ترجمة: شروق السيد
في تقرير لها تناولت صحيفة ” فرهيختكان” الإيرانية الأصولية الوضع بين السعودية والأسد وكيف فشل بشار الأسد في صناعة دولة ذات ولاء كامل له على عكس المملكة العربية السعودية.
كتبت الصحيفة الإيرانية “فرهيختكان” مع التقدم السريع للجماعات المسلحة في سوريا، يعزو بعض المحللين الأزمة الحالية إلى تعامل الحكومة السورية السابق مع الشعب، فيعتقد هؤلاء أن سياسات النظام السوري السابقة أسهمت في خلق حالة من عدم الثقة دفعت بعض فئات المجتمع لتأييد فكرة أن “نظام الأسد يجب أن ينتهي.”
ولكن هل الأزمة السورية تقتصر فقط على الإخفاقات الداخلية؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب تحليل الأبعاد الداخلية والدور الخارجي في تعقيد الأزمة.
تابعت الصحيفة موضحة أن الأزمة السورية هي قضية متعددة الأبعاد ولا يمكن اختزالها في المشاكل الداخلية أو التدخلات الخارجية وحدها، فموقف بشار الأسد المعادي للصهيونية يُعد عاملاً رئيسياً في تصاعد هذه الأزمة، ورغم الانتقادات الموجهة إلى أسلوب حكم الأسد، لا يمكن تجاهل دور القوى الخارجية وسعيها لإضعاف محور المقاومة.
للتغلب على هذه الأزمة، يجب على الحكومة السورية المضي قدمًا في تنفيذ إصلاحات داخلية تعزز الثقة بين مكونات الشعب، وتدعم الوحدة الوطنية، وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تستمر في تبني مواقفها المستقلة والمعادية للصهيونية، هذا التوازن بين الإصلاحات الداخلية والاستقلال السياسي هو المفتاح لتحقيق مستقبل ناجح ومستقر لسوريا.
أسباب الأزمة في سوريا
وأضافت الصحيفة أن أزمة سوريا أصبحت معقدة للغاية، ليس فقط بسبب الحرب الأهلية والتهديدات الخارجية، بل أيضا بسبب مشكلات في هيكل الحكم وطريقة إدارة البلاد، تركزت مواقف معارضي نظام بشار الأسد، سواء من الداخل أو الخارج، على فشل الحكومة في تقديم حلول شاملة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
أحد الأسباب الرئيسية للاستياء العام هو غياب سياسات شاملة للتنمية الاقتصادية. خلال الحرب الأهلية، فشلت الحكومة في تنفيذ برامج فعّالة لإعادة بناء البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد، العقوبات الدولية والأزمات الاقتصادية الداخلية زادت من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان، مما أدى إلى شعور قطاعات واسعة من المجتمع السوري بأن الحكومة عاجزة عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وتابعت: انتقاد آخر موجه إلى نظام الأسد يتعلق بكيفية تعامله مع المطالب الشعبية، في بداية الأزمة، وقبل دخول الإرهابيين الدوليين إلى سوريا، تعاملت الحكومة مع المتظاهرين بعنف بدلًا من الاستماع إلى مطالبهم وإجراء الإصلاحات اللازمة، هذا النهج سمح للمعارضين بجذب دعم شعبي سريع، هذه الظروف، إلى جانب التدخلات الخارجية لتسليح المعارضة، أدت إلى تدفق الإرهابيين إلى سوريا واندلاع حرب مكلفة.
هذه الحرب أغرقت سوريا في مستنقع صراعات أنهكت فرص تعزيز الحكم وتحسين الظروف الاجتماعية، ومع ذلك، فإن أعضاء محور المقاومة، الذين دعموا سوريا منذ البداية، أكدوا دائمًا على ضرورة الإصلاحات الداخلية والاستجابة للمطالب الشعبية، واقترحوا على الحكومة السورية إجراء إصلاحات جذرية في هيكل الحكم.
لكن يجب أن نتذكر أن عدم الاهتمام بالتحديات الاقتصادية والمطالب الشعبية هو جزء صغير من أسباب الأزمة الحالية، وليس السبب الوحيد لها.
المواجهة مع إسرائيل دأب سوريا
وأضافت: انضم حافظ الأسد، الرئيس السوري السابق، منذ بدايات نشاطه السياسي في خمسينيات القرن الماضي إلى حزب البعث، بصفته أحد الأعضاء البارزين في الحزب، وصل إلى رئاسة الجمهورية السورية عام 1970 وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 2000، بشار الأسد، ابن حافظ الأسد، الذي يعد أيضًا من أعضاء حزب البعث السوري، تولى رئاسة الجمهورية بعد وفاة والده في عام 2000.
