کتبت: شروق السيد
أجرى سلطان عمان، هيثم بن طارق، اتصالا هاتفيا برئيس الجمهورية الإيرانية مسعود بزشكيان في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024. جاءت هذه المكالمة في وقت حساس بالنسبة للمنطقة، وسط تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، مما أثار تكهنات حول مغزى الاتصال وأهدافه، يُنظر إلى عمان دائما على أنها حلقة وصل هامة في الجهود الدبلوماسية، لا سيما بين إيران والولايات المتحدة، ما جعل هذا الاتصال محورا للاهتمام في ظل احتمالات تصاعد التوترات إلى مواجهة عسكرية.
مكالمة هاتفية بين الرئيس الإيراني وسلطان عمان
ردّ مسعود بزشکیان، رئيس جمهورية إيران، ظهر یوم الأربعاء 16 أکتوبر/تشرين الأول 2024، على اتصال هاتفي من السلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان، حيث أعرب السلطان عن ارتياحه للعلاقات الطيبة والوثيقة بين البلدين ورغبته في تعزيز وتطوير هذه العلاقات. ومن جانبه، عبّر رئيس الجمهورية عن سعادته بالعلاقات الودية بين طهران ومسقط، وأكد التزام إيران بتعزيز التعاون بين البلدين.
وأشار الرئيس الإيراني إلى أن “تعزيز وتطوير العلاقات مع عمان يمثل إحدى أولويات السياسة المبدئية لإيران في توسيع العلاقات مع الدول المجاورة، مضيفا أن تقوية العلاقات الودية والأخوية بين دول المنطقة وتوسيع التعاون الإقليمي يعتبر أساسا للتوصل إلى رؤية ولغة مشتركة لحل قضايا منطقتنا، كوسيلة لتحقيق التنمية المشتركة والرفاهية والهدوء لشعوبنا”.
كما شدّد الدكتور بزشکیان على أهمية تعزيز الأخوة بين الدول الإسلامية في المنطقة، مؤكدا أنها ليست فقط وصية دينية وقناعة مستمدة من سيرة الرسول الكريم محمد صلى الله على وسلم، بل أيضا ضرورة مُلحة في هذه المرحلة الحساسة، وقال: “لو كنا كدول إسلامية يدا واحدة، فلن يتجرأ الكيان الصهيوني على ارتكاب الجرائم بهذه السهولة، ولن يحظى بدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية”.
وأعرب الرئيس الإيراني عن تقديره لمواقف عمان المبدئية إزاء جرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، وطالب بزيادة الضغط على داعمي هذا الكيان لوقف آلة القتل والجرائم التي يرتكبها.
من جانبه، أكّد السلطان هيثم بن طارق، خلال هذه المكالمة الهاتفية، تقديره ودعمه لمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المبدئية بشأن قضايا المنطقة، بما في ذلك قضية غزة ولبنان، وأكد ضرورة تجنب ازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول الغربية في التعامل مع هذه القضية.
وأشار سلطان عمان إلى أن دعم حقوق الشعب المظلوم في غزة ولبنان هو إحدى أولويات بلاده واهتماماتها الجدية، وأوضح أن استمرار دعم الدول الغربية لجرائم إسرائيل أمر غير مقبول ولا يمكن تبريره بأي حال، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “رياست جمهورى“.
ما مدى أهمية هذه المكالمة؟
كتب صابر جول عنبري، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، على الموقع الإيراني “عصر إيران“: “أجرى سلطان عمان هيثم بن طارق، الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، اتصالا هاتفيا بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان”.
هذا الاتصال ليس عاديا لعدة أسباب تجعله مميزا ويحمل أهمية ومعنى خاصين، أولا، تأتي هذه المكالمة في ظل الظروف الحساسة والخطيرة التي تمر بها المنطقة، مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد إيران وربما بدء العدّ التنازلي لمغامرة عسكرية محتملة.
ثانيا، كانت عمان دائما حلقة وصل أساسية بين الولايات المتحدة وإيران، وتلعب دورا مهما في نقل الرسائل المهمة والجهود المبذولة لخفض التوترات، وقد نجحت، في بعض الأحيان وفشلت في أخرى.
