كتبت: ميرنا محمود
نشر موقع ميديا سكوب الإخباري التركي تقريراً في 4 سبتمبر/أيلول 2024، تقريراً يرصد أبرز المحطات في تاريخ العلاقات المصرية التركية خلال السنوات العشر الماضية جاء فيه:
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يزور تركيا لأول مرة منذ عام 2012
تُمثِّل هذه الزيارة التي أجريت على مستوى رئاسة الجمهورية من مصر إلى تركيا بداية لفترة جديدة في العلاقات بين البلدين، وهي أولى زيارات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا منذ انقلاب عام 2013 الذي أسفر عن توليه السلطة، وأسفرت الزيارة عن توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين .
كيف وصلت العلاقات التركية المصرية إلى هذه النقطة؟
يجيب كاتب التقرير، الصحفي التركي فهيم تاشتكين: انقطعت العلاقات التركية المصرية عام 2013، حيث كانت تركيا من أشد الدول معارضةً للإطاحة بمحمد مرسي في الثالث من يوليو من نفس العام ، والتي قام بها عبد الفتاح السيسي من خلال انقلاب عسكري.
وكانت الفترة التي وصل فيها السيسي إلى السلطة بعد الانقلاب هي نفس فترة استمرار احتجاجات حديقة جيزي في إسطنبول ومواجهة حكومة أردوغان للمظاهرات الجماهيرية لأول مرة. في تاريخ 19 يوليو/تموز 2013، خلال إفطار السفراء السنوي السادس الذي نظمته رئاسة العلاقات الخارجية لحزب العدالة والتنمية، قال رئيس الوزراء آنذاك، أردوغان، ما يلي:
“في تركيا، عندما يتعرض واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أشخاص للعنف ويُقتلون على يد الشرطة، تغرد وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وتضج بالغضب، وتُقلب الدنيا رأساً على عقب. أما في مصر، فيموت 300 شخص، و50 منهم يُقتلون أثناء الصلاة، والعالم يقف صامتاً!”.
وانتقد أردوغان الاتحاد الأوروبي؛ لأنه لم يصف الإطاحة بمرسي بأنها انقلاب، وقال: “أنا مندهشٌ الآن من الغرب الذي لم يستطع حتى الآن وصف هذه الحادثة بأنها انقلاب، ولكنني أهنئ الاتحاد الأفريقي، فقد أقر تعليق عضوية مصر، وهذا هو الموقف الصحيح”.
وقال أردوغان: “أنا لا أمنح الشرعية لمدبري الانقلاب”، ورفض حضور عشاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجنب الجلوس على الطاولة نفسها مع السيسي.
وعلى التوازي، نظم أنصار العدالة في مصر، مظاهرات بتركيا استجابة لدعوات حزب العدالة والتنمية وبعض المنظمات الأهلية، وتجمع المتظاهرون أمام السفارة المصرية والقنصلية في أنقرة وإسطنبول وعدة مدن أخرى مثل قونية وملاطية وكوجايلي وأضنة، ورددوا هتافات مثل “من أنقرة إلى مصر، ألف تحية إلى الإخوة” و”قف شامخاً ولا تنحنِ، هذه الأمة معك”.
وعلى خلفية التوتر المتصاعد بين البلدين، أعلنت مصر أن السفير التركي حسين عوني بوتسالي شخصً غير مرغوب فيه، متهمةً تركيا بالتدخل في شؤونها الداخلية، رداً على ذلك، طلبت تركيا من السفير المصري عبد الرحمن صلاح الدين مغادرة أراضيها.
وقال أردوغان: “موقفنا هذا ليس ضد الشعب المصري، بل ضد النظام الانقلابي. فنحن ندعم نضال الشعوب من أجل الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ولا يمكننا احترام من لا يحترم سيادة الشعوب. لقد احترمنا دائماً إرادة الشعوب وسنستمر في احترامها من الآن فصاعداً”.
