كتب: محمد بركات
أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي، في بيان لها، الاثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني، عن فرض حزمة عقوبات جديدة على أفراد ومؤسسات إيرانية بدعوى استمرار دعم إيران العسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، ودعم الجماعات المسلحة، بحسب نص البيان.
وأضاف البيان أن هذه العقوبات الإضافية تستهدف استخدام السفن والموانئ لنقل الطائرات المسيّرة المصنعة في إيران، والصواريخ، والتقنيات والمعدات ذات الصلة بإيران، وذلك وفقا لتقرير موقع دنياي اقتصاد بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ووفقا للتقرير، فقد أوضح البيان أن القرار يحظر تصدير، أو نقل، أو توفير، أو بيع القطع المستخدمة في تطوير وإنتاج الصواريخ والطائرات المسيّرة من الاتحاد الأوروبي إلى إيران. كما فرضت العقوبات حظرا على نقل البضائع عبر الموانئ المملوكة لمؤسسات وأفراد خاضعين للعقوبات أو تلك التي تديرها تلك الجهات، أو تُستخدم لنقل الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية أو التقنيات والقطع المرتبطة بها إلى روسيا.
كذلك أشار البيان إلى أن هذه العقوبات تشمل منع الوصول إلى منشآت موانئ ومضائق مثل ميناءي أمير آباد وأنزلي، إضافة إلى حظر تقديم أي خدمات للسفن باستثناء تلك التي تحتاج إلى مساعدة لأهداف الأمن البحري أو الإنسانية أو التعامل مع حالات طارئة تؤثر على الصحة البشرية أو السلامة أو البيئة.
علاوة على ذلك، أعلنت المفوضية الأوروبية فرض تدابير تقييدية على فرد واحد وأربع مؤسسات، بزعم تورطهم في نقل الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية إلى روسيا لدعم حربها في أوكرانيا، وأشار البيان إلى أن العقوبات شملت شركة الشحن البحري للجمهورية الإيرانية (IRISL) ومديرها محمد رضا خياباني، حيث زعمت المفوضية أن الشركة، التي تمثل الأسطول الوطني للنقل البحري الإيراني، تلعب منذ سنوات دورا في نقل الطائرات المسيّرة نيابة عن الحرس الثوري الإيراني، الذي يخضع بدوره لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
ما المعدات والتقنيات التي تستوردها إيران من أوروبا لصناعة المسيرات؟
رغم سعي إيران إلى تطوير وصناعة جميع الأسلحة والمعدات الفنية على أرضها لتفادي أزمة العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإنها ما زالت تعتمد على استيراد بعض المعدات والتقنيات المتقدمة من الأسواق الدولية، وضمن ذلك الاتحاد الأوروبي، وذلك لتطوير صناعاتها الدفاعية، ومن ضمنها الطائرات المسيّرة. فعلى الرغم من القيود الصارمة والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية، تمكنت إيران من تأمين بعض المعدات من خلال قنوات مباشرة وغير مباشرة، مستفيدة من الثغرات القانونية أو عبر أطراف ثالثة. كذلك تلجأ إيران إلى استيراد أجهزة ومعدات ثنائية أو حتى متعددة الاستخدامات لكي تغطي على استخدامها في برامجها العسكرية.
وفي ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فقد تنوعت المعدات التي كانت تستوردها إيران منه، وشملت تقنيات حساسة تُستخدم في أنظمة الطائرات المسيّرة، مثل الشرائح الإلكترونية المتقدمة والمستشعرات البصرية والأنظمة الملاحية الدقيقة. حيث تُعد هذه المكونات أساسية لتطوير مسيّرات قادرة على أداء مهام معقدة، من ضمنها الاستطلاع العسكري، والتوجيه الدقيق للضربات، وحتى عمليات المراقبة المدنية. إضافةً إلى ذلك، كانت بعض المحركات الصغيرة المتخصصة التي تُستخدم في تشغيل المسيّرات تأتي من مصادر أوروبية، حيث تتميز هذه المحركات بخفة وزنها وكفاءتها العالية، مما يعزز قدرة الطائرات المسيّرة على الطيران لمسافات طويلة والبقاء في الجو لفترات ممتدة، وذلك وفقا لتقرير موقع إيران ووتش الصادر بتاريخ 15 فبراير/شباط 2023.