ثالثا، يظهر التاريخ أن سلطان عمان لا يتصل كثيرا إلا في حال وجود مسألة مهمة. في العام الماضي، من يناير/كانون الثاني حتى الآن، باستثناء بعض المكالمات بمناسبة الأعياد مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية، أجرى مكالمتين فقط؛ الأولى مع رئيس الوزراء الكندي في سبتمبر/أيلول الماضي، ويبدو أنها كانت استجابة لاتصال هاتفي من ترودو في يناير/كانون الثاني؛ أما الثانية فهي اليوم مع رئيس جمهورية إيران.
رابعا، وزير الخارجية الإيراني كان بالأمس في مسقط، ولو كانت هناك مسألة مهمة، فمن المفترض أن تُطرَح بالأمس مع عراقجي، لذا، يجب النظر في ما إذا كان هناك “أمر بالغ الأهمية” قد حدث في هذه الفترة، ما دفع سلطان عمان إلى الاتصال شخصيا بالرئيس الإيراني وطرح الموضوع.
مجموعة هذه العوامل تجعل الاتصال يحظى بأهمية خاصة وتثير الفضول لفهم مغزاه “النص المنشور على موقع رئاسة الجمهورية الإيرانية ووكالة الأنباء العمانية يحمل تفاصيل عامة، ولكن لا يوجد ما يمكن استنباطه بين السطور”.
يمكن طرح عدة احتمالات حول محتوى هذه المكالمة الهاتفية: الاحتمال الأول هو أن هناك مبادرة عمانية في اللحظات الأخيرة قبل اندلاع توتر عسكري خطير في المنطقة، بهدف تهدئة الأوضاع، وأن تنفيذها يتطلب اتصالا وتدخلا مباشرا من السلطان هيثم، وفي هذه الحالة، قد تكون عمان قد أجرت محادثات مسبقة مع الولايات المتحدة أو أرادت بدايةً اختبار رد إيران.
الاحتمال الثاني هو أن سلطان عمان، نظراً إلى حساسية الأوضاع وعلاقاته القريبة مع الولايات المتحدة، قد توصل إلى استنتاج بأن الوضع الإقليمي قد يخرج عن السيطرة ويؤدي إلى حرب، وبناء على الصداقة الطويلة التي تربط بلاده بإيران، أراد الإعرب عن قلقه البالغ إزاء هذا الوضع الذي يصعب مشاركته.
أما الاحتمال الثالث فهو أن السلطان كان يحمل رسالة “جادة ومهمة” من الولايات المتحدة إلى إيران، في هذه الحالة، ما هي هذه الرسالة؟ في لحظات تسبق خطوة إسرائيلية محتملة، قد تكون رسالة تحذير مثلا، تطلب من إيران الامتناع عن الرد على إسرائيل، أو ربما تحذيرا بشأن التعرض لمصالح وقوات الولايات المتحدة في المنطقة، وهو احتمال مستبعد أن تُنقل مثل هذه الرسائل على مستوى السلطان.
أو هل بعث مثلا برسالة، مفادها أننا أوقفنا إسرائيل عن استهداف المنشآت النووية والنفطية، وإذا فعلت فستتهاونون أيضا؛ حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة؟
أو قد تكون الولايات المتحدة ترغب في تقديم اقتراح “هام” للتهدئة عبر وسيط السلطان العماني، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي هذه المبادرة؟ هل هي وعد باتفاق وقف إطلاق نار شامل في المنطقة مقابل ماذا؟ هل تتضمن وعدا باتخاذ رد فعل في حال عدم الرد؟
وقد يكون كذلك اقتراحا لامتناع إسرائيل عن الرد مقابل تقديم تنازلات مهمة لها خاصة في جنوب لبنان؟
أيا كان الاحتمال، يبدو لي أن الطرف الآخر “حاليا” ليس مستعدا لاتفاق.
ولكن يمكن اعتبار اتصال السلطان هيثم، بغض النظر عن المحتوى، جزءا من الدبلوماسية الأمريكية الكبرى للحيلولة دون خروج الأمور عن السيطرة في المستقبل القريب.
ما ذُكر أعلاه مجرد تكهنات حول اتصال له مغزى خاص في موقف خطير وفي ظل غياب التفاصيل.