حافظ بشار الأسد على حزب البعث كركيزة أساسية في السياسة الداخلية والخارجية لسوريا على مر العقود، يتميز حزب البعث بإيديولوجيته القومية العربية والاشتراكية العربية، ولعب دورًا محوريًا في سياسات سوريا خلال فترتي حكم حافظ الأسد وبشار الأسد، الحزب دعم بشكل دائم حركات المقاومة الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، إلى جانب حزب الله اللبناني.
وتابعت: قاد حافظ الأسد سوريا خلال حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، بالتعاون مع مصر، بهدف استعادة الأراضي المحتلة في الجولان، في بداية الحرب، تمكن الجيش السوري من تحرير أجزاء من الجولان، لكن إسرائيل استعادت السيطرة لاحقًا وأعادت الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، ومع ذلك، كانت الحرب مكلفة جدًا لإسرائيل، وأظهرت إصرار سوريا على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
الموقف التاريخي لحزب البعث السوري الرافض لإسرائيل شكّل أحد الركائز الأساسية في السياسة الخارجية السورية، منذ عهد حافظ الأسد وحتى بشار الأسد، هذا الموقف لعب دورًا حاسمًا في تحديد علاقات سوريا مع الدول الغربية والإقليمية.
سوريا الأسد
وأضافت: لو كان الأسد، مثل السعودية، متحالفًا مع الصهاينة، لكانت سوريا تُسمى الآن “سوريا الأسدية”
رغم أن سوء الإدارة والفساد البنيوي يُعدّان من التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة السورية، إلا أن أزمة سوريا لا تقتصر فقط على هذه القضايا الداخلية، سوريا تعيش في خضم حرب متعددة الأبعاد، حيث تسعى قوى خارجية إلى إضعاف الحكومة المركزية لتحقيق مصالحها الجيوسياسية.
وتابعت: الجماعات الإرهابية، التي ظهرت بدعم من بعض الدول الإقليمية والدولية، لم تسهم فقط في تأجيج حالة عدم الاستقرار الداخلي، بل لعبت دورًا كبيرًا في تدمير البنية التحتية وزيادة معاناة الشعب السوري، في هذا السياق، يجد الشعب السوري نفسه أمام معضلة: من جهة، هناك استياء واسع النطاق من المشكلات الداخلية، ومن جهة أخرى، الحاجة إلى وجود حكومة قوية لمواجهة التهديدات الخارجية.
على الرغم من الانتقادات الواسعة الموجهة إلى أسلوب حكم بشار الأسد، إلا أنه لا يمكن تجاهل أهمية موقفه المعادي للصهيونية وتأثيره على الأوضاع في سوريا وعلاقاتها الدولية، لطالما كانت سوريا تُعرف بأنها من أشد المناهضين لإسرائيل في المنطقة، ولعبت دورًا محوريًا في محور المقاومة.
وأضافت: هذا الموقف عزز علاقات سوريا مع دول مثل إيران، ومع قوى مثل حزب الله اللبناني، ولكنه في الوقت نفسه جعلها عرضة لعداء شديد من قبل القوى الغربية والإقليمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، والسعودية، وتركيا، وإسرائيل.
على مدى السنوات الماضية، تعرضت سوريا لعقوبات شديدة، وتهديدات عسكرية، وتدخلات مباشرة، هذه الضغوط تؤكد أهمية الموقع الاستراتيجي لسوريا ودورها في الصراعات الإقليمية والمواجهة مع إسرائيل.
وتابعت: تحت قيادة بشار الأسد، لم تكتفِ سوريا بالوقوف في وجه السياسات التوسعية للكيان الإسرائيلي، بل عبّرت أيضًا عن دعمها القوي لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان، هذه السياسة جعلت نظام الأسد واحدًا من أبرز أعداء إسرائيل وتهديدًا مباشرًا لمصالحها في المنطقة.
لو أن سوريا، على غرار بعض الدول العربية مثل السعودية، تحالفت مع إسرائيل، لربما كانت قد حصلت على دعم واسع النطاق، إحدى التصريحات غير الرسمية المنسوبة إلى بشار الأسد تُظهر فهمه لهذا الواقع، حيث يُقال إنه أشار إلى أنه “لو كنت مثل السعودية متحالفًا مع إسرائيل، لربما تغير اسم البلد إلى سوريا الأسدية” هذه العبارة تُظهر وعي الأسد العميق بأثر مواقفه المستقلة والمعادية للصهيونية في زيادة الضغوط والتهديدات الخارجية على بلاده.