من أين أتت إشارة رابعة؟
إشارة رابعة التي اعتاد أردوغان أن يرفعها في كل تجمع انتخابي وتحية، والتي أصبحت مرتبطة به وحزب العدالة والتنمية على مر السنين، ظهرت بعد تاريخ 14 أغسطس/آب 2013، حيث تعرض المئات من مؤيدي مرسي في ميدان رابعة العدوية لهجوم شنه الجيش المصري، واقتحمت الميدان دبابات، وأُلقيت قنابل الغاز المسيل للدموع، وانتشر القناصة، وحلقت الطائرات الحربية، وتم استهداف الجميع، رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، بالرصاص الحي. وقد سُجِلَ هذا اليوم في التاريخ كواحدة من أكبر المجازر الجماعية في التاريخ الحديث، حيث قُتِلَ ما لا يقل عن 900 شخص في مذبحة رابعة.
ليبدأ بعدها أردوغان في استخدام رمز رابعة، وتُعتبر هذه الإشارة، التي تدل على دعم الإخوان المسلمين، تعبيراً عن شعار “أمة واحدة، وطن واحد، علم واحد، دولة واحدة”.
يُذكر أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بقيادة أردوغان، قد أظهر تقارباً مع جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك الرئيس المعزول محمد مرسي، الأمر الذي جذب الانتباه إليه ولا يزال، وفي المقابل، يعتبر الرئيس السيسي جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ويرى وجود أعضائها في تركيا مشكلة كبيرة، ويزعم الخبراء أن جماعة الإخوان المسلمين هي السبب الرئيسي للتوترات بين البلدين.
وبعد سحب السفراء، تدهورت العلاقات بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال، إلا أنه خلال هذه الفترة، عقد وزيرا خارجية البلدين عدة اجتماعات، واستمرت سفارات البلدين وقنصلياتهlا في العمل.
وبشكل مثير للدهشة، على الرغم من تجميد العلاقات الرسمية لمدة تسع سنوات، شهد التعاون بين البلدين في مجالي التجارة والسياحة نمواً ملحوظاً، وفي عام 2018، تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 5 مليارات دولار، محققاً رقماً قياسياً، ولا تزال مصر تمثِّل أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا.
ما الذي حدث في شرق البحر الأبيض المتوسط؟
أحد أسباب التوتر بين البلدين هو التطورات التي شهدها شرق البحر المتوسط، فقد أبرمت جمهورية قبرص اليونانية منذ عام 2002، اتفاقيات لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة مع دول مجاورة مثل مصر، ولبنان، وسوريا، وإسرائيل. واعتبرت تركيا هذه الاتفاقيات انتهاكاً لحقوق جمهورية شمال قبرص التركية وحقوقها الخاصة، لذا لجأت إلى الأمم المتحدة للاعتراض عليها، وقامت بتقديم خرائطها الخاصة.
أعلنت جمهورية قبرص اليونانية منذ عام 2007 عن 13 موقعاً للتنقيب عن النفط والغاز، ومنحت تراخيص لشركات النفط، ورداً على ذلك، منحت تركيا شركة النفط الوطنية التركية (TPAO) تراخيص للتنقيب في المنطقة التي تعتبرها تابعة لها، وأرسلت سفينتي الحفر “فاتح” و”ياووز” إلى المياه قبالة سواحل قبرص، وبدأت عمليات التنقيب عن الغاز، مما أثار ردود فعل غاضبة من جمهورية قبرص اليونانية، واليونان، والاتحاد الأوروبي، ومصر، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية.
أما عن التهدئة الأخيرة في المنطقة، فقد جاءت بعد أن حددت مصر في مناقصة طرحتها للبحث عن الهيدروكربونات في شرق البحر المتوسط، المنطقة مطروحة بطريقة تتوافق مع الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي أعلنت عنها تركيا للأمم المتحدة عام 2019، وهو ما رحبت به أنقرة.
