كتب: ربيع السعدني
أعلنت وكالة أنباء إيران الرسمية “إرنا” وفاة منيرة غرجي، الباحثة في علوم القرآن والمرأة الوحيدة التي شغلت عضوية مجلس خبراء القيادة الإيراني، يوم الإثنين 13 يناير/ كانون الثاني 2025، عن عمر ناهز الـ 95 عامًا.
توفيت “منيرة علي”، المعروفة بـ”منيرة غرجي”، لكن لا يزال إرثها كواحدة من رواد الحضور النسائي في الساحات السياسية الإيرانية قائمًا، درست علوم القرآن الكريم منذ أن كانت في الخامسة من عمرها ثم تزوجت في سن مبكرة من مهدي غرجي، وتركت تعليمها الثانوي، لكن حبها للعلم جعلها تقرأ وتدرس وتبحث في النصوص الإسلامية وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها.
هي إحدى النساء البارزات في تاريخ إيران المعاصر والتي لعبت دورًا مهمًا في التطورات السياسية والاجتماعية بعد الثورة، وباعتبارها العضوة الوحيدة في مجلس الخبراء الدستوريين، والتي دخلت هذا المجلس بمليوني صوت كممثلة للشعب للتصديق على الدستور، ومن ثم كان لها مكانة خاصة في صياغة دستور إيران.
عُرفت منيرة غرجي كمتحدثة ثورية في السنوات التي سبقت انتصار الثورة وكانت خطبها مشهورة جدًا في الأعوام من (1977- 1979)، وتُعد من النساء الناشطات خلال فترة الثورة وأسست أول منظمة غير حكومية متخصصة في شؤون المرأة تحت اسم “مؤسسة دراسات وأبحاث المرأة”، وكان لها دور بارز في تعزيز وعي المرأة في إيران، وحازت عام 2005 على وسام الدولة من الدرجة الثالثة في فئة “مهر” بموافقة مجلس الوزراء.
عملت غرجي كباحثة متخصصة في الشريعة الإسلامية والدراسات القرآنية، وكان لها دور في نشر المعرفة الإسلامية وتعليم النساء في إيران، وساهمت في تعزيز دور المرأة في المجالات الدينية والعلمية بإيران، وكان ينظر إليها كشخصية مؤثرة في الأوساط الدينية والسياسية.
تواجد برلماني قوي
وكان وجودها في البرلمان رمزاً لمشاركة المرأة في النظام السياسي الجديد في إيران، وسعت جاهدة ل
لإدراج حقوق المرأة في إطار التعاليم الإسلامية في الدستور، وأولت اهتماما خاصا للقضايا المتعلقة بوضع الأسرة والمرأة في المجتمع.
كما أن حضورها في أول مجلس انتخابي في تاريخ إيران بحسب تقرير “إرنا” كان مليئًا بالتحديات، لقد بذلت جهودًا كثيرة للدفاع عن حقوق المرأة في هذا البرلمان، وقد أثار اختيارها لتكون العضوة الوحيدة في مجلس الخبراء الدستوري احتجاجات بعض الأعضاء المنتخبين.
وفي مقابلة أجرتها مع صحيفة “شرق” عام 2016، ونقلها موقع “خبر آنلاين” حول وجودها في مجلس القيادة، وصفت غرجي أجواء ذلك الوقت على النحو التالي: “في الجلسة الأولى لمجلس الخبراء، وقف أحد النواب من شيراز وقال: هذا فالاجتماع هو اجتماع الخطيئة.. امرأة واحدة و70 رجلاً، لا يمكنك فهم معنى هذه الكلمة، ذهبت من وراء مكبر الصوت وقلت إنني على يقين بأني لا أذنب، ومن ظن أنه يأثم وأن البرلمان برلمان آثم فليخرج”.
وبعد انتهاء ولاية مجلس الخبراء الدستوريين، تولت غرجي بعض المسؤوليات، لكنها انسحبت بشكل عام من السياسة بشكل شبه كامل على مدى العقود الثلاثة الماضية.
إرث ثقافي كبير
وفي عام 2007 أصدرت كتابها “نظرة القرآن إلى حضور المرأة في تاريخ الأنبياء” وهو انعكاس لنظرتها العميقة لمكانة المرأة في النصوص الدينية.
يبحث هذا الكتاب بعناية في مكانة المرأة في الآيات القرآنية وتاريخ الأنبياء، وتنتقد فيه غرجي تفسيرات مختلفة وتقدم وجهات نظر جديدة حول تاريخ الأنبياء ومكانة المرأة في الإسلام.
ومن أهم فصول الكتاب: المرأة والحكم: دراسة لشخصية بلقيس ملكة سبأ وقدرة المرأة في مجال الحكم، المرأة ونزول الرحمة الإلهية.. شخصية سارة زوجة النبي إبراهيم والبشارة بإنجابها طفلاً، حرية الإرادة: التأكيد على أن البشر، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو الزواج من الأنبياء، يجب أن يختاروا الطريق الصحيح للخلاص أو الشقاء.
كما أصدر الديوان الرئاسي لشؤون المرأة والأسرة، كتاب “نصف قرن من النضال والفكر بقلم منيرة غرجي” حسبما نشرت وكالة “إرنا” والذي يتناول حياة هذه الباحثة القرآنية وأفكارها ويستعرض محطات من حياة غرجي في الطفولة ودراسة القرآن تحت ضوء القمر كما يتناول الكتاب نشاطها القرآني والاجتماعي خلال نصف قرن ويسلط الضوء على تأثيرها على أجيال مختلفة من النساء في إيران.
الحكومة: وفاة غرجي خسارة كبيرة
نعتها الحكومة الإيرانية عبر المتحدث الرسمي فاطمة مهاجراني التي بعثت برسالة تعزية تنعى رحيل منيرة غرجي، واعتبرتها نموذجًا للمرأة المؤمنة والمؤثرة في تاريخ إيران المعاصر.
وبحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، “إيسنا” جاء في نص الرسالة يوم 13 يناير/ كانون الثاني 2025: “ببالغ الأسى والحزن أتقدم بالتعازي إلى أسرتها الكريمة والمجتمع الديني والثقافي في البلاد بوفاة السيدة المثقفة والمتميزة الأستاذة منيرة غرجي، المرأة الأولى والوحيدة في المجلس من خبراء القيادة والمفسرين المهمين للقرآن الكريم”.
وأضافت مهاجراني: “بفضل التزامهن وإيمانهن وأدوارهن الفريدة، يُعرفن بأنهن نموذج للنساء المؤمنات والمؤثرات في تاريخ إيران المعاصر، إن خسارة هذه السيدة الغالية خسارة كبيرة لمجتمعنا، أسأل الله العلي القدير أن يرحمهم وأن يصبرهم على الناجين.. وستبقى ذكراهم خالدة في التاريخ”.
رئيس البرلمان ينعى غرجي
كما أعرب رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف في رسالة نشرتها وكالة أنباء “إرنا” الرسمية عن خالص تعازيه بوفاة الباحثة والمؤلفة والشخصية المرموقة في علوم القرآن الكريم “منيرة غرجي” وكتب: “لقد كان لها دور كبير في إقرار المبادئ المتعلقة بالمرأة والأسرة في الدستور، وتُعد من الخبراء الدستوريين الذين لعبوا دوراً هاماً في صياغة وإقرار المبادئ المتعلقة بالمرأة والأسرة في الدستور وتعزيز مكانة المرأة في البنية السياسية للبلاد، وبفضل جهودها تمكنت من الحصول على وسام “مهر” القيم”.
وأضاف قاليباف، “كان لغرجي خلال الحركة الإسلامية دور في عقد لقاءات حول القرآن والتفسير والأحكام في أجواء الحملة الانتخابية، وبعد انتصار الثورة، كباحثة مثقفة والممثلة النسائية الوحيدة في مجلس الخبراء الدستوري، وكان لها دور بارز في صياغة وإقرار المبادئ المتعلقة بالمرأة والأسرة في الدستور، ورفع مكانة المرأة في التركيبة السياسية للبلاد، ونجحت في الحصول على وسام الشرف الثمين لجهودها”.
أمنية غرجي
وكانت أمنية منيرة غرجي بحسب وكالة أنباء “إيسنا” شبه الرسمية نقلا عن حوارها مع صحيفة “شرق” هي: “أن تقول لا إله إلا الله ثم تغادر الحياة الدنيا”.
وكتبت عنها رئيس جبهة الإصلاح عازار المنصوري كلمة رثاء عبر منصة “X”: “لقد قضت منيرة غرجي سنوات طويلة وهي تحاول بصدق تقديم صورة أخلاقية للدين، لتثبت أنه في الدين الذي تؤمن به، يتمتع النساء والرجال بحقوق إنسانية متساوية.. لتبقى روحك سعيدة واسمك وذكرك خالدين إلى الأبد”.
مجلس القيادة
يتألف مجلس خبراء القيادة الإيراني، المنوط به اختيار قيادات البلاد ومراقبة أدائها، بحسب وكالة “إرنا” الرسمية من 88 من “المجتهدين المؤهلين الذين لهم مهام جسيمة في هيكل إيران وتبلغ مدة ولاية كل عضو ثمانِ سنوات ويتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب”.
وقد تأسس مجلس خبراء القيادة لأول مرة عام 1986، وبموجب الدستور، فإنّ مجلس الخبراء يشرف على أعمال المرشد الأعلى الذي ينتخبه مدى الحياة، كما أنّه يملك صلاحية فصله إذا رأى أنّه لم يعد قادراً على القيام بمهامه.
عدد الأعضاء
يبلغ عدد النواب الأعضاء في مجلس خبراء القيادة 88، وأي زيادة لعدد الأعضاء ستكون بناء على اقتراح مجلس الإدارة في العام الأخير من كل دورة وموافقة جمعية خبراء القيادة بعد إجراء التحقيقات اللازمة وحسب عدد السكان والتقسيمات الجغرافية للبلاد والمصالح الوطنية.
كيفية وشروط الترشح
يتم انتخاب أعضاء مجلس الخبراء بالاقتراع المباشر من الشعب وتُجرى هذه الانتخابات على أساس المحافظات ويكون كل شخص ممثلاً عن محافظة، ويجب أن يكون أعضاءه حاصلين على تعليم في العلوم الدينية، وأن يكونوا على الأقل مجتهدين، أي قادرين على الاجتهاد في بعض المسائل الفقهية.
لا يوجد في الدستور الإيراني ما يمنع النساء من التواجد في مجلس الخبراء، وبموجب المادة (3) من قانون انتخاب المجلس حسبما نشرت وكالة “مهر” للأنباء يشترط فيمن يرشح نفسه في هذا المجلس هذه الصفات: السمعة الطيبة في الدين والأمانة والكفاءة، والاجتهاد والبصيرة السياسية والاجتماعية والإلمام بالقضايا الراهنة، والإيمان بالنظام الإيراني وعدم وجود سجلات سياسية واجتماعية سيئة.
وأجريت الجولة السادسة لانتخابات مجلس خبراء القيادة في يوم الجمعة الأول من مارس/ آذار 2024، بالتزامن مع انتخابات الدورة الثانية عشرة للبرلمان.
وقد حظيت نتائج انتخابات مجلس خبراء القيادة بأهمِّيَّة كبرى، كونها تدلُّ على كيفية استعداد النظام لاختيار المرشد المقبل الذي سيخلف علي خامنئي في حال وفاته أو عجزه عن أداء مسؤولياته، ويرأس المجلس حالياً محمد علي موحدي كرماني بأغلبية 55 صوتاً، وسيتولى رئاسته لمدة عامين، وفقاً للنظام الداخلي للمجلس.
المشاركة الوحيدة
كان وجود المرأة في مجلس خبراء الدستور من المحرمات حتى عام 1979 وقد عارض الكثيرون علناً مع انتخاب منيرة غرجي، مشاركة المرأة في صياغة الدستور الإيراني، لكنها وقفت في وجه المعارضين، وأعلنت أن انتخابها مستحق في هذا المجلس، وأصبحت لأول مرة، عضوا في أول مجلس خبراء إيراني بحصولها على 51.7 % من إجمالي الأصوات بحوالي مليون و300 ألف صوت.
ومن بين أعضاء مجلس الخبراء الدستوريين البالغ عددهم 73 عضوا، اعتبرت غرجي نفسها الممثلة الوحيدة للمرأة الإيرانية، لكنها بعد سنوات أعلنت بوضوح: “لقد تبت تماما” في إشارة لعدم رغبتها في الترشح من جديد بمجلس القيادة.
تاريخ المرأة بالمجلس
من بين الدورات الست لمجلس خبراء القيادة، وتحديدا في الجولة الخامسة من الانتخابات، ترشحت 16 امرأة، وفقاً لموقع “ديده بان إيران“، حيث لم تدخل أي واحدة منهن حلبة المنافسة الانتخابية، لكن في الانتخابات النصفية لعام 2018، تقدمت امرأة من محافظة فارس إلى مرحلة اختبار الاجتهاد.
وفي عام 2024 خلال الدورة الانتخابية السادسة وبحسب الإحصائيات المعلنة في اليوم الثاني للتسجيل، كان هناك 2% من المرشحين سيدات و98% من الرجال، ولا توجد معلومات موثقة عن عدد النساء المسجلات في هذه الفترة.