من هذا المنطلق، فإن السياسات المستقلة لسوريا جعلت منها تهديدًا استراتيجيًا حقيقيًا لإسرائيل والولايات المتحدة، في المقابل، حرمت هذه المواقف سوريا من الدعم المالي والدبلوماسي الذي تحصل عليه الدول العربية والغربية التي تسعى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الموقف المناهض للصهيونية الذي تبنّاه بشار الأسد يظل واحدًا من الركائز الثابتة في السياسة الخارجية لسوريا، وتأثيراته على العلاقات الإقليمية والدولية للبلاد لا يمكن إنكارها.
إسرائيل تسعى لإغلاق الشرايين الحيوية لحزب الله
وأضافت: اليوم، وجدت دول مثل تركيا، الولايات المتحدة، وإسرائيل مصالح مشتركة في الأزمة السورية، فمن وجهة نظر هذه الدول، يُعدّ موقف بشار الأسد المعادي للصهيونية ودعمه لجماعات مثل حزب الله اللبناني وحماس تهديدًا كبيرًا لمصالحها الجيوسياسية، تركيا، التي كانت في البداية تطالب بتغيير النظام في سوريا، لعبت دورًا كبيرًا في تفاقم الأزمة من خلال دعم الجماعات المسلحة المعارضة للأسد، من جهة أخرى، كثفت الولايات المتحدة الضغوط على حكومة دمشق عبر فرض عقوبات اقتصادية قاسية ودعم الجماعات الكردية في شمال سوريا.
الأزمة السورية الحالية تصب في مصلحة الكيان الصهيوني أكثر من أي جهة أخرى، إسرائيل، التي كانت تحت ضغط كبير نتيجة مواجهتها مع حزب الله من الشمال وحماس من الجنوب، ستستفيد من تركيز الصراع والاهتمام الدولي على سوريا، هذا الوضع يمنح إسرائيل فرصة لالتقاط الأنفاس في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، مما يسمح لها بالاستعداد لجولات جديدة من الصراع أو تعزيز دعمها للمعارضة السورية.
احتلال إسرائيل لمناطق في سوريا وتوسيع نطاق هذا الاحتلال إلى المناطق الجنوبية يمكن أن يؤدي إلى قطع خطوط التواصل بين حزب الله ومحور المقاومة، وهذا قد يسهل على الكيان الصهيوني تنفيذ سيناريو نزع سلاح حزب الله، وهو هدف كان يسعى لتحقيقه في سياق اتفاقات وقف إطلاق النار.
تحقيق الاستقرار في سوريا
وأضافت: خروج سوريا من الوضع الراهن الذي تأثر بالحرب الأهلية والضغوط الخارجية يحتاج إلى تبني سياسات شاملة وطويلة الأمد يمكنها معالجة التحديات الداخلية وإبطال التهديدات الخارجية، يتطلب هذا المسار اتباع نهج شامل ومنسق في المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
وتابعت: أحد أكبر التحديات التي تواجه سوريا في المستقبل هو تحقيق الاستقرار الداخلي وسد الفجوات بين أفراد الشعب، وهو أمر يتطلب تخطيطًا دقيقًا وإصلاحات جذرية، نظرًا للأزمات التي مرت بها البلاد في السنوات الماضية، وفي هذا السياق، هناك عدة محاور رئيسية يجب على سوريا التركيز عليها لتحقيق مستقبل مستدام:
المحور الأول والأهم هو تعزيز الاقتصاد الوطني، ينبغي على سوريا التركيز على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة ودعم الإنتاج المحلي، بما يتيح لها تقليل الاعتماد تدريجيًا على المساعدات الخارجية والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
المحور الثاني هو تعزيز الدبلوماسية الإقليمية، يجب على دمشق تعزيز علاقاتها مع الدول المجاورة والدول المتحالفة معها، والعمل على تقليل التوترات وتحسين العلاقات الإقليمية، إن تبني سياسات دبلوماسية مستقلة ونشطة يمكن أن يساعد سوريا في الاستفادة من الدعم السياسي والاقتصادي للدول الإقليمية، وفي الوقت نفسه تقليل العداء والضغوط الخارجية، هذه الدبلوماسية قد تلعب دورًا حيويًا في تهيئة البيئة المناسبة لإعادة إعمار البلاد وتحسين الوضع الاقتصادي.
في النهاية، يجب على سوريا الحفاظ على موقفها المناهض للصهيونية كأحد ركائز سياستها الخارجية، فموقع سوريا ضمن محور المقاومة ودعمها للجماعات المناهضة للصهيونية لا يقتصر فقط على ضرورة الحفاظ على الأمن الإقليمي واستقلال البلاد، بل يُعد أيضًا عاملًا حاسمًا في مواجهة السياسات التوسعية لإسرائيل.