كتب: ربيع السعدني
لعبت محافظة أذربيجان الشرقية في إيران؛ نظرا إلى موقعها على طريق الحرير، دورا خاصا ومحوريا في التبادلات التجارية والاقتصادية مع دول الجوار وأوروبا منذ القدم، وفي الوقت الحاضر يوجد في هذه المحافظة منفذان حدوديان، وتواصل “نوردوز” و”جلفا” لعب دور في هذا المجال، ومن خلال تنفيذ ممر عبور آراس ومحطة كلالة الحدودية، ستزيد حصة التصدير لهذه المنطقة بشكل كبير، وفقا لوكالة أنباء “إيرنا” الرسمية.
يقع “ممر آراس” في الممر الشرقي الغربي، والذي يبدأ من الحدود الشمالية الشرقية لإيران وينتهي عند الحدود الشمالية الغربية، ويربط دول شرق آسيا وإيران وبالتالي أذربيجان الشرقية، كما تلعب محطة كلالة (آراس) الحدودية قيد الإنشاء في شمال هذه المحافظة وعلى مقربة من نهر آراس، دورا خاصا في عبور البضائع والتبادلات التجارية والاقتصادية بين هذه البلدان.
ويشكل هذا الممر الحدودي فرصة فريدة في عصر المنافسة بين الممرات، ويتطلب استغلالها إحراز تقدم متواصل، والفشل في معالجة هذه القضية المهمة من شأنه أن يسبب أضرارا لا يمكن إصلاحها، وبحسب تقرير لوكالة “تسنيم” للأنباء، التابعة للحرس الثوري، فإن مشروع ممر آراس (عقبند-كلالة-جلفا) الذي يبلغ طوله 107 كيلومترات، والذي يُسرع من مسار عبور البضائع والصادرات من أوروبا إلى جمهورية أذربيجان والعكس، بدأ في عام 2023 على طول حدود نهر آراس.
تاريخ الممر
ممر آراس يقدم خدمات لجمهورية أذربيجان من إيران منذ العقدين الماضيين، بعد حرب قره باغ عام 2020، عندما استعادت أذربيجان أراضيها المحتلة من أرمينيا، أصبح هذا الطريق أقصر وأطول، ونظرا إلى الوضع الجديد، تعهدت إيران بتحسين وتجديد وتوسيع الطريق السابق، والجهة المنفذة لهذا المشروع هي شركة بناء وتطوير البنية التحتية للنقل في البلاد.
ومن خلال تحسين وتحديث وتوسيع ممر آراس يمكن لدول أخرى، إضافة إلى أذربيجان، أن تستخدم هذا الطريق أيضا، وسيكون الممر جزءا من الممر الكبير بين الشرق والغرب، أو الممر الأوراسي، الذي يبدأ في روسيا والصين ويمر عبر بلدان آسيا الوسطى والقوقاز وإيران وتركيا إلى أوروبا الشرقية وإنجلترا.
تم بناء الطريق السابق، المعروف الآن باسم “ممر آراس” في بداية الثورة الإيرانية من قبل جمعية مؤسسة “جهاد البناء الإنمائية” التي سعت إلى إنشاء طرق اتصال بين مدن وقرى المنطقة، وفقا لمعايير اليوم، وسيكون طريقا لأغلب شاحنات النقل الدولية، وعلى طول هذا الطريق توجد نحو 50 قرية في مدن “جلفا وهادي شهر”، وسيستفيد السكان الأصليون في هذه المنطقة أيضا من إطلاق هذا الممر.
مليون طن صادرات وواردات
في الوقت ذاته، لا يقتصر ممر آراس على نقل البضائع والركاب بين جمهوريتي أذربيجان وإيران، بل يعتبر هذا الممر طريقا مكملا للممرات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية في البلاد وسيعمل أيضا على استكمال الممر الأوسط، وهو أحد طرق نقل البضائع من الصين لأوروبا، التي تمثل أهمية للاقتصاد الإيراني.
لقد لعبت أذربيجان الشرقية الواقعة شمال غربي البلاد، دائما دورا محوريا في التبادلات التجارية والاقتصادية مع الدول المجاورة وأوروبا في الوقت الحاضر، طبقا لوكالة أنباء “إيرنا” الرسمية يتم تنفيذ نحو مليون طن من عبور البضائع الواردة والصادرة و2 مليون طن من استيراد وتصدير البضائع من معملي نوردوز وجولفا الحدوديين، ويسافر عبر هذه المحطات أكثر من 500 ألف مسافر إيراني وأجنبي، كما مر عبر معبر جلفا ما يقرب من 201.900 مركبة لنقل البضائع الثقيلة، بلغت كمية الصادرات من حدود الخليج خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 317 ألفا و666 طنا، بقيمة تجاوزت 200 مليون دولار.
