كتبت: سارة محمد علي
تعود للواجهة من جديدٍ محاولة تخلُّص النظام الإيراني من أسوأ السجون الإيرانية سمعة، حيث صرح رئيس لجنة السياحة بمجلس مدينة طهران سيد أحمد علوي، بأنه ناقش مشروع تحويل سجن إيفين في العاصمة الإيرانية إلى متحف وحديقة، خلال اجتماع تنسيقي جمعه مع رئيس بلدية طهران ورئيس السلطة القضائية، وأكد أن اللجنة مستعدة لتنفيذ المشروع شرط جاهزية الجهات القضائية وجهاز تنظيم السجون.
جاء ذلك في أثناء تصريحات صحفية أدلى بها الاثنين 14 أكتوبر/تشرين الأول، على هامش حضوره معرض الرسام كمال الملك، وإزاحة الستار عن تماثيل لبعض الشهداء والشخصيات المؤثرة في إيران، حسب ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا” .
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤولون إيرانيون عن مشروعات لإغلاق سجن إيفين وتحويل مبناه إلى نشاط آخر، فقبل شهر تقريبا في 14 سبتمبر/أيلول 2024، صرح محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني المنتخب حديثا مسعود بزشكيان، بأن هناك مشروعا لتحويل السجن إلى مركز أكاديمي، حيث يصبح جزءا من كلية الطب في جامعة شهيد بهشتي القريبة منه.
وقال عارف: “من خلال تحويل السجن إلى مركز أكاديمي، نود أن نرسل إشارة جيدة ورسالة تصالحية إلى المجتمع الدولي”، وفقا لما نقلته عنه وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا).

وفي عام 2015 صرح محمد باقر قاليباف، عمدة العاصمة الإيرانية حينها، بأنه ينوي نقل سجن إيفين خارج العاصمة في أقرب فرصة.
وقال قاليباف إن محمد صادق لاريجاني الذي كان يشغل منصب رئيس الجهاز القضائي الإيراني حينها، وافق على المساهمة في التكاليف المطلوبة لنقل السجن وتحويله إلى حديقة عامة.
لماذا تريد إيران التخلص من سجن إيفين؟
يعد سجن إيفين واحدا من أسوأ سجون إيران سمعة، وطالما تسبب للدولة في انتقادات من قبل الجماعات الحقوقية، وأدرجته الحكومة الأمريكية على القائمة السوداء عام 2018، بسبب ما وصفته بـ”انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، كما أدرجه الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2021 مع سجون إيرانية أخرى على قائمة العقوبات لنفس السبب”.

ويطلق بعض الإيرانيين والمؤسسات الحقوقية الدولية على السجن لقب “جامعة إيفين”؛ نظراً إلى ما يضمه بين جدرانه من عدد كبير من الأكاديميين والطلاب والمفكرين والنشطاء السياسيين، بحسب تقرير لموقع “يورو نيوز”.
في أغسطس/آب 2021 ادعت مجموعة تسمى بـ”عدالة علي”، حصولها على مقاطع مصورة بعد اختراقها كاميرات المراقبة بسجن “إيفين”، وقامت بإرسالها إلى وسائل الإعلام، وتوثق المقاطع عمليات تعذيب لمحتجزين من قبل العاملين بالسجن.
وفي 24 أغسطس/آب 2021، أصدر رئيس السلطة القضائية الإيرانية حينها، غلام حسين محسني إيجي، تعليمات خطية إلى كبير المدعين العامين في إيران يطلب فيها “إجراء فحص سريع ودقيق لمعاملة السجناء من قبل مسؤولي السجن و/أو السجناء الآخرين [في سجن إيفين]”.
وأضاف محمدي أنه يقدر جهود حراس السجون “المحترمين” في إيران، مشيراً إلى أن الانتهاكات التي فُضحت في سجن إيفين كانت استثنائية ومن تنفيذ بعض الأشخاص فقط، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء إيرنا.

تسببت مقاطع الفيديو في هجوم حقوقي حاد على السلطة الإيرانية، من داخل البلاد وخارجها، خاصة بعد أن قامت منظمة العفو الدولية بنشر تقرير لها في 27 أغسطس/آب 2021، ذكرت فيه تأكدها من صحة ما تم نشره بالمقاطع وقيامها بتحليلها.
وقالت المنظمة في تقريرها، إن السلطات الإيرانية ترفض إجراء تحقيق جنائي، ومقاضاة مَن تشير الأدلة إلى تورطهم في جرائم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وغيرها من عمليات القتل غير المشروع.
وطالبت “العفو الدولية” مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بإنشاء آلية تحقيق ومساءلة لجمع وتحليل الأدلة، لتسهيل اتخاذ الإجراءات الجنائية العادلة حول ما وصفته بأخطر الجرائم بموجب القانون الدولي المرتكبة في إيران.

