كتب: محمد بركات
شهدت الساحة السياسية والإعلامية الإيرانية انقساما حادا حول التفاوض مع أوروبا، وذلك بعد قرار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي دعمته دول الترويكا، فرنسا وألمانيا وإنجلترا، والذي ينتقد إيران لعدم تعاونها مع الوكالة، وذلك في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث عبرت عدة جهات عن معارضتها الشديدة لمثل هذه المفاوضات، من بينها صحيفة كيهان، التي ذكرت في تقريرها الأخير، أن أوروبا المديونة وناقضة العهود لا تستحق أن تكون شريكا في الحوار مع إيران. وعززت الصحيفة هذا الموقف بتسليط الضوء على مواقف الدول الأوروبية التي، في نظرها، تساهم في معاناة الشعب الإيراني من خلال فرض العقوبات واتباع سياسات غير متوازنة.
كيهان: لا تتفاوضوا مع أوروبا الوقحة التي لا عهد لها
ففي تقرير نشرته صحيفة كيهان الأصولية الناطقة بلسان المرشد الإيراني علي خامنئي، وجهت نقدا شديدا لحكومة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على خطواتها للتفاوض مع الدول الأوروبية، حيث ذكرت: “صدر الأحد 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، خبر من وكالة الأنباء اليابانية كيودو يفيد بإجراء مفاوضات بين إيران وثلاث دول أوروبية في نهاية هذا الأسبوع، وسرعان ما تصدر الخبر عناوين الصحف المحلية. وبعد ساعات من نشر هذا الخبر، أكد إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في ملاحظة صحفية، الخبر الوارد من كيودو، وقال إن الاجتماع الذي يضم مساعدي وزراء خارجية إيران وفرنسا وألمانيا وبريطانيا كان قد تم التخطيط له منذ اجتماع نيويورك، وأضاف أنه ستتم مناقشة مجموعة من المواضيع الإقليمية والدولية، من ضمنها قضايا فلسطين ولبنان، فضلا عن الموضوع النووي”، وذلك حسبما جاء في تقرير الصحيفة بتاريخ الاثنين 25 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويكمل التقرير: “بعيدا عن كون المفاوضات جزءا أساسيا من السياسة الخارجية، فإن تجاهل الظروف والمواقف التي تتم فيها هذه المفاوضات قد يحولها إلى أداة في يد الطرف الآخر. وفي هذا السياق، يبدو أن الأجهزة المعنية بالملف النووي والسياسة الخارجية في الحكومة الرابعة عشرة لا تأخذ في اعتبارها التصرفات العدائية الأخيرة من قبل الدول الأوروبية، وفي مقدمتها القرار ضد إيران في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي تم تحضيره بجهود ثلاث دول أوروبية وأمريكا وتم التصويت عليه. هذه التحركات تعكس محاولة لتكرار مسار سبق أن انتقده المرشد الأعلى، علي خامنئي، عدة مرات، لاسيما خلال مفاوضات 2003-2005 وفترة ما بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين في السياسة الخارجية، وفي الوقت الذي يسعون فيه إلى المفاوضات مع الأطراف الأوروبية، يذكرون تصريحات خامنئي، في يوم تنصيب مسعود بزشكيان، حيث انتقد بشكل واضح، التصرفات السيئة لأوروبا في مختلف القضايا، وأكد عدم أولوية أوروبا في السياسة الخارجية الإيرانية”.
ويضيف التقرير: “إن التجربة الثانية في الانسحاب من الملف النووي خلال حكومة روحاني تحمل العديد من الدروس لكل مختص ومهتم بالقضايا الدولية والسياسة الخارجية. لقد أدت النتائج الصفرية لإيران في مفاوضات 2003-2005 إلى إصدار قرارات متتالية من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران، مما مهّد الطريق لطرح قضية البرنامج النووي الإيراني في مجلس الأمن، وفرض العقوبات القصوى من قبل الولايات المتحدة ضد إيران، حيث كانت البلاد في فترة ما بعد الاتفاق النووي تحت أقسى القوانين الأمريكية، دون الحاجة إلى قرارات من مجلس الأمن. هذه الأمثلة الصغيرة توضح كيف يمكن استخدام أداة الدبلوماسية بشكل غير صحيح وتحويلها إلى أداة ضد مصالح إيران الوطنية. إن التوصية بإجراء مفاوضات جديدة في ظل التوترات مع الأطراف الغربية ليست فقط غير عقلانية وعلمية، بل تثير الشكوك حول نسيان متعمد وخيانة التجارب السابقة التي كانت ضد مصالح البلاد. علاوة على ذلك، فإن تجاهل الظروف الحالية للنظام الدولي الذي شهد تغييرات كبيرة في العقد الماضي، بسبب حرب أوكرانيا والمنافسة بين القوى العظمى، إضافة إلى الاعترافات المتكررة من خبراء بارزين في الغرب حول تراجع فعالية أدوات العقوبات، يدل على أن استراتيجية المفاوضات وتقديم التنازلات والتفاؤل الساذج في الظروف الحالية هي أكثر خطأ وعدم فاعلية”.