ويقع معبر كلاله الحدودي على بعد 247 كيلومترا من تبريز و50 كيلومترا من حدود نوردوز المجاورة، و110 كيلومترات من حدود جلفا، المتاخمة لجمهورية ناخيتشيفان “نخجوان” المتمتعة بالحكم الذاتي، ويُعد تنفيذ هذا المعبر، إضافة إلى أن هذا المشروع من شأنه أن يساهم في ازدهار اقتصاد البلاد، كما أنه سيخلق فرص عمل ويعزز من حركة نقل البضائع.
التمويل اللازم
ومن جانبه قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، في تصريح لوكالة “تسنيم“: “تمت مناقشة القضايا التي أثيرت في تنفيذ ممر كلالة-جلفا (آراس)، خلال اجتماع استمر عدة ساعات في القضايا الحدودية مع محافظ أذربيجان الشرقية وأعضاء فريق العمل الوطني والإقليمي، وأكد أنه لا يحق لأية جهة، التسبب بمشاكل في تنفيذ الممر الحدودي، وقال: إذا حدث أدنى تقصير في هذه القضية المهمة فسوف تلحق بنا أضرار لا يمكن إصلاحها”.
وأشار أحمديان إلى أنه “يجري حاليا متابعة الأموال اللازمة لتنفيذ الممر، إلى جانب متابعة خط السكك الحديدية (آقبند – كلالة) حتى يمكن وضع الخطط لتنفيذه كمهام أمنية خاصة لحدود البلاد بحضور أعضاء من قوة المهام الخاصة على حدود أذربيجان الشرقية”.
إهمال في تنفيذ الممر
في المقابل قال علي رضا نوين، رئیس مجمع ممثلي محافظة أذربيجان الشرقية لوكالة “تسنيم” التابعة للحرس الثوري، في إشارة إلى أهمية إكمال ممر آراس: “للأسف، أهملت السلطات طريق عبور (كلاله- جلفا) على مدى السنوات الماضية، وهذا تفكير خاطئ، لأن إهمال الحدود سيؤدي إلى عزلة طهران في المستقبل القريب”.
وأضاف أنه٠”بتجاهل تنفيذ (ممر كلالة – جلفا)، لن يكون لنا مكان في المنطقة، وإذا استمر الوضع الحالي، فلن تكون هناك حاجة لدخول الأراضي الإيرانية، نظرا إلى أن الدول المجاورة والدول الأخرى ستتمكن من المرور عبر ممر زنغزور الأرميني”.
24 شهرا على التشغيل
وفي هذا الصدد أشار أورجي علي علي زاده، المدير العام لإدارة الطرق والنقل البري في أذربيجان الشرقية، إلى أهمية العبور لممر أراس ومحطة كلالة الحدودية، قائلا: “هذا المشروع سيتم إكماله وتشغيله وفقا لبرنامج زمني مدته 24 شهرا، يتم نقل أكثر من 3.5 مليون طن من البضائع المصدرة والمستوردة والعابرة سنويا مع أكثر من 250 ألف عبور عبر المحطات الحدودية في قرية نوروز بمحافظة جلفا، ومع تنفيذ سيتم تسهيل هذا الممر، والمرور بين (آقبند-كلالة) و(جلفا-نخجوان)، وسيتم ذلك بهذه الطريقة”.
بدء أعمال الإنشاء
بالتزامن مع بدء عمليات تنفيذ ممر آراس، بدأ بناء محطة “كلالة – آقبند” الحدودية على مساحة 8 هكتارات من أصل 19 هكتارا من مساحة محطة كلاله (آراس) الحدودية الرئيسية، ووفقا لـ”زاده” فإن 75% من الأراضي في هذه المنطقة تم الاستحواذ عليها بما يقارب الـ400 مليار ريال.
وفي سياق متصل أشار مصطفى أديبك، مدير مشاريع البناء والتطوير للبنية التحتية للنقل في أذربيجان الشرقية، إلى أنه مع تشغيل ممر آراس الحدودي سيزداد حجم تبادل البضائع والركاب على هذا الطريق بشكل كبير، بناءً على الاتفاقية المبرمة بين إيران وأذربيجان والتي بدأت منذ العام 2023 بطول 107 كيلومترات.
