كتب: ربيع السعدني
كانت العاصمة طهران دائما نموذجا لتنمية المدن الأخرى في البلاد، وركز مديرو المدينة على الحد من تلوث الهواء كأحد أهم أهدافهم، تيعتبر خطة الحكومة لـ”كهربة” أسطول النقل العام أحد الحلول لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل في الحد من تلوث الهواء واستهلاك الوقود الأحفوري والانتقال نحو نظام أكثر كفاءة واستدامة وسرعة، وهي أقل تكلفة بكثير.
في الوقت الحالي، بحسب وكالة “مهر” الحكومية للأنباء، هناك ما يقرب من 3095 حافلة نشطة، معظمها تعمل بالديزل، تقدم خدماتها للمواطنين في جميع أنحاء مدينة طهران، ومن بين هذه القطارات، تعمل 2250 قطارا على خطوط مختلفة.
تفاصيل العقد الصيني لـ”كهربة” المركبات
لسنوات، كانت هناك أحاديث شتى حول كهربة المركبات، خاصة في مجال النقل العام، ولكن لم نشهد أي إجراء عملي وفعال حتى وقعت إدارة مدينة طهران الحالية عقدا كبيرا مع الصين، وفقا لموقع “ألف” الأصولي، لاستيراد 2500 حافلة كهربائية و27500 سيارة أجرة كهربائية لأسطول النقل العام المتهالك، والمؤسف في العاصمة. وفي حين تعمل على تجديد وتغيير وجه طهران، فإنها ستساعد للتخلص من تلوث الهواء، وتحسين جودة الحياة وتكون قوة دافعة للتحرك في هذا الاتجاه، رغم أن البلدية إضافة إلى العقد الصيني، وقعت عقدا لشراء 2500 حافلة (500 حافلة كهربائية و2000 حافلة ديزل) مع مصنعين محليين ردا على الانتقادات الواسعة النطاق بأن بلدية طهران لم تستغل طاقة المصنعين المحليين.
1266 حافلة جديدة
خلال الولاية السادسة لإدارة المدينة، تمت إضافة 1266 حافلة جديدة إلى الأسطول، وتم تجديد 575 حافلة غير نشطة خلال هذه الفترة الممتدة لثلاث سنوات، ولم تساهم هذه التدابير في زيادة قدرة المواطنين على الوصول إلى وسائل النقل العام فحسب، بل أدت أيضا إلى تقليل التأخير في الخطوط والازدحام في المحطات، وإضافة إلى هذه الإجراءات، تخطط الإدارة لزيادة عدد الحافلات النشطة في المدينة إلى 7500 حافلة بهدف تقليل اعتماد المواطنين على المركبات الخاصة وتسهيل حركة المرور في مختلف مناطق طهران.
كان أحد أهم التدابير المتخذة نحو “كهربة” وسائل النقل العام هو إدخال أسطول من الحافلات الكهربائية، إضافة إلى الحد من الملوثات البيئية، تلعب هذه المركبات أيضا دورا مهما في الحد من التلوث الضوضائي، كما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة حافلات مدينة طهران، فإن بلدية طهران حاولت استخدام كامل الطاقة الإنتاجية المحلية في السنوات الثلاث الماضية، وحتى الآن تم تسليم 520 حافلة جديدة من العقد مع شركة عقاب و200 من شركة إسنا، ووفقا للخطة، سيتم تسليم الجزء المتبقي من العقد، والذي سيكون نحو 1000 حافلة، من شركة عقاب بحلول يونيو/حزيران من العام المقبل.
حتى الآن، تم تسليم 200 حافلة كهربائية و60 حافلة كهربائية من نوع “هيجر” إلى طهران بموجب العقد الصيني، وفقا لتقرير وكالة أنباء “مهر” في 13 فبراير/شباط 2025، وتتميز هذه الحافلات بتكنولوجيا متقدمة تسمح بالشحن السريع والأداء طويل الأمد، ويعد تنفيذ عقد “كهربة” أسطول النقل الجماعي في طهران خطوة مهمة في خلق نمط حياة جديد وسيشجع المدن الأخرى التي تواجه مشكلة تلوث الهواء.
ولكن عندما بدأت إدارة مدينة طهران نشاطها، كانت عازمة على توقيع العديد من العقود، وجلبت المنتجين المحليين والأجانب إلى العمل، وأصبحت الحافلات خيارا مناسبا للتنمية الحضرية المستدامة، ومدة شحنها لا تتجاوز ساعتين، وهي قادرة على قطع مسافة نحو 280 كيلومترا مع كل شحنة كاملة.
وفي هذا الإطار أشار المتحدث باسم بلدية طهران عبد المطهر محمد خاني، إلى أن الولاية السادسة لإدارة المدينة، إدراكا منها للحاجة الماسة للعاصمة لتعزيز أسطولها، أعطت الأولوية لتطوير وسائل النقل العام منذ اليوم الأول، وقال: “في هذا الجانب حتى الآن، تم شراء أكثر من 1300 حافلة جديدة بالكامل من قبل بلدية طهران (بغض النظر عن أموال النفط وميزانية الحكومة)، ودخلت شوارع المدينة ليتم عرض هذه الحافلات تعلوها ملصقات (طهران الجميلة)؛ حتى يتمكن المواطنون من التحقق منها.
