كتبت: ميرنا محمود
وفقًا لتقرير نشره موقع (Yetkin Report) الإخباري التركي في 28 أغسطس/آب 2024، دعا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي “بوريل” تركيا إلى اجتماع غير رسمي لوزراء الخارجية، لكن الرسائل التي وجهها فيدان قبل مشاركته في الاجتماع لم تكن إيجابية من وجهة نظر أنقرة التي ترى أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى تركيا باعتبارها منافسًا وليس عضوًا مُرشَّحًا.
وجاء في التقرير:
قبل أن يحضر وزير الخارجية هاكان فيدان اجتماع “Gymnich” غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 29 أغسطس، أعلن نائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد “جوزيب بوريل” أخيرًا رؤية الاتحاد المشتركة تجاه تركيا. ولم تكن الرسالة التي وجهها بوريل قبل الاجتماع الذي دُعيت تركيا إليه لأول مرة منذ خمس سنوات، بمثابة رسالة “ترحيب” دافئة لفيدان.
وخلال مؤتمر “Quo Vadis Europa – Nereye Avrupa?” (أوروبا إلى أين؟) الذي عُقد في مدينة سانتاندر بإسبانيا في 25 أغسطس/آب، أشار بوريل إلى “النفوذ الروسي والتركي المتزايد في شمال إفريقيا وكيف أن ذلك أدى إلى إخراج ‘نظام البحر الأبيض المتوسط’ للاتحاد عن مساره” وقال: “يجب علينا أن نقلق بشأن ما يحدث في أفريقيا، وعندما أتيت إلى بروكسل لأول مرة، كان هناك فرنسيون وإيطاليون في ليبيا، لم يكونوا في وئام دائمًا، لكنهم كانوا هناك. بينما اليوم، لم يعد هناك أوروبيون في ليبيا، ولم يعد هناك سوى أتراك وروس”. وأكمل قائلاً: “القواعد على السواحل الليبية الآن ليست للأوروبيين، بل لتركيا وروسيا. وهذا ليس نظام البحر الأبيض المتوسط الذي تصورناه”.
تركيا ينظر إليها كمنافس وليس مرشحةً
هذه الجملة المقتضبة تُظهر شيئين. الأول هو أن الاتحاد الأوروبي لا ينظر إلى تركيا باعتبارها مرشحةً، بل منافسًا، والأهم من ذلك، أنه لا يعتبرها دولة أوروبية، وقد تدهورت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، وباءت جهود التوصُّل إلى تسوية بالفشل.
وبينما شهد الاتحاد موجة كبيرة من المهاجرين منذ صيف 2015 إلى ربيع 2016، اتفق الاتحاد الأوروبي مع تركيا على وقف هذا التدفق، وأدت اتفاقيتان تم التفاوض عليهما إلى وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وفي المقابل، أرادت تركيا إعادة علاقاتها إلى مسارها الصحيح، والتي كانت قد تراجعت بالفعل لأسباب سياسية منذ فترة.
كانت النقاط الرئيسية التي طالبت بها تركيا هي إزالة العقبات التي تعترض عملية الانضمام، وتحديث الاتحاد الجمركي وتوفير إعفاء من التأشيرة للمواطنين الأتراك، فضلاً عن زيادة الحوار على جميع المستويات. ونتيجة لذلك، قدَّم الاتحاد الأوروبي ستة مليارات يورو للسوريين المقيمين في تركيا، وهو مبلغ زهيد لبروكسل في الواقع. وجد الاتحاد الأوروبي أسبابًا متعددة لعدم الوفاء بالأجزاء الأخرى من الاتفاقية.
هناك سببان رئيسيان لذلك
السبب الأول، هو قضية قبرص، وطالما ظلت هذه القضية دون حل، سيكون هناك دائمًا حق النقض (العرقلة) على الأقل الذي من شأنه أن يعيق التقدم.
والسبب الثاني، هو سجل تركيا السيّئ في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية التعبير. وقد جعل الاتحاد الأوروبي التطورات الإيجابية بشأن هذه القضايا شرطًا لإحراز أي تقدم في الملفات المذكورة أعلاه.
وعلى الرغم من أن تحقيق تقدم في مجالات الديمقراطية وسيادة القانون هو بالتأكيد في مصلحة تركيا، لكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع أي تقدم في قضية قبرص.
وقد فشلت جهود الأمم المتحدة على مدى سنوات عديدة في التوصل إلى تسوية بين الطائفتين في الجزيرة، ولن يكون هناك أمل في اتفاق دائم ما لم يعترف اليونانيون القبرصيون بالتساوي مع الأتراك القبرصيين.
الحاجز القبرصي اليوناني
لا يُبدي اليونانيون القبرصيون أي نية لتغيير موقفهم لأنهم يعتبرون الطرف الشرعي في نظر الاتحاد الأوروبي وغيره. كان اليونانيون القبرصيون يعولون على عملية انضمام تركيا لإجبار أنقرة على تقديم تنازلات. ومع ذلك، نأى أعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا، بأنفسهم عن تركيا من خلال عرقلة إجراء حوار هادف ومنعوا تحقيق ذلك. على الرغم من أن عملية الانضمام بدأت عام 2005، إلا أنها توقفت بعد فترة. بالإضافة إلى ذلك، لم يقم الاتحاد الأوروبي بدعوة تركيا إلى أي مؤتمرات قمة بعد عام 2004 حتى ظهور أزمة الهجرة. حتى أعربت فرنسا عن رأيها بأن حل مشكلة قبرص لن يكون كافيًا.