ووفقا للتقرير، فقد سعت إيران للحصول على برامج تصميم وبرمجيات التحكم عن بُعد والتي تُعتبر أساسية في عمليات التشغيل والتوجيه، فغالبا ما يتم الحصول على هذه البرمجيات من الشركات الأوروبية التي تُصمم حلولا تقنية تُستخدم في التطبيقات المدنية، لكنها تُعدل لاحقا للاستخدام العسكري. علاوةً على ذلك، لعبت المكونات المرتبطة بتقنيات الاتصال المشفر دورا حاسما في تطوير قدرات إيران على تأمين اتصالات طائراتها المسيّرة، ما يجعلها أقل عرضة للاختراق أو التشويش الإلكتروني.
تُعتبر المواد المركبة أيضا من بين السلع التي استوردتها إيران، حيث تُستخدم هذه المواد في صناعة هياكل الطائرات المسيّرة بسبب خفتها وقوتها، ما يتيح تحسين الأداء العام للمسيّرات من حيث السرعة والقدرة على التخفي عن الرادارات. ومن الجدير بالذكر أن بعض هذه المواد كانت تُدرج تحت تصنيفات مدنية، مما سهل عمليات الاستيراد دون إثارة الشبهات، وذلك وفقا لتقرير المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية الصادر في 6 يناير/كانون الثاني 2023.
ووفقا للتقرير، فإلى جانب المعدات المادية، لعبت المعرفة التقنية المستوردة من المهندسين والخبراء الأوروبيين دورا في تعزيز قدرة إيران على توظيف هذه المعدات في تطوير وتصنيع أنظمة متكاملة للطائرات المسيّرة. ففي بعض الحالات، تم الحصول على هذه المعرفة من خلال التعاون مع شركات دولية أو توظيف خبراء في المشاريع التقنية.
بجانب ذلك، تستورد إيران معدات مثل وحدات الإرسال والاستقبال، والمعالجات، ووحدات التحكم، والذاكرات، والمقويات والدوائر الإلكترونية الأخرى، ومصفوفات البوابات القابلة للبرمجة الميدانية، وأجهزة إرسال الترددات الراديوية، والمكثفات، كما تستورد معدات خاصة بالملاحة والقيادة مثل أجهزة قياس التسارع، والجيروسكوبات، ووحدات القياس بالقصور الذاتي، وأجهزة استشعار الملاحة الأخرى، وذلك وفقا لتقرير موقع وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 9 يناير/كانون الثاني 2023.
تطور صناعة المسيرات الإيرانية:
كانت صناعة المسيرات محليا واحدة من كبرر الخطوات العسكرية التي اتخذتها إيران بعد ثورة 1979، فلم تكن الطائرات التي تعمل عن بُعد جزءا من المعدات العسكرية الإيرانية قبل ذلك، حيث كان استخدامها في العديد من الجيوش العالمية قد بدأ بالفعل كمعدات استقصائية ذات قيمة استراتيجية مهمة. وفي الجيش الإيراني قبيل الثورة، كانت الطائرات بدون طيار تُستخدم بشكل محدود جدا، وكان معظمها في إطار التجارب أو التدريب فقط. ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980، واجهت إيران مشكلة كبرى تتمثل في نقص الطائرات المخصصة للاستطلاع الجوي، فكانت الطائرات المقاتلة من طراز RF4 من الجيش الإيراني غير قادرة على إجراء مهمات استطلاع بشكل كاف، بسبب القيود في قدرتها على الطيران لمسافات طويلة، وبسبب شدة المخاطر التي كانت تواجهها في أثناء الطيران يالأجواء العدائية، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء تسنيم الصادر بتاريخ 9 مايو/أيار لعام 2019.
ووفقا للتقرير، كانت هذه المشاكل سببا رئيسيا في انطلاق إيران نحو تطوير طائرات بدون طيار، خاصة في ظل الحصار والتضييقات الاقتصادية والعسكرية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على إيران بعد الثورة. ففي مواجهة هذه القيود، بدأ العديد من العلماء الإيرانيين في البحث عن بدائل محلية، وهو ما أسفر عن بداية تطوير الطائرات بدون طيار في إيران، حيث بدأ العلماء والمهندسون الإيرانيون، خاصة في جامعة أصفهان، العمل على تصميم وتصنيع طائرات مسيّرة صغيرة الحجم يمكنها أن تقوم بمهمات الاستطلاع وتوفير الصور الجوية اللازمة للقادة العسكريين في جبهات القتال.
ومن بين المحطات الرئيسية في هذا التطور، إجراء أول اختبار ميداني لطائرة مسيّرة مصنعة محليا في عام 1983 بالقرب من جزيرة ماهي. وقد كان هذا الاختبار ناجحا للغاية، مما شجع القيادة الإيرانية على تعزيز استخدام هذه الطائرات في مهام الاستطلاع، ومن ثم تشكيل “سرية رعد” التي كانت تهدف إلى توفير صور جوية بديلة عن الصور الجوية التي كانت توفرها الطائرات العسكرية التقليدية مثل RF4. هذه الطائرات، التي تم تصنيعها محليا بإيران، بدأت في تحقيق نجاحات كبيرة في تلبية احتياجات القوات المسلحة الإيرانية في مجال الاستطلاع.
وبمرور الوقت، طوّرت إيران طائرات مسيّرة متنوعة الأنواع يمكنها أداء مهام متعددة، من ضمنها التصوير الجوي والاستطلاع، وكذلك تنفيذ الهجمات الهجومية المحددة. كما تم تحسين قدرات الطائرات من خلال تجارب عملية في ميدان المعركة، مثل زيادة قدرة الطيران، وتحسين الأنظمة التصويرية، وكذلك التوسع في استخدام الطائرات في مجالات مثل العمليات النفسية والخداع ضد العدو.
واليوم، تعتبر إيران واحدة من الدول الرائدة في تطوير واستخدام الطائرات بدون طيار، حيث يمتلك الجيش الإيراني أسطولا كبيرا من الطائرات المسيّرة بمختلف الأحجام والقدرات، والتي تعد أساسية في قوتها العسكرية.
ومن أبرز عائلات المسيرات الإيرانية عائلة مسيرات شاهد من فئة شاهد 131 وشاهد 136، والتي تستخدم في مهام الاستطلاع والهجوم. هذه الطائرات تتميز بكفاءتها العالية في الطيران لمسافات طويلة واستخدامها في شن الهجمات الدقيقة على أهداف محددة. إضافة إلى ذلك، هناك طائرات مهاجر وفاطر، التي صممت خصيصا لأغراض الاستطلاع والضربات الجوية. فطائرة مهاجر من أولى الطائرات الإيرانية بدون طيار التي دخلت الخدمة، وقد شهدت تطورا مستمرا في قدرتها على الطيران لمسافات أكبر واستخدامها في مهام هجومية، وذلك وفقا لتقرير موقع رويداد 24 الإخباري الصادر بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني 2024.
أما عن أماكن تصنيع هذه الطائرات فتتوزع بشكل رئيسي في مناطق مختلفة من إيران، وضمن ذلك شركة القدس للصناعات الجوية في العاصمة طهران، حيث تعتبر من أهم المنشآت التي تعمل على تصميم وتطوير الطائرات المسيرة. كذلك، يتم تصنيع العديد من الطائرات في مجمع الصناعات الجوية بأصفهان، والذي يعد مركزا هاما لإنتاج الطائرات العسكرية الإيرانية. هذه المنشآت ليست متخصصة فقط في بناء الطائرات، ولكنها أيضا تسهم في تطوير الأنظمة الإلكترونية المتقدمة مثل أنظمة التحكم الأرضي، وأجهزة الرادار، وأدوات الملاحة، مما يعزز قدرة الطائرات المسيرة الإيرانية على تنفيذ المهام بدقة وكفاءة، وذلك وفقا لتقرير موقع مشرق الإخباري المنشور في 22 مايو/أيار 2019.