تطوير البنية التحتية للنقل
وبطبيعة الحال، فإن إدخال الحافلات الكهربائية في أسطول النقل الحضري يتطلب إنشاء البنية التحتية المناسبة، وضمن ذلك المحطات ومحطات الشحن، وفي هذا الصدد، اتخذت بلدية طهران خطوات لإنشاء وتطوير العديد من محطات الشحن، حيث تم بناء أربع محطات جديدة لصيانة وخدمة أسطول الحافلات الكهربائية، وتشمل هذه المحطات محطة هنغام بسعة 50 حافلة، ومحطة جانت آباد بسعة 400 حافلة، فضلا عن خطط لبناء محطات جديدة في منطقتي “كيان شهر” و”بسات”، إضافة إلى عقد توريد 2000 حافلة ديزل و500 حافلة كهربائية مع مصنعين محليين، وقعت المدينة عقدا لشراء 27500 سيارة أجرة كهربائية و2500 حافلة كهربائية و791 عربة مترو مع شركات صينية، وقال أحد أعضاء مجلس مدينة طهران: “من السابق لأوانه الاعتقاد بأننا نستطيع حل مشكلة تلوث الهواء بمجرد إدخال الحافلات وسيارات الأجرة الكهربائية، ولكنني أعتقد أن هذه هي البداية لحركة كبيرة لمكافحة تلوث الهواء”.
وفي هذا الصدد صرح محسن هرمزي، مساعد رئيس بلدية طهران لشؤون النقل والمرور لوكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري: “بدأت العملية التدريجية لاستيراد الحافلات وسيارات الأجرة، ومن المقرر أن يتم في الأيام المقبلة الكشف عن 1752 سيارة أجرة و189 حافلة كهربائية وصلت إلى طهران”، وأشار إلى أنه “بعد استكمال الإجراءات الإدارية وترخيص الحافلات وسيارات الأجرة سيتم البدء بتسليمها وتقديم الخدمة لها في المدينة”.
تاريخ “كهربة” النقل بطهران
بدأت قضية الكهرباء بإيران في عام 2016، أي منذ أكثر من 9 سنوات، عندما كان الدكتور علي آبادي، وزير الطاقة الحالي، هو الرئيس التنفيذي لمجموعة مابنا، وأوضح المهندس كامبيز مرادي؛ المدير التنفيذي لشركة “شتاب خودرو” المسؤولة عن إنتاج 500 حافلة كهربائية لبلدية طهران، خلال حواره مع وكالة “تسنيم”، أن مجموعة “مابنا” تتمتع بالقدرة على إنتاج أكثر من 5000 ميغاواط من الكهرباء سنويا، وقد قامت بتزويد السوق بهذه الكمية من الكهرباء بين عامي 2009 و2013، وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه قضية محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري أو الغاز بسبب انخفاض تكلفة تحويل الطاقات المتجددة، على سبيل المثال، على مستوى العالم، قام الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز في عام 2017 بإغلاق 40% من طاقة الشركة في محطات الطاقة واستبدالها بمجالين، أحدهما الكهربة والآخر الطاقة المتجددة.
وتشتمل الثورة الصناعية الرابعة، التي بدأت منذ أكثر من عقد من الزمان، على عدة ركائز أساسية، منها “الكهرباء، والأتمتة، والرقمنة”، وكانت استراتيجية مجموعة “مابنا” هي توسيع البنية التحتية اللازمة لكهربة النقل في البلاد وتصنيع محركات المركبات الكهربائية، لأن محركات السيارات الكهربائية تختلف كثيرا عن محركات السيارات الديزل، وكان الهدف هو إنشاء شراكات مع شركات صناعة السيارات المحلية الكبرى لتصنيع المحركات وتوسيع نطاق قضية المركبات الكهربائية في البلاد، وفي سياق متصل أكد الرئيس التنفيذي لشركة حافلات طهران، أحمد قيومي، لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، أن تطوير أسطول النقل العام الكهربائي في مدينة طهران يعد خطوة نحو الحد من تلوث الهواء، قائلا: “إن كهربة أسطول النقل الحضري، وضمن ذلك الحافلات وسيارات الأجرة والدراجات النارية، تعتبر حلا فعالا في الحد من التلوث”.
فوائد “كهربة” أساطيل النقل العام
كما يجلب تزويد أسطول حافلات طهران بالكهرباء العديد من الفوائد، طبقا لما عددته وكالة أنباء “مهر” الحكومية في تقريرها، وهي كالتالي:
- الحد من تلوث الهواء، حيث لا تنتج الحافلات الكهربائية أي ملوثات وتساعد في تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إضافة إلى ذلك، فإن خفض تكاليف الوقود ميزة أخرى مهمة لهذه الحافلات ، لأنه بدلا من استخدام الوقود الأحفوري، فإنها تستخدم الطاقة الكهربائية، وهي أقل تكلفة بكثير.
- تتمتع هذه الحافلات بكفاءة طاقة متزايدة مقارنة بالمركبات الأخرى، حيث تستهلك طاقة أقل وتكون أكثر كفاءة بشكل عام، وإضافة إلى ذلك، فإن الحد من التلوث الضوضائي هو إحدى فوائدها الأخرى، لأنه عكس الحافلات التي تعمل بالديزل، فإن هذه الحافلات صامتة تماما وتقلل من التلوث الضوضائي في المدينة.
وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، فإن مشاكل المواصلات العامة في طهران لن تحل بلا شك مع تحرك الأسطول الجديد في شوارع العاصمة، لكن وصول سيارات الأجرة والحافلات الكهربائية يعد بتحسين شبكة المواصلات العامة المتهالكة والمؤسفة في طهران، الأمر الذي يتطلب بالطبع دعما مستمرا وفعالا من المسؤولين لتحقيق الأهداف المتوقعة في هذا المجال في أقرب وقت ممكن.