كتب: محمد بركات
تناول الإعلام الإيراني زيارة رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لطهران، الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، من عدة محاور، فبين من رأى أنها فرصة لتحسين صورة إيران الدولية وتأكيد تعاونها مع الوكالة، ومن قال إنها بادرة أمل تدل على وجود حل يلوح في الأفق، ومن قال إنها زيارة تحمل معاني كثيرة ولا يمكن التحقق منها إلا بعد مغادرة غروسي أو حتى إلى تولي ترامب الفعلي مقاليد الحكم في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
زيارة غروسي: فرصة حقيقة للتفاوض أم زيارة قبل تطبيق الضغط الأقصى؟
تناولت صحيفة هم ميهن أبعاد تلك الزيارة وتاريخ العلاقات بين الهيئة وإيران وما تبعات تلك الزيارة، حيث كتبت في مقالها الذي عنونته بـ”المهمة الجديدة على أعتاب الضغط الأقصى”، أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الذي زار إيران خمس مرات خلال السنوات الثلاث الماضية في عهد الحكومة الثالثة عشرة، حكومة إبراهيم رئيسي، عاد إلى طهران في زيارة جديدة بناءً على قرار من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ليبدأ مباحثات مع المسؤولين في الحكومة الرابعة عشرة. وكان غروسي قد أبدى رغبته في زيارة إيران بعد تولي الحكومة الجديدة مهامها، وكان قد التقى سابقا الرئيس الجديد مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك في تقريرها الصادر بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وتابع المقال: “أشار غروسي إلى أنه لا توجد عصا سحرية لحل القضايا فجأة، وقال: نحن نواجه قضايا مهمة للغاية ومحددة، بعضها يعود للماضي وبعضها الآخر يجري حاليا. يجب أن نذهب إلى إيران؛ يجب أن يتمكن مفتشونا من الوصول لرؤية إلى أي مدى يمكننا القول إن القضايا المتنازع عليها قد حُلّت، بناء على التفسيرات والإمكانيات المتاحة، هذه عملية صعبة للغاية.وقبل زيارته لطهران، كان المدير العام للوكالة في باكو، عاصمة أذربيجان، لحضور مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP29)، وفي اليوم السابق لزيارته لإيران، قال لوكالة الأنباء الفرنسية: “يجب على الحكومة الإيرانية أن تدرك أن الوضع الدولي يتزايد توترا، وأن الفرص للمناورة تتضاءل، وأن إيجاد طرق لحلول دبلوماسية أمر ضروري”، وخلال تلك المقابلة، أشار مرة أخرى إلى أهمية حصول الوكالة على مزيد من الصلاحيات لمراقبة البرنامج النووي الإيراني، مضيفا: “نحتاج إلى مزيد من الفحص. بالنظر إلى حجم وعمق وطموح البرنامج النووي الإيراني، يجب أن نجد طرقا لزيادة وصول الوكالة”، كما وصف الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015، قائلا: “الاتفاق الآن مجرد هيكل فارغ”.
ويكمل التقرير: “تأتي أول زيارة لغروسي إلى إيران في عهد الحكومة الإيرانية الرابعة عشرة، بينما تبقى شهران فقط على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث كان داعما لتعيين هذا الدبلوماسي الأرجنتيني مديرا للوكالة؛ وذلك لتطبيق النسخة الثانية من سياسة الضغط الأقصى. ويأتي هذا في حين يتبقى أقل من عام على انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن رقم 2231 في أكتوبر/تشرين الأول 2025. حاليا، تملك طهران ملفا قابلا للإحالة إلى مجلس الأمن بفضل قرارات مجلس الحكام وبيانات الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية؛ وهو إحالة ستكون نتائجها واضحة مسبقا، فهل ستشكل تلك الزيارة الأمل المرجو منها، أم ستعود العقوبات على إيران؟”.
زيارة غروسي تحمل بادرة أمل:
وبهذا الشأن كتبت صحيفة سازندجي: “إن غروسي جاء برسالة واضحة وسيرحل برسالة واضحة، حيث إنه كان قد صرح بأن حكومة بزشكيان لديها النية للعودة للاتفاق النووي”، وذلك وفقا لتقريرها الصادر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويكمل المقال: ” يجب الانتباه إلى أن هذه الزيارة تأتي كأول لقاء رسمي له مع كبار مسؤولي الحكومة الرابعة عشرة منذ فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تمكن الأسبوع الماضي، من هزيمة كامالا هاريس، ومن المقرر أن يدخل البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الأول. وفي هذا السياق، شهدت الأيام الماضية عديدا من النقاشات حول تشكيل حكومة الولايات المتحدة القادمة ونمط تعاملها المتوقع مع إيران، وهناك رأيان بخصوص ذلك؛ الأول يرى أن فريق ترامب الجديد سيتبع النهج القديم نفسه وربما يكون أكثر حدة في تعامله مع طهران مقارنة بفترته الأولى، بينما يشير الرأي الثاني إلى أن إدارة ترامب الثانية لن تتعامل مع إيران بالطريقة نفسها التي اتبعتها في الفترة من 2016 إلى 2020، مرجعين ذلك إلى التغيرات في النظام الدولي والتطورات في المنطقة”.