ووفقا لوكالة أنباء “إيرنا” أوضح أديبك أن هذا الممر الحدودي يتم تنفيذه من قبل مقر خاتم الأنبياء (ص) بميزانية قدرها 50 تريليون ريال، وقال إن عمليات تنفيذ هذا الممر تشهد حاليا تقدما يتجاوز نسبة 15%، وفي 40 كيلومترا من هذا الممر يتم تنفيذ تدابير تتعلق بالاستحواذ على الأراضي وتسويتها وبناء الطرق جارية.
وأشار مدير خطط البناء والتطوير للبنية التحتية للنقل في أذربيجان الشرقية، إلى أنه في تنفيذ هذا المشروع سيتم بناء جسر بطول 374 مترا وعرض 27 مترا على نهر آراس من قبل أذربيجان، وقال: “سيتم بناء نصف هذا الجسر من قبل مقاول أذربيجاني والنصف الآخر من قبل مقاول أجنبي. يتم تنفيذه من قبل مقاول إيراني تحت إشراف جمهورية أذربيجان”.
وأكد أديبك أن المشروع لا يواجه أي مشاكل ائتمانية: “تم تنفيذ هذا الممر على أرض مستوية، منبسطة على الجانب الأذربيجاني، وذلك بفضل وجود مرافق البنية التحتية والممتلكات والأراضي الخاصة، ويجري تنفيذ نطاق المشروع ببطء مع مراعاة جميع جوانب السلامة والأمن”.
ربط إيران بالسوق الأوروبية
وعلى صعيد آخر قال مدير مشروع ممر آراس “يوسف رسولي” إنه من خلال استغلال هذا المشروع سيتم ربط دول شرق آسيا وإيران بأوروبا عبر جمهورية أذربيجان، وسيلعب دورا كبيرا في نقل البضائع وحركة المسافرين، وأضاف في تصريحات لوكالة أنباء “إيرنا” الرسمية يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن الجهة المنفذة لهذا المشروع هي شركة إنشاء وتطوير البنية التحتية للنقل الوطني، والتي سيتم تنفيذها من قبل مقر خاتم الأنبياء خلال 36 شهرا، وبلغت نسبة التقدم الفعلي في تنفيذه حالياً نحو 20%.
فرصة فريدة
يمتد الطريق من نخجوان الذاتية إلى البر الرئيسي لأذربيجان على جانبيه سكة حديدية حتى الحدود الأرمينية، والرابط المفقود الوحيد هو هذا القسم على طول الحدود الإيرانية الأرمينية، والذي يتطلب سكة حديدية يبلغ طولها نحو 60 كيلومترا وبإمكان طهران بناء خط السكة الحديدية هذا إلى جانب الطريق الذي يجري إنشاؤه حاليا على أراضيها، مما يلبي الحاجة الحقيقية لأذربيجان، ويخفف في الوقت نفسه من مخاوفها الأمنية بشأن وجود حلف شمال الأطلسي في المنطقة، ولن يكون ممكنا القيام بتحركات عسكرية غير مقبولة من قبل أذربيجان أو تركيا في هذه المنطقة تحت الإشراف الإيراني، وبذلك فإن إيران ستدخل المعادلة إيجابيا وفعّالا، وتقترح خطة تلبي مصالح جميع أطراف القضية.
وأكد المدير العام لإدارة الطرق والنقل البري في أذربيجان الشرقية، عضوية منظمة منطقة آراس الحرة في لجنة تنسيق الأنهار الحدودية لمحافظة أذربيجان الشرقية: “نظرا إلى الدور السيادي لمنطقة آراس الحرة في تنفيذ وإدارة المشاريع الحدودية وإنشاء البنية التحتية اللازمة للتنمية الشاملة لمحافظة أذربيجان الشرقية، في المنطقة من الضروري أن تكون هذه المنظمة أيضا عضوا في لجنة تنسيق الأنهار الحدودية.
ويعد ممر آراس بمثابة بوابة دخول البضائع والخدمات الإيرانية إلى الدول الأوراسية، ومع استكمال البنية التحتية الحدودية سنشهد تطور العلاقات الاقتصادية الدولية، وحسبما نشرت وكالة “تسنيم”، فإنه من خلال تعزيز الأهداف الاقتصادية والسياسية لإيران، وتحقيق حلم الممر، والوفاء بالدور السابق لتبريز ومنطقة أذربيجان كجزء مهم من طريق الحرير، والذي سيتحقق من خلال استغلال ممر آراس، بوسعنا أن نشهد مرة أخرى ازدهار إيران الاقتصادي ودورها الحاسم في الاقتصاد الدولي”.