كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
في الخامس من فبراير/شباط 2025، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مذكرة تتعلق بسياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران، مما يعكس استمرارا وتصعيدا في الضغوط الموجهة نحو طهران. وجاء هذا الإجراء بالتزامن مع زيارة رئيس وزراء إسرائيل إلى واشنطن، حيث أعاد ترامب تأكيد مواقفه المتشددة تجاه إيران، بينما أطلق في الوقت نفسه إشارات متناقضة تُلمّح إلى إمكانية انفتاحه على التفاوض معها.
لفهم أعمق للحقائق العالمية المرتبطة بالتكنولوجيا النووية، يمكن الاستفادة من النقاشات الأخيرة التي دارت في منتدى دافوس، الذي يُعتبر أحد أبرز المحافل الدولية لعرض إنجازات الدول وابتكاراتها. تسعى الدول المتقدمة عادة إلى تعزيز مكانتها، مما يؤدي إلى تشكيل تحالفات بينها تهدف إلى تعزيز التعاون مع الأنظمة الأقوى لتحقيق مصالح مشتركة.
تلعب الولايات المتحدة، بوصفها القوة العالمية المسيطرة، دورا محوريا في تحديد مصائر العديد من الدول، وتندرج التكنولوجيات المتقدمة، مثل الصناعات النووية، ضمن المجالات التي يتطلب دخولها تأمين مصالح القوى الكبرى كالصين وروسيا والولايات المتحدة؛ إذ يصبح من شبه المستحيل للدول الراغبة في الوصول إلى هذه الصناعات أو تطويرها أن تحقق ذلك دون دعم هذه القوى.
وإيران ليست بمنأى عن هذه القاعدة، فقد عملت طهران دائما على تلبية احتياجاتها في هذا المجال من خلال التعاون مع روسيا، إلا أن عدم رضا واشنطن عن هذا التعاون أدى إلى فرض قيود غير مسبوقة على أنشطة إيران النووية، مما يعكس التحديات التي تواجهها طهران في سعيها لتطوير هذه التكنولوجيا.
تتمتع التكنولوجيا النووية بإطار عمل محدد تُنظّمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث يقوم على مبدأين أساسيين هما الضمانات وعدم الانتشار، ويجب أن تُطبَّق هذه المبادئ وفقا للقوانين الوطنية لكل دولة. وقد أكدت إيران التزامها بجميع المعايير الدولية في هذا المجال. إلا أن الواقع يشير إلى أن قانون “واحد-اثنان-ثلاثة”، الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي عام 1954، يُلزم أي دولة ترغب في دخول مجالات حساسة مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، بتوقيع اتفاقيات خاصة مع الولايات المتحدة. وفي حال عدم التوصل إلى مثل هذه الاتفاقيات، يُحظر على تلك الدولة الدخول إلى هذه المجالات.
حاليا، لا يوجد سوى 18 دولة في العالم لديها اتفاقيات مماثلة مع واشنطن، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الدول التي تسعى إلى تطوير برامجها النووية خارج هذا الإطار.
تفرض الولايات المتحدة سيطرة صارمة على الصناعة النووية العالمية، وتحرص على ألا تتمكن أي دولة خارج نطاق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من الوصول إلى هذه التكنولوجيا المتقدمة. وتواجه دول مثل إيران، التي ترفض الانصياع لمطالب واشنطن، ضغوطا مكثفة وعقوبات اقتصادية قاسية.
على مدى العقدين الماضيين، خضعت إيران بشكل متكرر لمراقبة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والتي أظهرت تقارير عديدة عدم وجود أي دليل على سعيها لامتلاك أسلحة نووية، ومع ذلك، واصلت الدول الغربية اتهام إيران بالسعي لبناء برنامج نووي عسكري.
وحتى روسيا، التي قدمت في بعض الأحيان مساعدات لإيران لتطوير تكنولوجيتها النووية، وقفت أحيانا كعقبة أمام تقدم برنامج طهران النووي، والسبب الجوهري وراء عدم رغبة القوى الكبرى في تمكين دول خارج دائرة نفوذها من الوصول إلى التكنولوجيا النووية هو الحفاظ على احتكارها لهذه التكنولوجيا الحيوية، حيث تحقق هذه الدول أرباحا هائلة من إنشاء محطات الطاقة النووية وتطبيقاتها الأخرى.