ويضيف التقرير: “في هذا السياق، نلاحظ أن بعض المسؤولين من إدارة ترامب الأولى يرسلون إشارات إيجابية إلى طهران. فعلى سبيل المثال، أعرب زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي السابق لشؤون أفغانستان، عن أمله في التوصل إلى اتفاق بين إيران وأمريكا في فترة ولاية ترامب الثانية. وقد كتب يوم الثلاثاء في رسالة على منصة “إكس”: “الاتفاق بين إيران وأمريكا الذي يحقق الأهداف الحيوية لأمريكا سيكون أفضل من الحرب ومن حصول إيران على سلاح نووي”. وأضاف في رسالته، مستندا إلى ادعاءات غربية لا أساس لها بشأن طبيعة الأنشطة النووية الإيرانية: “بالطبع، هذا الاتفاق لن يكون كالاتفاق السابق، مثل هذا الاتفاق يجب أن يوقف برنامج إيران للأسلحة النووية، لا أن يؤجل تنفيذه فقط”.
ويختتم المقال بقول: “في ظل كل هذه التفسيرات، يجب الانتباه إلى أن غروسي يزور إيران في وقت يتولى فيه بزشكيان وترامب زمام الأمور في طهران وواشنطن، كما أن التوترات في المنطقة قد تصاعدت بشكل متسارع، بسبب الإجراءات العدوانية التي اتخذتها إسرائيل ضد بلدنا وكذلك في غزة ولبنان. بناءً على ذلك، أعلن غروسي في مقابلته الأخيرة قبل زيارته لطهران، التي أجراها مع وكالة “أسوشيتيد برس”، قائلا: “لدينا مشكلة يجب أن نحلها. المشكلة هي الفجوة وانعدام الثقة، ويجب ألا نسمح بأن تتحول إلى افتراض مؤكد ذاتيا بأن المنشآت النووية تُستخدم لأهداف عسكرية، وفي نهاية المطاف، يجب الانتظار لمعرفة ما إذا كانت المفاوضات النووية ستستأنف بعد زيارة غروسي أم لا”.
مستقبل غامض لشكل العلاقات:
وكتب موقع دنياي اقتصاد تحليلا لزيارة غروسي من خلال الصحف الغربية، حيث قال: “تكتب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير لها: تأتي زيارة غروسي لإيران في وقت تؤكد فيه كل من بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتصريحات المسؤولين الإيرانيين دفع اتفاق مارس/آذار 2023 إلى الأمام؛ وهو اتفاق يحمل تفسيرات مختلفة لدى الطرفين، ويبقى أن نرى كيف يمكن تقريب وجهات النظر. ترى الوكالة أن إيران يجب أن تسمح بتركيب كاميرات في المنشآت التي يتم فيها تجميع أو إنتاج أجهزة الطرد المركزي، وفقا للتفسير المرتبط باتفاق الضمانات الشامل (CSA). لكن وفقا لتفسير إيران، وبسبب تعليقها للبروتوكول الإضافي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فلا يمكن للوكالة تثبيت هذه الكاميرات ضمن إطار اتفاق الضمانات الشامل. وفي هذا السياق، يقول طارق رؤوف، الرئيس السابق لقسم الشفافية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية: (إن الإشكالية الحالية للوكالة تكمن في أن إيران ملتزمة بتنفيذ كامل لاتفاقية ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وبالتالي عليها أن تضع جميع الأنشطة والمواد النووية تحت إشراف الوكالة، وضمن ذلك كل مليغرام من اليورانيوم المخصب). لذلك، يُنتظر من زيارة غروسي الجديدة لطهران ومحادثاته مع كبار المسؤولين، وضمن ذلك وزير الخارجية، ورئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، والرئيس الإيراني الجديد، أن تسفر عن التوصل إلى اتفاق بنّاء مع طهران، أما “الغارديان”، فقد ذكرت في تقرير لها، أنه مع تولي حكومة إصلاحية في طهران، ثمة توقعات بأن تُتخذ خطوات إيجابية لتعزيز التعاون وتقليل حدة الخلافات مع الوكالة. وإذا اعتمدت الحكومة الحالية لغة مختلفة وسعت إلى تخفيف التوتر، فقد تُعد زيارة غروسي بمثابة خطوة استباقية لمنع إصدار قرارات ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة، كما أشار التقرير إلى أن فوز دونالد ترامب سيجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لطهران، وإذا رغبت إيران في اتخاذ خطوة نحو الحل، فيمكن أن تكون الخطوة الأولى هي اتخاذ إجراءات ملموسة في طهران”، وذلك وفقا لتقريرها الصادر في 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويكمل التقرير: “إن غروسي يأمل استمرار التعاون، لكن تاريخ التوترات والسياسات الصارمة لترامب قد تؤدي إلى تفاقم الخلافات وتقليل شفافية الأنشطة النووية الإيرانية، إن مستقبل هذا التعاون يعتمد على استجابة الطرفين للتطورات الجديدة. بشكل عام، قد تكون زيارة غروسي لطهران دلالة على جهود جديدة في الدبلوماسية النووية، لكن نجاحها يعتمد على عوامل متعددة، منها موقف إيران ونهج الإدارة الأمريكية الجديدة. فالزيارة بقدر ما، قد تشكل نقطة تحول في العلاقات بين إيران وأمريكا، قد تزيد أيضا من هشاشتها، إذ إن خفض التوترات بين طهران وواشنطن لا يقتصر على القضايا النووية فقط، بل يرتبط بحل خلافات أعمق مثل المواجهات الأخيرة بين طهران وتل أبيب، وأزمة غزة، وسياسات البيت الأبيض تجاه إسرائيل، ودعم إيران لجبهة المقاومة”.
زيارة تدعم موقف إيران الدولي:
وكتبت صحيفة فرهيختجان بهذا الشأن: “تأتي زيارة غروسي لإيران في ظل تصاعد التوترات، حيث سبق أن قام الكيان الصهيوني بمحاولات استفزازية ضد إيران، منها إرسال طائرات مسيّرة نحو أصفهان، وقد تصدّى الدفاع الجوي الإيراني لها. ولا تزال تهديدات إسرائيل باستهداف المنشآت النووية الإيرانية قائمة. يصل غروسي إلى طهران في وقتٍ ترتفع فيه التوترات بين إيران وإسرائيل؛ إذ تجاوز الصهاينة الأجواء الإيرانية، وجددوا ادعاءاتهم بضرب البنية التحتية النووية، فيما ردّت إيران بشكلٍ حازم على هذه التهديدات، وأشارت إلى احتمال تعديل استراتيجيتها النووية لتعزيز مستوى الردع. بناء على ذلك، يمكن أن تترك زيارة غروسي أثرا ملحوظا على المشهد الإعلامي الدولي. ومن الشائعات التي انتشرت مؤخرا، كانت ادعاءات حول قيام إيران بتجربة سلاح نووي، حيث تمّ ربط زلزال سمنان بتجربة نووية مفترضة. هذه الادعاءات، التي تهدف فقط إلى زيادة الضغط الدولي على إيران، لم تكتسب مصداقية لعدم توافر أدلة دقيقة، ولم تولِ الوكالة الدولية للطاقة الذرية اهتماما لها. لكن وجود غروسي في طهران يمكن أن يكون فرصة لتفنيد هذه الشائعات، وتصريح المدير العام للوكالة بشأن الأنشطة النووية الإيرانية قد يشكل ردا قاطعا على هذه الادعاءات”، وذلك في تقريرها المنشور بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويكمل التقرير: “إضافة إلى ذلك، في وقت يسعى الكيان الصهيوني لإثبات أن إيران تمثل تهديدا إقليميا وتسعى لصناعة سلاح نووي، فإن زيارة غروسي تحمل رسالة دولية بأن إيران ما زالت متمسكة بالتعاون مع الوكالة وتسعى إلى تهدئة التوترات. هذا الأمر يُضعف إلى حدٍّ كبير مزاعم الصهاينة وضغوط الدول الأوروبية ويحول دون تشويه صورة إيران دوليا. ورغم هذا التأثير الإعلامي، يبقى السبب الرئيسي لزيارة غروسي هو الإجراءات التي اتخذتها إيران في إطار التزاماتها النووية وزيادة مستوى التخصيب. النقطة المهمة هنا هي أنه بعد زيادة مستوى التخصيب وادعاءات الوكالة حول إيران، ما زالت القضية في مجلس محافظي الوكالة ولم تُحل بعد إلى مجلس الأمن. ومع اقتراب نهاية الاتفاق النووي واقتراب موعد رفع وتعليق العقوبات، من المتوقع أن تثار مناقشات حول التزامات إيران المتبقية. يبدو أن هناك احتمالا بأن إيران والوكالة تبحثان عن حل مشترك يمنع إحالة الملف إلى مجلس الأمن، في مقابل منح إيران بعض التسهيلات للوكالة. لكن، يبقى غير واضحٍ ما إذا كان الطرفان سيصلان إلى آلية محددة لهذا الاتفاق، وما إذا كانت الوكالة ستتجنب تسييس هذه المسألة؛ حفاظا على استمرار التعاون مع إيران”.