“رسم تعبيري نشرته منظمة العفو الدولية عن عمليات التعذيب داخل سجن إيفين”
لم تكن هذه المرة الأولى التي تنتشر فيها مقاطع توثق انتهاكات داخل سجن إيفين، بل تكرر الأمر مرات عدة، أبرزها عام 2014 حيث تم توثيق عمليات ضرب وتعذيب بحق سجين في أحد أجنحة السجن الذي يضم سجناء من الصحفيين والأكاديميين والكتاب المعارضين، وعلى أثر ذلك تم فصل مدير السجن، وفق ما نشره موقع “بي بي سي فارسي”.
وفي يوليو/تموز 2022 كشفت منظمة “إن بويا ترابي” غير الحكومية والتي تتخذ من لندن مقرا لها، عن قيام السلطات في السجن بـ”بتر أصابع” متهم بالسرقة، باستخدام “مقصلة”، وفق ما نقلته عنها وكالة أنباء فرانس برس.
وفي بيان لاحق لما كشفت عنه المجموعة، قالت منظمة “العفو الدولية”، إن السلطات الإيرانية بترت أصابع معتقل آخر هو سيد بارات حسيني، دون إعطائه مخدرا.
وأضافت المنظمة أنه “جرى تركيب مقصلة خاصة في إيفين من أجل مركزية تنفيذ أحكام البتر الصادرة في جميع أنحاء البلاد”.
وعلى أثر ذلك أعربت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عن قلقها حيال “هذا الموضوع”، وحضت إيران على إلغاء أشكال العقاب الجسدي كافة.
بالتزامن مع ذلك اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عبر بيان لها، مسؤولي سجن إيفين باستخدام التهديد بالتعذيب والسجن إلى أجل غير مسمى لإخضاع النزلاء، وكذلك إجراء استجوابات طويلة معهم وحرمانهم من الرعاية الطبية، وفقا لما أوردته وكالة “رويترز”.
وفي نفس العام اندلع ما سمي باحتجاجات “المرأة – الحياة – الحرية” عقب وفاة الشابة مهسا أميني في أثناء عقب توقيفها واحتجازها من قبل شرطة الأخلاق في العاصمة طهران، وخلال التظاهرات تم إلقاء القبض على عدد كبير من النشطاء السياسيين وإيداعهم سجن إيفين، وفق تقرير لـ”راديو فيردا” الإيراني.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عقب شهر من الاحتجاجات، اندلع حريق هائل بالسجن أثناء مواجهات داخلية في القسم الخاص باعتقال البلطجية في سجن إيفين، راح ضحيته 8 نزلاء وأصيب ما يقارب 70 نزيلا، وأفادت مؤسسة السجون الإيرانية بأنه تمت السيطرة على اضطرابات وشجارات بين سجناء محكومين بتهم جنائية في سجن إيفين، متهمةً السجناء بإضرام النار في ورشة خياطة داخل السجن، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية “إيرنا”.

لكن المعارضة الإيرانية كذبت الرواية الرسمية، وذكر ممثلوها تصريحات تفيد بأن الحريق وقع في عنابر جناح احتجاز المعتقلين السياسيين، والاحتجاجات التي اندلعت بالسجن كانت مرتبطة باحتجاجات مقتل مهسا أميني في الشارع الإيراني، وفق ما نشره موقع إيران إنترناشونال.
وهو ما نفاه المدعي العام في العاصمة الإيرانية علي صالحي، قائلاً إن أحداث السجن غير مرتبطة بما وصفها بأعمال الشغب التي تشهدها البلاد منذ نحو شهر عقب وفاة الفتاة مهسا أميني.
وأضاف صالحي أن القسم الذي وقع فيه الحريق والاضطرابات بعيد ومنفصل عن القسم الذي يضم السجناء الأمنيين،بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء “إيرنا”.
لكن رغم النفي الإيراني، تسبب الحادث في ضجيج إعلامي عالمي أعاد تسليط الضوء على سجن إيفين وما تم توثيقه على مدار تاريخه، من انتهاكات للمحتجزين به، سواء عبر مقاطع مصورة أو شهادات معتقلين سابقين.

