كتب: محمد بركات
صرح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال اجتماع عقده الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مع عدد من وزراء الخارجية السابقين، بخصوص ملف السياسات الخارجية، قائلا: “إن تطوير البلاد لا يقتصر على تنظيم الأمور الداخلية فحسب، بل يتطلب أيضا تنظيم العلاقات الدولية، وتهدئة التوترات، وتهيئة الظروف للتفاعل والتعاون مع دول المنطقة والعالم”. وبجانب الرئيس فقد حضر الاجتماع عباس عراقجي وزير الخارجية، ومحمد جواد ظريف مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، ومدير مكتب رئيس الجمهورية، محسن حاجى مرزايي، ومستشار الشؤون السياسية لمكتب الرئيس، مهدي سنائي، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء ايسنا الإخبارية بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، فقد قدّم بزشكيان في بداية الجلسة تحليلا لأداء الحكومة الرابعة عشرة في مجال السياسة الخارجية، حيث أوضح: “لقد بذلنا جهودا كبيرة خلال الفترة القصيرة التي تولت فيها الحكومة الرابعة عشرة العمل لحل بعض المسائل والمشكلات في السياسة الخارجية. وفي الوقت الحالي، علاقاتنا مع الجيران جيدة، وقد توصلنا إلى اتفاقات خلال الاجتماعات واللقاءات”.
وتطرق الرئيس الإيراني إلى اجتماعاته ومحادثاته، ومشاورات مسؤولي مختلف القطاعات مع نظرائهم الصينيين والروس لتسريع تنفيذ الاتفاقيات الثنائية وتعزيز مستوى العلاقات، قائلا: “إن التبادل الدبلوماسي بين إيران وكل من الصين وروسيا جارٍ، ونسعى لإزالة العقبات التي تعترض تنفيذ الاتفاقيات مع هذين البلدين، فالصينيون يرغبون في أن يكونوا أكثر نشاطا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والإنشائية بإيران، وبالنسبة لروسيا، فنحن نعمل على توسيع واستكمال خطوط النقل والترانزيت، إضافة إلى خط نقل الغاز”.
وأشار بزشكيان إلى المباحثات مع رئيس وزراء الهند وتعبيرهم عن رغبتهم في تسريع تنفيذ مشروع تطوير ميناء تشاربهار، موضحا: “إضافة إلى حرص الهنود على تفعيل مسار ميناء تشاربهار، فإن دول الخليج الجنوبية تسعى أيضا إلى تعزيز العلاقات وتفعيل مسارات الترانزيت مع إيران”، مؤكدا أنه “منذ البداية، أكدت أننا نسعى إلى توسيع العلاقات مع جميع دول العالم، وضمن ذلك الدول الأوروبية”. وأشار إلى أن المفاوضات مع الدول الأوروبية جارية، إلا أن النظام الصهيوني يسعى، عبر مؤامراته الأخيرة، لإحداث تعقيدات وإعاقات في هذا المسار.
وبعد الاستماع إلى آراء الحضور شكر بزشكيان المشاركين على آرائهم، وقال: “في بداية عملي رئيسا للجمهورية، قلت إنني أؤمن بضرورة التعامل بمرونة مع الأصدقاء وبالتسامح مع الأعداء، واليوم أكثر اقتناعا بهذا الرأي. ولحل المشكلات الداخلية وتطوير البلاد، يجب أن نهتم بتنظيم العلاقات الدولية إلى جانب تنظيم الأمور الداخلية، وتهدئة التوترات، وتهيئة الظروف للتفاعل والتعاون مع دول المنطقة والعالم”، وأضاف: “أعتقد أنه حتى في ما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة، سواء أردنا أم لم نرد، سنتعامل مع هذا البلد في الساحتين الإقليمية والدولية، ومن الأفضل أن ندير هذا الملف بأنفسنا. ومع ذلك، ستتابع الحكومة السياسة الخارجية ضمن إطار استراتيجيات وتوجهات النظام الكبرى”.
