كتبت: رضوى أحمد
في أسبوع واحد، اتخذ محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، موقفين متناقضين في ما يتعلق بوجود محمد جواد ظريف نائبا استراتيجيا للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، فبعد تأكيده لتغريدة مهدي فضائلي، عضو مكتب الحفاظ على قرارات المرشد، حول موافقة المرشد الاعلى علي خامنئي، على تعديل قانون الجنسية القسرية وتعيين ظريف نائبا للرئيس، لكن وخلال 72 ساعة أصبح قاليباف أحد الشخصيات الرئيسية التي وصفت وجود ظريف في الحكومة بأنه غير قانوني، في جلسة علنية بالبرلمان يوم الأربعاء 27 نوفمبر/تشرین الثاني 2024، بحسب موقع خبر أونلاين الإصلاحي.
ظهر ذلك التناقض، وفق وكالة “خبر أونلاين“، حينما احتج الأصولي حميد رسايي، نائب طهران، على عدم قراءة البرلمان تقرير لجنة الأمن القومي حول تعيين ظريف نائبا للرئيس، وشدد على أن تقرير اللجنة الأمنية به خلل، قائلا: “لماذا لم يتواصل البرلمان مع القضاء بأن هذا التعيين غير قانوني ويجب التعامل معه وإقالته؟”، وذلك في جلسة الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وفي هذا السياق نشرت وكالة أنباء إيسنا رد قاليباف على رسايي في الجلسة العلنية يوم الأربعاء 27 نوفمبر/تشرین الثاني 2024، حيث قال: “ما قلتَه غير صحيح، ولم يرسل بعدُ تقرير لجنة الأمن القومي بالبرلمان لتطبيق المادة 234 إلى هيئة الرئاسة، وتقريرك ليس تقريرا صحيحا”. وقال إن “تعيين ظريف في هذه الوظيفة الحساسة غير قانوني وستتخذ الحكومة الإجراءات، وبالطبع هناك طرق أخرى غير تطبيق المادة 234، ونحن الآن في انتظار تقرير لجنة الأمن القومي”.
ردود فعل الإعلام الإيراني مع هذا الحدث
أثارت تصريحات قاليباف ردود فعل عديدة في وسائل الإعلام الإيرانية، منها ما يؤيد تصريحاته ومنها ما يعترض عليها، فمن بين الأصوات المؤيدة له كانت وكالة أنباء هم ميهن التي نقلت تقرير صحيفة فرهيختكان حول هذا الأمر، حيث كتبت “فرهيختكان”: “أمام قاليباف مهمة صعبة في مواجهة البرلمان؛ فإبعاد نفسه عن الحكومة في أثناء وجوده فيها ليس هو فقط ما يتعين عليه فعله، حيث يواجه قاليباف فريقا متشددا في البرلمان يعارض الحكومة الرابعة عشرة ويستمر في تسوياته السياسية معها، وإذا تحرك البرلمان بما يتماشى مع الحكومة، فسيتم اتهام الحزب السياسي بدعم الحكومة بلا منازع”.
وقالت الصحيفة: “ينبغي لقاليباف -في مواجهة هذه الجماعة- أن يضع الحدود ويمنع بهارستان (البرلمان) من الوقوع في فخ التطرف والمواجهة مع الحكومة، مع المضي في طريق الاعتدال مع الحكومة”.
كما أضافت: “إن تعليق قاليباف الصريح بأن تعيين ظريف مخالف للقانون -في وضع كان فيه البرلمان منذ تشكيل الحكومة هو الأكثر ارتباطا بالحكومة- ساعد قاليباف على النأي بنفسه عن الحكومة، كما أظهر أن البرلمان لا ينوي القيام بدور المحامي، وعندما يتم إجراء مخالف للقانون -حتى وإن كان بإرادة الحكومة- فسيتم الإعلان عنه بوضوح”.
في حين قالت كذلك: “كما ساعده هذا الموقف على إظهار أنه بينما يسعى قاليباف لمساعدة الحكومة بما يتماشى مع التوافق، فإنه ليس بالضرورة أن يكون شريكا سياسيا لبزشكيان، ويجب ألا يقع في فخ المتطرفين بالبرلمان الذين ما زالوا يترشحون للانتخابات”.
بينما قامت صحف أخرى بوصف قاليباف بالتردد، فنشرت “عصر إيران” هجوم صحيفة هم ميهن التي كتبت: “إن قاليباف هو الأغرب بين السياسيين الإيرانيين، فهو لم يتمكن قط من إظهار الاستقرار الضروري للسياسة الفعالة، والأغرب من ذلك أنه لم يقم بذلك مرة واحدة بل عدة مرات، فالآن موقفه من ظريف وأن التعيين غير قانوني يدل على عدم الاستقرار، ولم يكن من الضروري قضاء ثلاثة أشهر للقيام بهذا المشهد، وقد عقد العديد من اللقاءات مع بزشكيان، وكان بإمكانهم حل الموضوع هناك بحضور رئيس السلطة القضائية”.
