طويلة”.
لم تتخذ الحكومة أي خطوات جدية في استكشاف احتياطيات جديدة، هناك 117 منطقة معدنية بمساحات مختلفة في البلاد، والتي تشكل في المجمل 462 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقرب من ربع مساحة البلاد.
وأوضحت الصحيفة: “يعد التنقيب الجزء الأساسي في التعدين، حيث يتم في جميع أنحاء العالم بواسطة الحكومات، إن الاهتمام بهذا القطاع يقلل من مخاطر الاستثمار في التعدين والاستخراج، ويساهم في ازدهار قطاع التعدين والصناعات المعدنية”.
وبحسب الصحيفة، فمن بين البرامج المختلفة في فصل الصناعة والتعدين، تعد الميزانية المخصصة لبرنامج الجيولوجيا والتنقيب هي الأقل، في حين أن الحكومات في الدول الغنية بالمعادن في العالم تولي اهتماما خاصا لاكتشاف الاحتياطيات الجديدة وتقديمها للمستثمرين المحليين والدوليين.
خطط الحكومة
وذكرت الصحيفة أن داريوش إسماعيلي، نائب وزير الصناعة والتعدين والتجارة ورئيس منظمة الجيولوجيا والاكتشافات المعدنية الإيرانية، أكد خلال اجتماع مع منظمات التعدين في محافظة فارس، ضرورة السياسات الموحدة والذكية في الاستكشافات العميقة للمعادن، ونتيجة لذلك، تم تشكيل مجلس استراتيجي للتعدين الوطني الذي يختص بدراسة السياسات الكبرى في هذا المجال.
وأشار إسماعيلي إلى أهمية الذكاء الاصطناعي في إدارة الاكتشافات المعدنية، وأعلن أن التخطيط اللازم لتحويل منظمة الجيولوجيا إلى نظام ذكي سيتم بحلول نهاية العام المقبل، وأضاف أن الذكاء الاصطناعي سيدخل قريبا في عمليات الاستكشاف.
وتابع: “ستشارك منظمة الجيولوجيا والاكتشافات المعدنية في جمع البيانات الطيفية وتسريع وإكمال الخرائط الجيولوجية التطبيقية، مع التركيز بشكل خاص على قسم التعليم”.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أهمية الاقتصاد البحري، وقال: “سيصبح الاقتصاد البحري أحد الأقسام المهمة في المنظمة، كما سيكون دراسة المخاطر من الأعمال الرئيسية لهذه المنظمة”.
الميزانية
يعتبر كيوان جعفري طهراني، رئيس الشؤون الدولية في رابطة منتجي ومصدري الحديد الخام بإيران، في مقابلة مع صحيفة “وطن امروز”، أن أكبر مشكلة تواجه الاستثمار في قطاع التعدين والصناعات المعدنية بإيران هي تأمين الميزانية، وأشار إلى تدهور قيمة الريال، وأكد أن الظروف المتعلقة بالسيولة غير مناسبة.
وأشار جعفري طهراني إلى انخفاض قيمة الريال وزيادة سعر الدولار من 600 إلى 800 ألف ريال، معتبرا أن هذا الأمر أدى إلى تراجع إقبال المستثمرين الأجانب.
وتوقع أن تتصاعد العقوبات مع عودة ترامب إلى السلطة، في وقت يشهد فيه أيضا تزايد حضور الصين في أفغانستان، مما يقلل من اهتمام هذا البلد بالاستثمار في إيران.
واعتبر أن مخاطر الاستثمار وهروب رأس المال بسبب الظروف السياسية والاقتصادية من التحديات الرئيسية التي يواجهها قطاع التعدين.
وأوضح أن الحفاظ على المستثمرين المحليين والأجانب الصغار ودعمهم أمر بالغ الأهمية، مؤكدا ضرورة أن تقدم الحكومة حلولا لمنع هروب رأس المال، وتعزيز العملة الوطنية، حتى يساعد ذلك في جذب الاستثمارات الأجنبية.
اقتصاد غير نفطي
وبحسب تقرير الصحيفة، يمكن لتطوير قطاع التعدين أن يلعب دورا حيويا في تحول اقتصاد إيران، من خلال الاستفادة من الإمكانيات المعدنية الوفيرة واستخدام التقنيات الحديثة بشكل أمثل، حيث ستكون إيران قادرة على تحسين موقعها في الأسواق العالمية وتقليل اعتمادها على النفط.
إذ تمتلك إيران احتياطيات معدنية غنية تشمل النحاس والزنك والرصاص والألمنيوم والأحجار الزخرفية، ويمكن أن تشكل هذه الموارد القيمة أساسا للنمو الاقتصادي وخلق قيمة مضافة في مختلف القطاعات الصناعية، من خلال زيادة الاستثمار في استكشاف واستغلال هذه المناجم، وسيتم تحسين قدرة الإنتاج والتصدير للمواد المعدنية.