ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “هم ميهن“، الأحد 9 مارس/آذار 2025، مقالا رئيسيا حول التطورات الأخيرة في إيران، واستقالة اثنين من الأعضاء البارزين في الحكومة، وذكرت أن السؤال الذي تكرر كثيرا: لماذا مسعود بزشكيان؟
وأضافت أنه بالنسبة لأولئك الذين بذلوا جهودا مضنية من أجل فوز بزشكيان برئاسة إيران، كان مجرد طرح هذا السؤال بعد ستة أشهر فقط من تشكيل حكومة الوفاق الوطني أمرا مثيرا للاستغراب.
وذكرت أنه قبل تسعة أشهر، لو طُرح هذا السؤال، لكان الاختيار بكل قناعة وبدون أدنى تردد، هو انتخاب مسعود بزشكيان تاسع رئيس لجمهورية إيران، فقد كانت هناك عشرات الأسباب والمبررات التي تجعل منه الخيار الأمثل.
وتابعت أنه على مدار مسيرته السياسية، لم يكن مسعود بزشكيان جزءا من أي حزب سياسي أو تيار منظم، ولم ينتمِ إلى أي تجمع سياسي تقليدي، لكن ما جعل هناك إجماعا، ولو محدودا، حول ترشيحه للرئاسة، كان قائما على شخصيته الفريدة وسط السياسيين من مختلف الأطياف، خاصة بين المرشحين للرئاسة.
وأضافت أنه لم يكن سياسيا متأنقا يلتزم بالبروتوكولات التقليدية، ولم يكن يتمتع بتلك الهالة الكاريزمية المصطنعة التي تحيط ببعض القادة التقليديين. على العكس، كان يجسّد البساطة والشفافية والصدق والتواضع، صفات اعتاد الناس رؤيتها في عامة المواطنين، في شوارعهم وأسواقهم. هذه العفوية جعلته أقرب إلى رمز سياسي نابع من نبض المجتمع، وليس شخصية نخبوية بعيدة عن واقع الشعب.
وأردفت أن مسعود بزشكيان لم يكن رجلا متأنقا أو سياسيا استعراضيا، لكنه كان صاحب كلمة حق لا يخشى قولها. لم يمتلك كاريزما صاخبة أو حضورا مثيرا، لكنه تحدث بلغة يفهمها الناس المتعبون الذين يتطلعون إلى العدالة. كان مثقفا ومتخصصا، لكنه لم ينظر إلى نفسه كشخصية نخبوية منفصلة عن الشعب، بل كان يؤمن بضرورة الإنصاف والمساواة.
وأوضحت أنه عكس منافسيه، بل حتى معظم المرشحين السابقين للرئاسة والبرلمان، كان يرفض إطلاق الوعود الطنانة. لم يزعم امتلاك برنامج سياسي أو ميثاق لتغيير هيكل الحكم، بل أصرّ على أنه لا يريد سوى أن يكون مسؤولا تنفيذيا كفؤا في رأس السلطة التنفيذية.
وذكرت أن هذه المقاربة كانت دائما موضع جدل في جميع الانتخابات السابقة، حيث أصبحت مصدرا رئيسيا للصراعات داخل بنية الحكم. فالنظام السياسي الإيراني، الذي يجمع بين الطابعين الرئاسي والبرلماني، خلق تداخلا وظيفيا دائما بين رؤساء الجمهورية ومؤسسات السلطة الأخرى، ما أدى إلى إهدار كثير من الموارد والطاقة السياسية في صراعات داخلية، بدلا من استثمارها في إدارة شؤون البلاد بفاعلية.
وأضافت أنه بعد مرور تسعة أشهر على الانتخابات، بات واضحا أن مسعود بزشكيان لم يكن المرشحَ الذي يُشعل الحماسة الجماهيرية أو يثير موجة تعبئة سياسية واسعة. لم تكن شعاراته الانتخابية برّاقة بما يكفي لصنع إجماع قوي حوله، ومع ذلك، استقطب عددا كبيرا من النخب السياسية وشريحة واسعة من المواطنين.
وأشارت إلى أنه في ظل خيبات الأمل المتراكمة على مدى عقود، والأزمات الاجتماعية المتفاقمة، وسقوط وهْم “الرئيس المنقذ” القادر على تغيير كل شيء بين ليلة وضحاها، بدا للناس أن الخيار الأكثر واقعية هو انتخاب شخصية عقلانية وبسيطة، بدلا من الرهان على وعود مثالية غير قابلة للتحقيق. وبإدراكهم التام للدروس المستفادة من التجارب السياسية السابقة، اختاروا إيصال بزشكيان إلى قصر الباستور.
وذكرت أنه رغم أن جزءا كبيرا من الأصوات التي حصل عليها كان تصويتا احتجاجيا ضد صناع الوضع الراهن، فإن هذا العامل لم يكن بالحجم الذي شهده المشهد الانتخابي في 1997 و2017، أو حتى في 2005، رغم اختلاف الظروف السياسية حينها.
