السؤال الأكثر تكرارا هذه الأيام هو: هل الهجوم الإسرائيلي على إيران كان كبيرا وانتقاميا وبالتالي مدمرا؟ أم كان محدودا واستعراضيا وبالتالي بآثار جانبية ضئيلة؟
لحسن الحظ، فهذه المرة عكس العديد من المرات السابقة، لم تكن المعلومات حول العمليات العسكرية والأمنية مجرد شائعات، بل كان القادة العسكريون صريحين للغاية في ردودهم على الصحفيين والمستفسرين، متبعين بذلك المبادئ العسكرية. ولكن إذا أردنا تقييم هذا الهجوم بشكل عقلاني دون الدخول في تفاصيل الأضرار، فماذا يمكننا أن نقول؟
من الصعب منطقيا قبول أن النية الأولية للولايات المتحدة وإسرائيل كانت تنحصر في عملية صغيرة ومحدودة، مع التركيز على الدعاية والتضخيم. وذلك لأن إيران على الأقل، وكثيرا من الدول الأخرى القادرة على رصد وتقييم هذا الهجوم، ستشعر بقوة وثقة أكبر في مواجهة الولايات المتحدة بعد أن تخلت عن فكرة شن هجوم كبير. وهذا الأمر سيعود بنتائج عكسية على مصالح الولايات المتحدة في المستقبل. إضافة إلى ذلك، فإن العديد من تداعيات الهجوم المحدود تتطابق مع تداعيات الهجوم الكبير، وضمن ذلك إرادة إيران للرد ومستوى تورط القوات العسكرية المعادية التي تدخل في أي هجوم، سواء كان كبيرا أو صغيرا، وتتحمل التكاليف نفسها. كما تعلم الولايات المتحدة أن الصين وروسيا تراقبان هذه المعركة، وأن أي إظهار للضعف أو العجز في تنفيذ هجوم ما سيعطي هاتين الدولتين خططا وشجاعة في مواجهتهما للولايات المتحدة. على الرغم من تأكيد الأمريكيين مرارا وتكرارا، قبل الهجوم وبعده، عدم مشاركتهم فيه، فإن هذه التصريحات موجهة للرأي العام وليس للخبراء العسكريين والقوى العسكرية التي تراقب الوضع. لذلك، يمكننا أن نستنتج من هذا المنطق أن الهجوم الأصلي كان كبيرا، وقد تم التخطيط له والتدرب عليه لعدة أسابيع، وربما استند إلى خطط وضعت منذ سنوات، بهدف تحقيق نتائج استراتيجية حاسمة وكاملة لتدمير الجزء الأكبر من الدفاعات والرادارات العسكرية، وأجزاء من صناعة الصواريخ والطائرات بدون طيار.
هل تسببت هذه الهجمات في أضرار لا يمكن إصلاحها لإيران وحققت جميع أهدافها؟ إذا أردنا أن نحكم على ذلك بناء على فهمنا العقلاني فقط، دون الاعتماد على تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين والعديد من المحللين الأجانب الذين اعتبروا هذه الهجمات فاشلة. لا يمكن إنكار إنجازات هجوم كبير، ويجب أن يصل إلى أهدافه النهائية ونتائجه الحتمية، لكن المثير للانتباه هو تراجع الصهاينة أنفسهم عن مواصلة الدعاية. أغلق الأمريكيون أيضا باب النقاش حول هذا الموضوع؛ والأهم من ذلك، وفقا لتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، كان الهدف من هذا الهجوم تدمير كامل للدفاعات والرادارات الإيرانية وفتح سماء البلاد للهجمات المستقبلية وتدمير البنية التحتية الإيرانية، وذهب نتنياهو إلى أبعد من ذلك، حيث أضاف إلى ذلك هدف تغيير النظام وإسقاط النظام الجمهوري الإسلامي في إيران. لو نجح الهجوم، لكنا نتوقع من أمريكا وإسرائيل ألا تكتفيا بذلك. ولكنني كتبت من قبل في هذا العمود أن قوة إيران لا تكمن فقط في دفاعاتها الجوية، فحتى لو افترضنا تدميرها بالكامل، فإن أمريكا لن تستطيع حماية إسرائيل حماية كاملة ودائمة، ولن تتمكن من شن هجوم شامل على إيران دون مقاومة. فالأهم من حالة الدفاعات الجوية الإيرانية، هي حالة الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
إيران، إضافة إلى قدرتها على الدفاع عن نفسها، أثبتت قدرتها الهجومية أيضا. ولديها أذرع قوية أخرى نشطة وتزداد نشاطا يوما بعد يوم. أعتقد أن هناك أربعة أنواع من الردع: أولا، الردع السياسي الذي يتحقق من خلال الوحدة الداخلية، وهي الآن في أوجها. ثانيا، الردع الاقتصادي الذي أثبتت إيران فيه قدرتها على الصمود رغم تحملها أشد العقوبات لعقود. ثالثا، الردع العسكري الذي ينتظر العالم فيه الآن “قوة الإرادة والابتكار والقدرات غير المعروفة” لإيران. وأخيرا، الردع النووي الذي نصنفه بشكل منفصل عن العسكري ونعلم أن العدو لا يشعر بالراحة تجاه هذا الردع الإيراني. رغم تأكيدنا المتكرر عدم سعينا وراء السلاح النووي، فإن قدرة إيران على تطويره وبناء قوة ردع نووية مسألة مختلفة تماما، وهي المسألة التي يدركها العالم جيدا. بل إن هناك تقديرات تشير إلى إمكانية تطوير إيران سلاحا نوويا خلال أسبوع واحد بمجرد اتخاذ القرار.
في النهاية، لفهم الأدلة العقلية بشكل صحيح، يجب أن نلجأ إلى قلوب الناس وفهمهم السليم والعادي للأمور. لا نجد في الناس أي دليل على نجاح هذا الهجوم الإسرائيلي، بل على العكس تماما، على الرغم من أن كثيرا منهم يشاهدون القنوات اللندنية التي تحاول إظهار عكس ذلك. ولكن متى كان السماع والمشاهدة كالإيمان؟