وصرَّح وزير الخارجية التركي آنذاك، مولود جاويش أوغلو، بأن تركيا، بصفتها الدولة المطلة على البحر الأبيض المتوسط بأطول ساحل، يمكنها أن تبدأ مفاوضات مع مصر لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، وإبرام اتفاقية بهذا الشأن، مما يعد إشارة إيجابية للقاهرة.
وفي الوقت نفسه، بدأت اتصالات بين مسؤولي الاستخبارات في البلدين، بعدها قررت تركيا ومصر وقف عرقلة بعضهما البعض في المنظمات الدولية، حيث رفعت تركيا حق النقض (الفيتو) الذي كانت تفرضه على انضمام مصر إلى اجتماعات الناتو.
وأعقبت هذه الاتصالات محادثات استكشافية في البداية؛ ثم بدأت أنقرة في التراجع عن بعض الشروط التي طرحتها القاهرة كـ”شروط مُسبَقة”، عادت المحادثات مرة أخرى إلى موضوع الإخوان المسلمين، وقامت تركيا بإلقاء القبض على بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في تركيا وأنهت بث وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وأعرب السيسي عن سروره بهذه الخطوات التي اتخذتها أنقرة.
المنعطفات في السياسة الخارجية
شهدت السياسة الخارجية التركية، عقب تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2019، وتحديداً عام 2021، تحوُّلات جذرية في علاقتها مع العديد من دول الشرق الأوسط التي وصلت إلى حد التدهور، فقد اتخذت تركيا خطوات نحو تطبيع العلاقات مع هذه الدول، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتبادل السفراء، وتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وتسليم قضية مقتل جمال خاشقجي للمملكة العربية السعودية والتقارب مع محمد بن سلمان.
وخفّض أردوغان من حدة انتقاداته للسيسي، مما يشير إلى تحسن ملحوظ في العلاقات الثنائية، لكن رغم التقدم المُحرَز في حل بعض القضايا الخلافية مثل ملف شرق البحر المتوسط وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الملف الليبي ظل يشكل العقبة الأكبر، فقد دعمت أنقرة حكومة الوفاق الوطني المُعترَف بها دولياً على حساب حكومة المشير حفتر المدعومة من مصر، ونتيجة لذلك، نشرت تركيا قواتها المسلحة في ليبيا، مما أثار غضب مصر.
لقاء “ودي” في قطر
بعد تسع سنوات، وبدعوة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لحضور كأس العالم 2022، التقى أردوغان بشكل ودي مع السيسي في قطر.
وخلال رده على أسئلة الصحفيين على متن الطائرة العائدة من قطر، صرح أردوغان: “لقد قلنا إن العملية قد تبدأ، وهنا تم اتخاذ خطوة لبدء مثل هذه العملية، وأجرينا مناقشات جيدة، وأتمنى أن ننقل العملية التي بدأت على مستوى الوزراء، إلى مستوى أعلى من المناقشات، ونصل بها إلى نقطة جيدة، لأنني أنظر إلى الأمر على النحو التالي: العلاقة بين تركيا ومصر ليست مجرد اجتماعً للزعماء، بل إن العلاقات التاريخية بين الشعب التركي والشعب المصري مهمة جداً بالنسبة لنا، فلماذا لا نبدأ من جديد؟ ولماذا لا نعود إلى ما كنا عليه؟”.
ثم وصلنا إلى الرابع من يوليو/تموز عام 2023. وفي هذا التاريخ، تم تجاوز مرحلة هامة ضمن عملية التطبيع التي بدأت في عام 2021، تتمثل في إعادة تعيين السفراء، ورشحت تركيا صالح موتلي شين، الذي يشغل حالياً منصب القائم بالأعمال في القاهرة، ليكون سفيراً لتركيا لدى مصر، وبالمثل، رشحت مصر السيد عمرو الحمامي، القائم بالأعمال في أنقرة، ليكون سفيراً لمصر لدى تركيا.