كيف كانت بصمة بزشكيان في ملف السياسات الخارجية مع دول الجوار؟
منذ اليوم الأول من توليه السلطة، سعى الرئيس الإيراني الجديد إلى تأكيد سياستين: أحدهما داخلية واسمها سياسة الوفاق الوطني، والأخرى خارجية وهي الانفتاح على العالم، فخلال المئة يوم الأولى من ولايته تبنى بزشكيان سياسة خارجية تمحورت حول تعزيز موقع إيران الإقليمي والدولي عبر اعتماد نهج انفتاحي، فقد أظهرت هذه السياسة تركيزا واضحا على بناء شراكات إقليمية وعالمية تسهم في تحقيق الاستقرار والأمن والتعاون الاقتصادي، مع إعطاء الأولوية لتخفيف التوترات التي كانت قد أثقلت كاهل البلاد لسنوات،. فمنذ توليه المنصب، حرص بزشكيان على تفعيل الدبلوماسية الموجهة لدول الجوار، ساعيا لإعادة الثقة التي كانت قد تآكلت نتيجة للصراعات الإقليمية والتجاذبات السياسية.
العلاقات مع العراق:
ركزت سياسة بزشكيان الخارجية على عدة محاور، أولها تحسين العلاقات بشكل خاص مع دول الجوار، حيث بدأ بتعزيز العلاقات مع العراق، وتركيا، وأذربيجان، عبر قنوات متعددة للتعاون الأمني والاقتصادي، ففي ما يتعلق بالعراق، زار بزشكيان بغداد في سبتمبر/أيلول 2024، كوجهة أولى خارجية لرئيس الجمهورية الإيراني، مما أكد أهمية العراق كشريك استراتيجي لإيران، والتقى عددا كبيرا من المسؤولين في كل من العراق وإقليم كردستان. وفي تلك الزيارة تناولت المباحثات قضايا متعددة، من ضمنها تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وجرى التركيز على مشروعات حيوية مثل تطوير البنية التحتية للطاقة والتعاون في مجالات النقل والمياه، كما تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك مع بغداد في المجالات الأمنية والاقتصادية، وذلك وفقا لتقرير موقع مشرق نيوز بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول.
العلاقات مع تركيا وأذربيجان:
کذلك، شهدت العلاقات بين إيران وتركيا عدة محادثات لتعزيز التعاون، مع تركيز ملحوظ على الاقتصاد والأمن الإقليمي. فعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية، وضمن ذلك التوترات في القوقاز وسوريا، تبدي الدولتان حرصا على توسيع آفاق التعاون المشترك. ففي لقاء بزشكيان مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على هامش أعمال قمة الأمم المتحدة، تم تأكيد دعم مشاريع البنية التحتية، وتطوير شبكات النقل والتجارة عبر الربط بين إيران وتركيا إلى أسواق أوسع في آسيا وأوروبا، خاصة في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة على كلا البلدين، كما شكلت قضايا الأمن الإقليمي، وضمنها تطورات النزاعات في سوريا والعراق، محورا مهما في العلاقات بين إيران وتركيا، إذ يسعى البلدان إلى إدارة تأثير الأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، والحد من التدخلات الإقليمية التي تؤثر على استقرارهما. ورغم اختلاف وجهات النظر حول النفوذ في سوريا، يعمل كلا البلدين على التنسيق للحفاظ على مواقف متوازنة تعزز استقرار المنطقة وتقلل من التوترات، وذلك وفقا لتقرير إيران برس الصادر في 24 أغسطس/آب 2024.
أما بالنسبة لعلاقات إيران مع أذربيجان، فقد شهدت العلاقات تحسنا في بعض النواحي، مع بقاء بعض التحديات العالقة. فمن أبرز خطوات التقارب كان إعادة فتح سفارة أذربيجان في طهران وإرسال سفير جديد، مما أشار إلى نية البلدين بدء مرحلة جديدة من التعاون لحل الخلافات القائمة. وبينما تعترف إيران بسيادة أذربيجان وتؤكد احترام وحدة أراضيها، فإنها ما زالت تراقب بحذرٍ علاقات أذربيجان مع دول مثل إسرائيل التي تعتبرها طهران تهديدا لأمنها القومي، وذلك وفقا لتقرير موقع دبلوماسي إيراني الصادر بتاريخ 24 أغسطس/آب.