السبب الرئيسي للابتعاد عن تركيا هو أنه بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، هناك دول عديدة لا تريد أن ترى تركيا عضوًا. صحيح أنه تم تعليق عملية التوسع، إلا أن ممثلي الاتحاد الأوروبي يراقبون على الأقل الدول المرشحة الأخرى. كما أن الدول المتبقية في جنوب شرق أوروبا، تشمل البوسنة والهرسك وكوسوفو والجبل الأسود وشمال مقدونيا وصربيا بالإضافة إلى ألبانيا، وجورجيا، مولدوفا وأوكرانيا ، هي أيضًا مرشحةً. لم تعد هناك أي إشارة إلى تركيا في هذا السياق. لكن، لسبب ما، يبدو أن بروكسل تتذكر تركيا عندما تطالب جميع الدول المرشحة بالامتثال لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
الأسباب الحقيقية
أكبر سببٍ لذلك يعود للأسف إلى الجانب الثقافي. على الرغم من عدم وجود الدين أو الثقافة ضمن معايير الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه المعايير موجودة ضمنيًا.
إحدى النقاط السلبية ضد تركيا هي أنه في حال الانضمام ستحصل تركيا -من حيث عدد السكان- على نفس الحقوق والامتيازات التي تمتلكها ألمانيا. وبالتالي، ما لم يغير الاتحاد الأوروبي هيكله أو ينشئ أنواعًا مختلفة من العضوية، فإن تركيا ليس لديها أي فرصة للانضمام إلى الاتحاد حاليًا.
إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أصبح الآن موضوعًا أكاديميًا. ولن يتحقق ذلك ما لم يتغير الاتحاد الأوروبي وتركيا. صحيحٌ أيضًا أن تركيا تطلق التصريحات كأنها لم تعد جزءًا من الغرب، على سبيل المثال، فإن التصريحات المعادية لحلف شمال الأطلسي التي نحن أعضاء فيه تثير الدهشة، ولكن لو كان الاتحاد الأوروبي قد حافظ على وعوده ولم يبتعد عن تركيا لكنا الآن في موقف مختلف تمامًا.
دعوة جيمنيش من بوريل
وبالعودة إلى بوريل، حدث تطور مفاجئ عندما دعا الممثل الأعلى للشؤون الخارجية تركيا لحضور اجتماع جيمنيش في بروكسل في 29 أغسطس. كان من المفترض أن يعقد هذا الاجتماع في المجر، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي حاليًا. ومع ذلك، كان هناك في البداية موقف صعب بين المجر والأعضاء الآخرين. لم تكن دول عديدة من الاتحاد الأوروبي راضية عن سياسات بودابست، وقررت مقاطعة الجلسة في المجر وعقد اجتماعهم في بروكسل في نفس اليوم. يبدو أنهم حلوا هذا الموقف السيئ والآن سيعقدون اجتماعًا واحدًا فقط.
إذا كان يجب على تركيا والاتحاد الأوروبي التوصل إلى تسوية، فيتعين عليهما أن يجدا الفرصة للبدء من مكان ما، وكانت اجتماعات جيمنيش وسيلة عملية لتحقيق هذه الغاية. هذه الاجتماعات غير رسمية ولا تتخذ فيها قرارات. في الماضي، كانت تركيا تُدعى إليها بجانب الدول المرشحة الأخرى. وكان آخر اجتماع حضرته تركيا خلال رئاسة رومانيا في النصف الأول من عام 2019.
وفي العام الماضي، طلب أعضاء المجلس من بوريل إيجاد طريقة لإصلاح العلاقات مع تركيا. وكان من بين توصيات بوريل دعوة تركيا لحضور اجتماعات جيمنيش.
النفوذ المجري
في الواقع، يكون من صلاحيات الدولة التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي دعوة الأعضاء والدول الثالثة إلى هذه الاجتماعات. الدولة التي تتولى الرئاسة ليس لها سوى دور محدود في تحديد من تتم دعوته.
ومع ذلك، ربما تمت دعوة وزير الخارجية هاكان فيدان بسبب العلاقات الوثيقة بين المجر وتركيا. سيكون من المثير للاهتمام معرفة نوع النقاش الذي سيحدث في ضوء تصريحات بوريل الأخيرة.
من المتوقع أن يتولى رئيس وزراء إستونيا السابق “كاجا كالاس” حقيبة السياسة الخارجية خلفًا لبوريل عند تشكيل المفوضية الأوروبية الجديدة في ديسمبر. ونتمنى له التوفيق والحذر في التعامل مع هذا الملف.
في هذا الاجتماع، بدلاً من الحديث عن المظالم الماضية أو محاولة معالجة القضايا التي تتجاوز اختصاصهم، سيكون من الأنسب مناقشة الأرضية المشتركة وبدء التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك. وإذا كانت هناك إمكانية للمصالحة، فلا ينبغي للجانبين أن ينسوا أن تركيا مرشحة. ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يعامل تركيا بهذه الطريقة، ويجب على أنقرة أيضًا أن تتصرف وفقًا لذلك.