ويُختتم التقرير: “إن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن تكرار السير في الطريق نفسه الذي شهدته مفاوضات الاتفاق النووي أو مفاوضات 2003-2005، مع ضمان تحقيق مصالح وطنية هذه المرة؟ وما الضمانات لأولئك الذين يعتقدون في مزيد من التراجع أمام الغرب؟ إجابتنا واضحة، فالتاريخ قد أظهر بجلاء، خطأ وفشل هذا المسار. أوروبا اليوم ليست فقط مدينة لإيران، بل مدينة للعالم كله، والمفاوضات معها تزيد من وقاحة هؤلاء اللاعبين الذين لا قيمة لهم في السياسة الدولية. لقد حان الوقت لترك هؤلاء اللاعبين الذين ينقضون العهود جانبا في أي عملية تفاوض، واستبدالهم بوسطاء أفضل”.
إن التفاوض مع الأوروبيين لا قيمة له
وبهذا الشأن كتب موقع ألف للتحليلات السياسية تقريرا يقول فيه إن التفاوض مع الدول الأوروبية لن يجدي نفعا، حيث قال: “إن عقد هذا الاجتماع بعد تصاعد الخلافات بين إيران وهذه الدول، التي كانت قد قدمت مشروع قرار ضد إيران في اجتماع مجلس الحكام الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية واتبعت مواقف عدائية ضد بلادنا، يعد أمرا لافتا. وعلى الرغم من أن إيران أعلنت بعد التصويت على القرار الأخير في مجلس الحكام أنها ما تزال ملتزمة بمبدأ الحوار لحل الخلافات، فإن هناك تساؤلات مهمة بشأن دوافع وأهداف الدول الأوروبية الثلاث في المشاركة في المحادثات يوم الجمعة المقبل بجنيف، والتي من الضروري أن تخضع للتحليل والنقاش”، وذلك حسبما جاء في تقرير الموقع بتاريخ الاثنين 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وحول سبب إقامة المفاوضات في هذا الوقت، حذر التقرير مسؤولي الحكومة فذكر أنه “بشكل عام، وبالنظر إلى تاريخ عدم الوفاء من قبل الدول الأوروبية في تنفيذ الاتفاق النووي وكذلك تصرفات هذه الدول بعد الانسحاب غير القانوني للولايات المتحدة من الاتفاق، فضلا عن تصرفاتها العدوانية وغير البناءة في الاجتماع الأخير لمجلس الحكام، لا يمكن قبول الفرضية بأن المحادثات ستتم في أجواء قائمة على الثقة. إضافة إلى ذلك، فإن موافقة الطرفين على عقد الاجتماع بعد فترة قصيرة من المشادات التي نشأت بين الطرفين في مجلس الحكام والتي أدت إلى التصويت على قرار ضد إيران، تثير تساؤلا جادا حول ما إذا كانت الخطوة الأخيرة من أوروبا في مجلس الحكام مجرد مناورة لدخول قوي إلى اجتماع الجمعة في جنيف؟ إن الأمر الذي يجب أن يأخذه مسؤولو بلادنا بعين الاعتبار خلال المحادثات مع الدول الأوروبية، هو الوضع الهش والضعيف للغاية لهذه الدول”.
ويكمل التقرير: “وبعيدا عن النقاط السابقة، أظهرت تجربة أوروبا في عدم تنفيذ التزاماتها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أن الدول الأوروبية إما أنها لا تستطيع أو لا ترغب في اتخاذ خطوات بعيدا عن توجيهات الولايات المتحدة. الفرصة التي استمرت نحو عام والتي منحتها إيران لأوروبا لتعويض انسحاب الولايات المتحدة، لم تثمر سوى بعض الزيارات والإجراءات الرمزية التي لم تُحقق أي نتائج ملموسة، كما أن آلية إنستكس المالية التي كان من المفترض أن تكون منصة للتبادل المالي بين إيران وأوروبا لم تُفعل قط، لذلك فلا فائدة من التفاوض معهم. من الأفضل أن تدرك الدول الأوروبية أن تصرفات مثل خطوتها الأخيرة في مجلس الحكام والقرار ضد إيران لن تؤثر على إرادة إيران الراسخة في الاستمرار في سياساتها المبدئية في العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية، بل العكس”.
