ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “شرق” الثلاثاء 25 مارس/آذار 2025 تقريرا حول الأسباب التي تدفع إيران لأخذ خياري التفاوض والحرب على محمل الجد.
ذكرت الصحيفة أن حميد أبو طالبي، المعاون السياسي السابق لمكتب رئيس الجمهورية في عهد حسن روحاني، يرى أن هناك “مسارا جديدا” بدأ يتشكل في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وذلك في تعليقه على تصريحات ستيف ويتكوف، ممثل ترامب في شؤون الشرق الأوسط.
وأعرب في مقال بعنوان “إيران وأمريكا: أمل في مسار جديد”، أعرب أبو طالبي عن اعتقاده بأن العام الجديد قد يكون بداية نهج جديد يرتكز على التفاوض وحل الخلافات بين الجانبين.
وأشار إلى مفهوم “الرسالة الأمريكية ذات الطبقتين”، موضحا أن رغم الاختلاف الظاهري في الخطابات الدعائية لكلا الطرفين، إلا أن التركيز الأساسي ينصب على الحوار والسلام.
وأوضح أبو طالبي أن إيران، للتعامل مع أمريكا، ينبغي أن تتبنى نهجا قويا وصلبا، بينما على الولايات المتحدة أن تعتمد نهجا قائما على الاحترام والسلام كرمز لسياستها.
وأضاف أن وزير الخارجية الإيراني قام، لا سيما خلال النوروز، بتفسير رسائل ترامب وأعلن أنه سيتم الرد عليها. وفي المقابل، صرّح ممثل ترامب بأن الولايات المتحدة مستعدة للحوار، مؤكدا على احترامها للإيرانيين. ورغم الاختلاف الواضح في أسلوب الرسائل المتبادلة، إلا أن كلا الجانبين يسعيان إلى التفاعل وخفض التوتر.
وأشار إلى أن الوقت قد حان لتحويل هذه الاتصالات إلى حوار أكثر جدية واستمرارية، داعيًا إلى إطلاق مفاوضات مباشرة وشاملة بدلًا من الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية والاستعراضات الدعائية.
بين التفاوض والتصعيد العسكري
ذكرت الصحيفة أنه في الوقت الذي يستشف فيه حميد أبو طالبي من تصريحات ستيف ويتكوف توجّها دبلوماسيا أمريكيا نحو المفاوضات مع إيران، جاءت تحذيرات ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، لتلقي بظلال من الشك على هذا التفاؤل.
وأوضحت أنه في مقابلة إذاعية، أكد روبيو أن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران إذا لزم الأمر، لمنعها من امتلاك سلاح نووي، مشددا على أن الخيار الدبلوماسي لا يزال الأولوية، لكن البديل العسكري حاضر على الطاولة.
وأضافت أن مايك والتز، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، صرّح بأن استمرار هجمات الحوثيين على إسرائيل دفع الولايات المتحدة إلى تبني موقف أكثر تشددا، محذرا من أن الخيار العسكري سيكون مطروحًا ما لم تتخلَّ إيران عن برنامجها النووي بالكامل.
وأشارت إلى أنه بالتزامن مع هذه التصريحات، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن خطة لنشر حاملة طائرات ثانية في المنطقة، في ظل استمرار الغارات الجوية الأمريكية على اليمن. كما هدّد البنتاغون باستهداف منشآت عسكرية إيرانية، مشيرا إلى احتمال اتخاذ إجراءات عسكرية أكثر حزمًا إذا تصاعد التوتر.
وتابعت أنه في المقابل، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران لا تسعى إلى الحرب لكنها مستعدة للدفاع عن نفسها بقوة. كما شدد المرشد الأعلى علي خامنئي في خطاباته الأخيرة على أن أي خطوة خاطئة من قبل الولايات المتحدة ستُواجه برد إيراني حاسم وقوي.
وأوضحت أنه وبهذه التطورات، تدخل المنطقة مرحلة شديدة التعقيد والغموض، حيث يتقاطع المسار الدبلوماسي مع التصعيد العسكري، مما يجعل كل السيناريوهات مطروحة في الأيام القادمة.
مفاوضات أم مواجهة عسكرية؟
ذكرت الصحيفة أنه في ضوء التطورات الأخيرة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، قد لا يكون العام الجديد، عام المفاوضات والدبلوماسية، بل قد يكون مرحلة غامضة مليئة بالاحتمالات والسيناريوهات المتعددة.
فعلى الرغم من تفاؤل أبو طالبي بأن البلدين يسيران نحو مسار جديد قائم على الحوار وتسوية الخلافات، إلا أن التصريحات الأمريكية المتناقضة تكشف عن سياسة مزدوجة؛ فمن جهة يدعو ويتكوف إلى الدبلوماسية، بينما يؤكد مسؤولون أمريكيون آخرون مثل ماركو روبيو ومايك والتز على ضرورة الإبقاء على الخيار العسكري ضد إيران.
وأضافت أن هذا التناقض الظاهري في المواقف الأمريكية يعكس استراتيجية متعمدة تُعرف بـ “إستراتيجية الغموض”، حيث تعتمد واشنطن على التلويح بالمفاوضات والتهديد بالحرب في آن واحد، بهدف ممارسة أقصى الضغوط على طهران.
وأوضحت أنه من جهة، تصريحات مثل تلك التي أدلى بها ويتكوف تهدف إلى إقناع إيران بأن الخيار الدبلوماسي هو المسار الأساسي، مما قد يدفعها إلى التفاوض تحت ضغط القلق من التصعيد العسكري.