ووفقا للتقرير، فعلى الصعيد الاقتصادي، تتمتع أذربيجان باقتصاد قائم على موارد النفط والغاز، وتعد من أبرز مصدري النفط في بحر قزوين، إلا أن حجم التجارة بين أذربيجان وإيران لا يزال محدودا، حيث إن بنية النظامين الاقتصاديين ليست تكاملية، لكنهما يسعيان للاستفادة من المشاريع الاستراتيجية مثل استكمال سكة الحديد رشت-آستارا، وتطوير منطقة تجارة حرة في آستارا لتعزيز حركة التجارة، أما من ناحية التحديات، فإن التقارب الأذربيجاني مع إسرائيل لا يزال مصدر قلق لإيران، حيث أعربت الأخيرة مرارا عن مخاوفها تجاه السماح لأطراف قد تعتبرها تهديدا، باستخدام الأراضي الأذربيجانية. ومع ذلك، تبدي طهران استعدادها لتعميق التعاون بشرط التزام أذربيجان بسياسة حيادية تحترم مصالح الأمن الإيراني.
العلاقات مع دول الخليج ومصر:
أما بالنسبة للعلاقات مع دول الخليج العربي ومصر، فقد شهدت تحولا ملحوظا، ذلك مع التركيز على نهج يوازن بين التعاون وتخفيف التوترات. فتبدو سياسة بزشكيان الخارجية في هذا السياق موجهة نحو تحسين العلاقات الإقليمية، وتأكيد التواصل المستمر مع دول الخليج العربي في القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، حيث يعتبر تحسين العلاقات مع هذه الدول خطوة ضرورية لتعزيز الاستقرار في المنطقة وتحقيق مصالح متبادلة، وذلك وفقا لتقرير مركز دراسات تحريرية الصادر بتاريخ 15 يوليو/تموز.
فوفقا للتقرير، فقد كانت إحدى أولويات بزشكيان هي تطبيع العلاقات مع السعودية بشكل كامل بعد سنوات من التوتر. وفي هذا الإطار، جاءت خطوة إعادة فتح السفارتين بين إيران والسعودية، مما يمثل تقاربا مهما في العلاقات بين البلدين. هذا التقارب يعكس مساعي مشتركة لتقليص تأثير الأزمات الإقليمية، مثل النزاعات في اليمن وسوريا، والتي لطالما كانت محور خلافات بين طهران والرياض. وقد انعكست هذه المصالحة على دول خليجية أخرى، مثل الكويت والإمارات، حيث أظهرت هذه الدول أيضا رغبة في تعزيز الحوار والتعاون مع إيران في القضايا التي تهم الأمن البحري والاقتصادي في المنطقة.
أما بالنسبة لعمان، فقد احتفظت إيران بعلاقات جيدة معهما حتى قبل تولي بزشكيان، ولكن إدارته دفعت نحو تعزيز هذه العلاقات لتصبح أكثر استراتيجية. وقد شهدت العلاقات الإيرانية مع عمان تحديدا تطورا في مجالات الطاقة والتجارة، حيث تحظى عمان بدور الوساطة في كثير من الأحيان بين إيران ودول الخليج الأخرى، مما يسهم في تقليل التوترات الإقليمية، وذلك وفقا لتقرير نور نيوز الصادر في 16 أكتوبر/تشرين الأول.
كذلك تطورت العلاقات الإيرانية القطرية بشكل ملحوظ، فتعد إحدى أبرز محطات هذه العلاقات هي زيارة بزشكيان لقطر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، والتي استهدفت تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتجارة والبنية التحتية. وخلال هذه الزيارة، تم تأكيد التزام الطرفين بتوسيع التعاون في قطاع الغاز، خاصة في ظل الحقول المشتركة بين البلدين مثل حقل بارس الجنوبي في إيران وحقل “الشمال” في قطر، حيث تعتبر هذه الموارد الطبيعية حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية في 5 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا للتقرير، فقد سعت إيران وقطر إلى تعزيز التعاون في مجالات أخرى مثل النقل، حيث جرى بحث سبل توسيع الروابط بينهما عبر الموانئ الجوية والبحرية. كما تطرق اللقاء إلى قضايا الأمن الإقليمي، حيث أبدت قطر استعدادها للمساهمة في تعزيز الاستقرار بمنطقة الخليج.
كذلك سعى بزشكيان وفريقه الدبلوماسي إلى تحسين العلاقات مع مصر وتقارب وجهات النظر بين البلدين، حيث صرح بزشكيان في أكثر من مناسبة، بأنه يأمل أن يتم تطبيع العلاقات بالكامل مع مصر في القريب العاجل، وأنه لا توجد مشكلة بين إيران ومصر، وذلك وفقا لتقرير موقع خبربان الصادر في 31 يوليو/تموز.