وأوضحت أنه في حين كانت الانتخابات السابقة تتسم بمواجهة حادة بين تيارات متنافسة بوضوح، ظهر بزشكيان كمرشح للتفاهم والاعتدال، وليس كرمز لمواجهة سياسية شرسة. لم يأتِ للصدام أو لإثارة النزاعات، بل قدم نفسه كسياسي واقعي قريب من هموم الناس، في وقت أصبح فيه الاستقطاب السياسي عبئا أكثر من كونه حلا.
وأضافت أنه قبل تسعة أشهر، في أوج حرّ يوليو/تموز اللاهب، جلس مسعود بزشكيان على كرسي رئاسة الجمهورية، ليبدو حينها أن الإجابة عن السؤال الشهير قد حُسمت. لكن اليوم، في ذروة الشتاء القارس، ومع أول مواجهة جدية بين حكومته وخصومه السياسيين، التي أفضت إلى إقصاء اثنين من وزرائه الأساسيين، أصبح من الواضح أن مشروع “الوفاق الوطني”، الذي كان حجر الأساس في استراتيجيته، لم يحقق النتائج المرجوة، على الأقل نظريا. وكأن هذه الأحداث أعادت إحياء ذلك السؤال القديم في الأذهان، ليعود بقوة إلى نقاشات الساحة السياسية والإعلامية: لماذا مسعود بزشكيان؟
واستطردت قائلة: اليوم، نجد أنفسنا نسأل: هل كنا على الطريق الصحيح؟ لو عاد بنا الزمن، هل كنا سنكرر الاختيار ذاته؟ هل من المبكر الندم على هذا القرار؟ وهل “الوفاق الوطني” قادر حقا على مواجهة التحديات المتراكمة، أم أنه مجرد فكرة حالمة لا تصمد أمام الواقع؟ وهل ينبغي على بزشكيان إعادة النظر في استراتيجيته ونهجه السياسي، والتعامل بشكل مختلف عن الأشهر الماضية؟
وأوضحت أن الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج إلى وقت وتحليل عميق. لكن إن كان هناك اختصار في جملة واحدة، فسيكون: ما علمتنا إياه التجارب الماضية، في حكومتي محمد خاتمي وحسن روحاني، هو أن التوجهات العاطفية والمطالب القصوى سرعان ما تتحول إلى خيبات أمل وإحباطات متراكمة، ما يؤدي في النهاية إلى العزوف الانتخابي والسياسي. لذلك، فإن الدرس الأهم الذي يجب أن نستوعبه هو تجنب الإفراط والتفريط، والتعامل بواقعية مع حدود دور رئيس الجمهورية وإمكاناته، وهو ما كان مسعود بزشكيان نفسه يؤكده منذ اليوم الأول لحملته الانتخابية.
وذكرت أنه منذ البداية، كنا نعلم أن مسعود بزشكيان ليس “سوبرمان” ولم نتوقع منه معجزات، بل كنا نأمل فقط ألا يزداد الوضع سوءا، وربما أن يتحسن ولو قليلا. واليوم، رغم قسوة الظروف وصعوبة التحديات، لا خيار أمامنا سوى التمسك بالعهد الذي قطعناه، من أجل إيران.
وأضافت أن إقصاء شخصيات مثل محمد جواد ظريف، وضعف الأداء في مجالات استراتيجية كالسياسة الخارجية، والنسخة المبتورة من مشروع “الوفاق الوطني”، وغياب مبدأ الجدارة الذي وُعدنا به، والتعيينات المثيرة للجدل التي أعادت إنتاج الدوائر المغلقة نفسها، كلها عوامل أضافت إلى مشاعر الإحباط، إضافة إلى التدهور المعيشي، وصعوبة الحياة اليومية، والعجز عن تحقيق حتى جزء يسير من الوعود الانتخابية، مما جعل استيعاب هذا الواقع أمرا شاقا للغاية. ورغم ذلك، لا يمكن إنكار بعض الخطوات الإيجابية التي تحققت.
وأشارت إلى أنه من الواضح تماما أنه حتى مع خفض سقف التوقعات إلى الحد الأدنى، فإن أداء الحكومة لم يصل إلى المستوى المنشود. لكن كما قال الراحل عزتالله سحابي، السياسي البارز، إن الإصلاح قد يكون أصعب من تلقي الرصاص.
وأوضحت أنه بالتأكيد، أولئك الذين واجهوا تحديات ربع قرن، ومع ذلك عادوا إلى صناديق الاقتراع، باتوا أكثر وعيا ونضجا، ويدركون أن التغيير الحقيقي لا يتحقق بالقفزات المفاجئة، بل عبر خطوات تدريجية مدروسة.
واختتمت بالقول إنه الآن، بعد كل هذه المقدمات، لعلنا نعيد طرح السؤال الجوهري لهذا المقال في أذهاننا مرة أخرى: لماذا مسعود بزشكيان؟