وفقا للتوقعات، فإن احتمال نفاد موارد النفط والوقود الأحفوري في العالم بحلول عام 2050، أي في غضون 20 إلى 30 عاما، يعد مرتفعا للغاية. وبناء على ذلك، سعت العديد من الدول، وضمن ذلك إيران التي تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط، إلى تطوير البنى التحتية اللازمة لإنتاج الطاقة من مصادر نظيفة خلال العقود الأخيرة، ومن بين الخيارات المتاحة، تعتبر الطاقة النووية الأوفر حظا كبديل للنفط والوقود الأحفوري.
في الدول الصناعية المتقدمة، يتم تأمين 70 إلى 90 بالمئة من الكهرباء المستهلكة من خلال الطاقة النووية، وتشير الإحصائيات إلى أن الدول النامية التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى الطاقة النووية، توفر نحو 15 بالمئة من إجمالي احتياجاتها من الطاقة عبر هذه المصدر.
على الرغم من امتلاك إيران احتياطات ضخمة من النفط والغاز، فإنها لا تزال تسعى جاهدة لتحقيق الوصول إلى تكنولوجيا الطاقة النووية السلمية، إذ عملت طهران على تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية من الصين وروسيا، وسعت جاهدة من خلال الأبحاث المحلية لبناء قدرات وطنية في هذا المجال.
صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، مؤخرا، بأنه من الأفضل لإيران أن تحل قضاياها مباشرة مع إدارة ترامب، وهو ما يعكس أن القضية الرئيسية في الملف النووي الإيراني ليست السعي للحصول على الأسلحة النووية، بل هي مسألة سياسية واقتصادية. وأشار إلى أنه إذا تم تقليص الضغوط السياسية، فبإمكان طهران الامتثال لقوانين الوكالة دون أي غموض.
من جهته، أكد محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أنه يجب على كل دولة عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقديم إطار برنامجها النووي لهذه الهيئة. وأضاف قائلا: “نحن الآن في السنة الثالثة من تقديم التقارير للوكالة، وجميع الوثائق والمعلومات المتعلقة بها واضحة وشفافة تماما”.
أما في ما يتعلق بمفاعل طهران البحثي، الذي تم تصميمه في الأصل من قبل الولايات المتحدة، فقد تم بناؤه قبل الثورة الإسلامية بإيران، وكان وقوده في الماضي يحتوي على نسبة 90%. وبعد قطع التعاون مع الولايات المتحدة عقب الثورة، اعتمدت إيران في البداية على الأرجنتين لتوفير وقود المفاعل، لكن مع انخفاض إمدادات الوقود العالمية، وصلت نسبة التخصيب إلى 29%. ومن الجدير بالذكر أن هناك مفاعلات في الولايات المتحدة وكندا لا تزال تستخدم الوقود بنسبة 90%.
يشير هذا الموضوع إلى أن الولايات المتحدة قد ركزت على جزء معين من البرنامج النووي الإيراني بهدف تحفيز الرأي العام العالمي ضد إيران.
مؤخرا، أجرى مساعدو وزير الخارجية الإيراني مفاوضات مع ثلاث دول أوروبية، وهذه المحادثات قد تكون بداية لاستئناف المفاوضات النووية، التي أصبحت عمليا بلا قيمة بعد اتفاقية “البرنامج النووي” في عام 2015، وذلك بقرار من الرئيس الأمريكي آنذاك.
في الوقت الراهن، أضفت السياسات الجديدة للإدارة الأمريكية أبعادا جديدة على الملف النووي الإيراني، فقد كلف المسؤولون الأمريكيون المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإعداد تقرير شامل لتقييم الملف الإيراني من جديد، مع احتمال تفعيل آلية “السناب باك” مجددا.
يتم هذا الإجراء تحت ضغوط من الدول الأوروبية التي تسعى لمنع إيران من الاستفادة من مزايا الاتفاق النووي. ورغم ذلك، يعترف الأوروبيون بأن دورهم في هذه العملية محدود، حيث تبقى السيطرة الكاملة في يد واشنطن.
في اللقاء الأخير بين الرئيس ترامب وبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، كشف الرئيس الأمريكي عن تفاصيل جديدة بشأن فرض عقوبات إضافية، بينما أبدى في الوقت نفسه استعداده لإجراء محادثات مع إيران. هذه السياسة، المعروفة بسياسة “العصا والجزرة”، تهدف إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على إيران لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي السلمي، وبالتالي إبقاؤها في حالة اعتماد على الدول الكبرى التي تمتلك تقنيات نووية مثل الولايات المتحدة وروسيا.
مع المواقف الجديدة التي تبنتها الإدارة الأمريكية، يُتوقع حدوث تحولات في مسار المفاوضات النووية الإيرانية، ويبقى من المهم متابعة الفرص والتهديدات التي قد تواجه المسؤولين الإيرانيين في الفترة المقبلة.