أوروبا لا فائدة لها الآن، المفاوضات يجب أن تكون مع أمريكا
وبخصوص ذلك، صرح الخبير في الشؤون الأوروبية، حسن بهشتي بور، تعليقا على المفاوضات القادمة مع الدول الأوروبية، قائلا إن المشكلة الأساسية لإيران تكمن في التعامل مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن أوروبا، في ظل الظروف الحالية، لن تشارك في المفاوضات إلا إذا كانت لدى إيران خطة واضحة ومحددة للتفاوض مع الطرف الأمريكي، لذلك فإن التفاوض مع الطرف الأوربي لا قيمة له الآن، وذلك وفقا لتقرير موقع خبر أونلاين الإخباري بتاريخ الأحد 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وخلال حديثه، قال بهشتي بور إن العلاقات الأوروبية الإيرانية قد وصلت إلى أسوأ مستوياتها، وإن الدبلوماسية وحدها لا تكفي في الوضع الحالي، وأضاف أن السبب الظاهري وراء إصدار قرار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران هو عدم رد إيران على ثلاثة أسئلة طرحتها الوكالة، رغم أن إيران قدمت توضيحات عديدة، لكن الوكالة لم تقتنع بها، كما صرح بأن العلاقات الأوروبية الإيرانية متأثرة بشدة بسبب ادعاءات تورط إيران في دعم روسيا عسكريا خلال الحرب الأوكرانية، وأيضا التوترات الإقليمية بين إيران وإسرائيل، ودور اللوبي الإسرائيلي في الدول الأوروبية، مما لن يساعد على خلق مناخ جيد للوصول لنتائج.
الملف النووي لا يمكن حله إلا عبر التفاوض مع أمريكا، وليس أوروبا
وحول عدم جدوى تلك المفاوضات، فقد اعتبر حشمت الله فلاحت بيشه، الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الدولية، أن بدء المفاوضات مع أوروبا بعد توقف دامَ سنتين، بمثابة دواء بعد فوات الأوان، حيث إن إيران وأوروبا أضاعتا فرصة جوهرية لإحياء الاتفاق النووي، وأوضح أن عودة ترامب إلى السلطة في أمريكا تعد العائق الأكبر أمام الاتفاق النووي، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع نامه نيوز الإخباري الصادر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وأضاف فلاحت بيشه أن ترامب لا يعترف بأي خطة تفاوضية لا تشارك فيها الولايات المتحدة، لذا فإن المحادثات مع أوروبا قد تكون مفيدة فقط لتوضيح سوء الفهم بين الطرفين، وهو ما كان يجب أن يتم قبل عامين، فمنذ ذلك الحين، استمرت أوروبا في اتهام إيران بالتعاون مع روسيا ولم تبذل أي جهود ثنائية لإزالة هذه الشكوك، مما كان يصب في مصلحة روسيا.
وأكد أن أوروبا، رغم ادعاءاتها بالوقوف ضد ترامب، قد فشلت في تنفيذ الاتفاق النووي بشكل مستقل، بل عجزت حتى عن تشغيل آلية إنستكس التي اقترحتها. وأضاف أن هناك عقبتين كبيرتين أمام المفاوضات الحالية ؛ إحداهما هي العلاقات الثنائية المتدهورة والأخرى عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الذي يتعامل مع أوروبا بتعالٍ ويهمش دورها في قضايا مثل أوكرانيا، فما بالك بالملف النووي الإيراني.
وخلص فلاحت بيشه في النهاية، إلى أن حل الملف النووي الإيراني يتطلب عزله عن القضايا الأخرى، وبمجرد أن يستعيد الملف طبيعته المستقلة، فإن الحل الوحيد يكون من خلال التفاوض المباشر بين إيران والولايات المتحدة، لأنها الطرف الوحيد القادر على إيجاد تسوية نهائية.
أوكرانيا لم تكن السبب في سوء العلاقات
وخلال تعليق لاذع، نشر النائب البرلماني عن محافظة طهران، أمير حسين ثابتي، تغريدة على حسابه بمنصة إكس، معلقا على تصريح عباس آخوندي، وزير الإسكان الأسبق، والتي يقول فيها إن نقطة الخلاف الأساسية بين أوروبا وإيران هي مزاعم التدخل في أوكرانيا، حيث كتب: “الشخص الذي كان بسبب تقاعسه وأدائه الكارثي أحد العوامل في تضاعف أسعار العقارات 9 مرات، أصبح الآن خبيرا في الدبلوماسية! وبتوجيه الإهانة لمشاعر الناس يقول إن نقطة البداية لحل القضايا بين إيران وأوروبا هي قضية أوكرانيا! إذن فلماذا قبل حرب أوكرانيا، في عهد حكومة روحاني، قامت أوروبا بإهانتكم ولم تُنفذ آلية إنستكس؟ (هي آلية دعم للتبادل التجاري اقترحها الاتحاد الأوروبي)”.