كما نشر الناشط السياسي الأصولي محمد مهاجري، يوم السبت 30 نوفمبر/تشرین الثاني 2024، تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي X، قائلا: “إن الدولة غير راضية عن قيام قاليباف بأخذ نصيبه ووضع الوفاق تحت الطاولة.
المتشددون مستاؤون؛ لأن تخليه عن دعم بزشكيان جاء متأخرا.
ورئيس البرلمان متردد ويتأرجح.
هذا هو مصير الشخصيات التي رغم أنها جيدة، فإنها تعاني من عدم التوازن السياسي ولا تستطيع تحسين صورتها”.
لغز تصرف قاليباف:
على الجانب الآخر نشرت وكالة أنباء مردم سالارى يوم الخميس 28 نوفمبر/تشرین الثاني 2024، تقريرا هاجمت فيه قاليباف وقالت إن سلوكه في ما يتعلق بقصة وجود ظريف في الحكومة من ممانعة قاليباف أن يقرأ تقرير لجنة الأمن القومي بشأن قضية اعتراض بزشكيان على تطبيق القانون وتعيين ظريف في الحكومة، إلى التصويت السلبي على طلب مراجعة تأييد رأي مهدي فضائلي (حول مسألة الجنسية القسرية)، وأخيرا وصف وجود ظريف في الحكومة بأنه غير قانوني -في يوم واحد- كل ذلك ليس فيه كثير من قطع الأحجية المتطابقة.
لكن دراسة الأحداث الأخرى خارج بهارستان (البرلمان) والتي لا علاقة لها بظريف نفسه توفر صورة كاملة لهذا اللغز، حيث تعود القصة إلى عمليات النقل الواحدة تلو الأخرى في وزارة التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي، والذي وصلت نتائجه إلى بهارستان وجعلت ظريف أساس الرهان.
فبعد تعيين وحید محمودي مديرا مؤقتا لصندوق التقاعد الوطني، من قبل أحمد ميدري وزير الرفاه الاجتماعي واستبداله بمهدى مسكني المدير التنفيذي السابق لهذا الصندوق والذي كان من أنصار محمد باقر قاليباف، أدى ذلك الخبر منذ الساعات الأولى، إلى تفعيل جيش قاليباف السيبراني ضد حكومة بزشكیان، واعتبروه حركة ضد «الوفاق الوطني»!
وجدير بالذكر أن تهديدات وسائل الإعلام المقربة من قاليباف لوزير الرفاه كانت شديدة لدرجة أن قناة (رجانيوز) الأصولية كتبت: “إن تهديد وسائل الإعلام الداعمة لقاليباف العلني لوزير الرفاه بسبب إقالة أحد مديريه يأتي في الوقت الذي حذر فيه قائد الثورة النواب من التدخل في التعيينات”.
وأشارت مردم سالارى إلى أنه على الرغم من خسارة قاليباف في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإنه قام بتشكيل ائتلاف مع الحكومة؛ حيث تم تعيين وزراء مثل وزير الداخلية ووزير الرياضة وأشخاص آخرين في الحكومة برأيه ورضاه، كما سعى للسيطرة على سلوكيات جبهة الثبات (الأصوليين) وقوى سعيد جليلي في البرلمان خلال فترة مناقشة الثقة للوزراء المقترحين، لكن مع تغيير أحد المقربين منه في وزارة العمل والرفاه الاحتماعي، عاد ائتلاف قالیباف إلى ما كان عليه.
وفي حوار قاليباف بعد الجلسة العلنية حول ظريف وحضوره في الحكومة، قال عن علاقته بحكومة بزشكیان: “الأفضل أن لا يكون وفاقا يتفكك بمشروع قانون واحد”.
قانون التعيين
من الواضح أن قالیباف بناءً على مضمون قانون تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة -الذي تمت صياغته وإقراره في البرلمان السابق تحت إدارته- الذي يحظر توظيف أفراد يحمل أزواجهم وأبناؤهم جنسية مزدوجة، اعتبر أن تعيين ظريف في الحكومة غير قانوني.
لكن في هذه الظروف يجب أن يقوم رئيس البرلمان بشكر الحكومة الكندية على رفضها طلب تأشيرة ابنه للإقامة الدائمة في كندا والذي إذا تم قبوله، لما كان قالیباف نفسه رئيسا للبرلمان مع جنسية ابنه المزدوجة، والأكثر غرابة أن جنسية أبناء ظريف قد تفعّلت تلقائيا بعد ولادتهم في الأراضي الأمريكية، بينما تقدم إسحاق قالیباف بشكوى إلى المحكمة العليا الكندية بسبب تأخر دراسة ملف إقامته الدائمة في هذا البلد.
ووفقا لما أعلنه وزير الهجرة الكندي، رفضت الحكومة الكندية طلب تأشيرة ابن رئيس البرلمان للإقامة الدائمة، في 6 فبراير/شباط 2024. والآن بإمكان قالیباف أن يستخدم حضور ظریف في الحكومة كذريعة للابتزاز السياسي مع حكومة بزشكیان بحجة الجنسية القهرية لأبنائه.