ومن جهة أخرى، التصريحات المتشددة من شخصيات مثل روبيو والتز تهدف إلى إبقاء الخيار العسكري مطروحًا كورقة ضغط، وإرسال رسالة مفادها أن عدم الامتثال للمطالب الأمريكية قد يؤدي إلى تصعيد عسكري.
وأشارت إلى أن هذه الاستراتيجية المزدوجة تهدف إلى إرباك صناع القرار في إيران، ودفعهم نحو الاعتقاد بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد لتجنب المواجهة العسكرية، ما قد يجعل طهران تتخذ خطوات تفاوضية تحت الضغط.
رد إيران: وعي بالمخطط واستعداد لكلا السيناريوهين
ذكرت “شرق” أنه وبالنظر إلى تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية الإيراني، يبدو أن إيران مدركة تماما لهذه الاستراتيجية، وتتخذ نهجا حذرا ومتوازنا:
فالمرشد الأعلى أكد أن أي خطأ استراتيجي من قبل الولايات المتحدة سيُقابل برد قوي وحاسم من إيران، ووزير الخارجية الإيراني شدد على أن إيران لا تسعى للحرب، لكنها جاهزة للدفاع عن نفسها بقوة إذا لزم الأمر.
وأضافت أنه في ظل هذه الاستراتيجية الأمريكية المعقدة، يبدو أن الهدف النهائي لواشنطن هو دفع إيران نحو المفاوضات من موقع ضعيف، عبر ترهيبها بالتصعيد العسكري المحتمل. ومع ذلك، فإن إيران ليست في موقف يسمح لها بالاستسلام لهذا الضغط بسهولة.
وأوضحت أن الوضع يتطلب من طهران أن تتعامل بذكاء مع هذه المرحلة من خلال:
- تفادي الوقوع في فخ الضغوط النفسية التي تهدف إلى جعل المفاوضات خيارًا إجباريا.
- مواصلة تعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية لضمان أن أي تهديد عسكري لن يكون خيارًا سهلًا للولايات المتحدة.
- استغلال المسارات الدبلوماسية بحذر، دون تقديم تنازلات استراتيجية، بل الاستفادة من المفاوضات كأداة لتعزيز المصالح الوطنية.
- التنسيق مع الحلفاء الإقليميين والدوليين لتقليل العزلة وتعزيز موقفها التفاوضي.
وأوضحت أن إيران والولايات المتحدة عالقتان في معادلة معقدة، حيث تسعى واشنطن إلى إجبار طهران على التفاوض عبر التهديد بالحرب، فيما تحاول إيران الموازنة بين الاستعداد العسكري والمرونة الدبلوماسية. وفي ظل هذه التوترات، يبقى السؤال مفتوحا: هل ستتمكن إيران من إدارة هذه الإستراتيجية بذكاء، أم أن التصعيد العسكري سيصبح في النهاية الخيار الحتمي؟
إيران تسعى لكسب الوقت
ذكرت الصحيفة أنه إذا نظرنا إلى تحليل حميد أبو طالبي من زاوية أخرى، يتضح أن إيران تحاول تبني نهجا معقدا وذكيا لإدارة الأزمة الحالية مع الولايات المتحدة.
وأوضحت أنه في الوقت الذي تسعى فيه طهران إلى تخفيف الضغوط عبر المفاوضات غير المباشرة والاستفادة من وساطات متعددة، يبدو أن هذا النهج لا يتوافق بالكامل مع الواقع السياسي الأمريكي، خاصة خلال الولاية الثانية لدونالد ترامب، حيث تبنت واشنطن مواقف متشددة وأحادية فيما يتعلق بالملفات النووية، الصاروخية، والإقليمية.
وتابعت بأن طهران تحاول استخدام القنوات الدبلوماسية غير المباشرة وحتى تقديم بعض التنازلات التكتيكية الصغيرة بهدف خلق مساحة جديدة للمناورة وتأمين فرصة لتخفيف التوترات مع الإدارة الأمريكية.
وأشارت إلى أنه رغم هذه الجهود، هناك قيود رئيسية تعرقل نجاح هذا المسار وهي:
- المهلة القصيرة نسبيا “شهران” لا تمنح طهران مساحة كافية لمناورات دبلوماسية واسعة أو كسب نقاط تفاوضية حاسمة.
- الإدارة الأمريكية متشددة ومتجانسة في مواقفها، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي، الصواريخ الباليستية، والسياسات الإقليمية، ما يجعلها غير مرنة تجاه مطالب إيران.
- تهديد آلية الزناد الأوروبية يزيد من تعقيد المشهد ويقلّص هامش الحركة الدبلوماسية لطهران.
وتابعت أنه في ظل استراتيجية واشنطن المتشددة، هناك احتمال كبير بأن محاولات إيران لكسب الوقت عبر المفاوضات غير المباشرة لن تؤدي إلى النتائج المرجوة، بل قد تصطدم بجدار السياسات الأمريكية الصارمة.
واختتمت التقرير بالقول إنه رغم الجهود الإيرانية لتخفيف الضغوط، فإن الواقع السياسي الحالي قد لا يسمح لطهران بتحقيق انفراجة دبلوماسية حقيقية، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستظل غامضة، مع احتمال تصاعد التوترات بشكل أكبر.