أيضاً يرتبط اسم السجن بعمليات إعدام كثيرة تم تنفيذها داخلها، أبرزها سلسلة إعدامات طالت كبار الضباط والمسؤولين في عهد الشاه، وعلى رأسهم أشهر رئيس وزراء في ذلك العهد عباس كجويي.
وكذلك ما عرف باسم “مجزرة تبييض السجون”، والتي أمر بتنفيذها الخميني عام 1988 بعد الحرب الإيرانية العراقية، وأُعدم خلالها الآلاف ممّن وصفتهم السلطات بـ”المرتدين” و”الملحدين”، وأغلبهم من أنصار جبهة مجاهدي خلق المعارضة.
وتسببت عمليات الإعدام في المرتين بإدانات دولية واسعة لإيران وسلطات سجن إيفين، وفق ما نشره موقع “الشرق”.
هذا التاريخ الطويل من الإدانات التي لحقت بالسجن، جعل إيران راغبة في إغلاقه والتخلص منه كمؤسسة سيئة السمعة؛ على أمل أن يساهم ذلك في تحسين علاقاتها بالمجتمع الدولي، وفق تصريحات مسؤوليها المذكورة في ذلك التقرير، وهو ما دفع الدولة إلى طرح مشروعات تحويله إلى مركز أكاديمي أو متحف تحيطه حديقة.

وجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها إيران بذلك، فـ”سجن القصر” أحد أسوأ السجون السياسية سمعة في عهد الشاه رضا بهلوي، والذي احتجز فيه من قبلُ المرشد الأعلى الإيراني الحالي علي خامنئي، والرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، ومعظم المعارضين لنظام شاه من التيارات الإسلامية واليسارية، تم تحويله إلى متحف بدأ العمل فيه عام 2008 وتم افتتاحه عام 2012.

ما هو سجن إيفين؟
عند سفوح جبال ألبرز في منطقة سعادت آباد شمال غربي العاصمة طهران، يقع سجن “إيفين” الذي شُيّد عام 1972 في عهد آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي، وتولى آنذاك إدارة شؤونه جهاز المخابرات “السافاك”، إذ تم تصميمه بداية ليتسع لـ320 سجيناً من النساء والرجال، ثم شهد أعمال توسيع عام 1977 ليحتوي على أكثر من 1500 سجين.
وفي أعقاب الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979، حافظ النظام الجديد بقيادة المرشد السابق الخميني على سجن “إيفين”، وحظي باهتمام خاص حتى بات أشهر السجون في إيران، إذ تمت زيادة قدرته الاستيعابية إلى 15 ألف سجين، ورغم أنه كان من المفترض أن يستقبل المعتقلين الذين ينتظرون محاكماتهم، تمهيدا لنقلهم إلى سجن آخر، فإنه تحول إلى مركز احتجاز رئيسي لكثير من السياسيين والمعارضين، حسبما تذكر منظمة العفو الدولية في تقرير لها.
وبحسب التقرير، تحتوي باحة السجن على ساحة مخصصة للإعدام، وقاعة محكمة، وقطاعات منفصلة للمجرمين العاديين والسجينات، كما يحتوي “إيفين” على مجموعة من غرف الاستجواب تحت الأرض، يتعرض المعتقلون فيها للتعذيب بانتظام، وذلك لإجبارهم على التوقيع على اعترافات، تقودهم إلى المشانق في أكثر الأحوال.
ويُعد الجناحان “209” و”350″، من أشهر أجنحة السجن، حيث يدار الأول من قبل المخابرات الإيرانية والحرس الثوري، بينما تتولى السلطة القضائية إدارة الآخر الذي يُسمى أيضا بالشعبة الثالثة، وفق تحقيق لموقع “الشرق”.

برز اسم سجن إيفين في أزمات إيرانية عدة، أكبرها كان عام 2009 أثناء ما سمي باحتجاجات “الحركة الخضراء”، حيث شهدت الشوارع الإيرانية احتجاجات على فوز أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية وشكك المرشحون المنافسون في نزاهة العملية الانتخابية، وعلى أثر تلك الاحتجاجات تم إلقاء القبض على المئات من النشطاء السياسيين والأكاديميين والمشاركين في التظاهرات، وانتشرت العديد من التقارير الحقوقية التي تفيد بتعرضهم للتعذيب.
ومن أشهر من ضمتهم زنازين سجن إيفين محمد رضا رحيمي، المساعد الأول للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، ومهدي هاشمي نجل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وفق ما نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط.
إضافة إلى عدد كبير من الأجانب معظمهم أمريكيون وأوروبيون، طالما طلبت بلدانهم الأصلية من طهران الإفراج عنهم، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست.