ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين“، الاثنين 24 فبراير/شباط 2025، تصريحات محمد خاتمي، الرئيس الإيراني الأسبق، خلال لقائه مع عدد من أعضاء حزب الفدائيين “مجمع ايثارگران”، حيث استمع إلى مداخلاتهم، حول الأوضاع الاقتصادية الحالية وغيرها من القضايا الراهنة.
ذكرت الوكالة أنه وفي حديثه عن مفهوم الإيثار والتضحية، أشار إلى أن الأخلاق تقوم على مبادئ ثابتة، وإذا جاء حكم ديني مؤيد لها، فإنه في الواقع تأكيد لحكم يدركه العقل السليم.
وأضاف أن “الإحسان وحسن المعاملة من القيم الأخلاقية الأساسية التي يؤيدها جميع العقلاء وأصحاب الفطرة السليمة، وقد أثنت عليها الأديان، بما في ذلك الإسلام. فالأخلاق ليست مجرد صفات داخلية مثل العدالة والشجاعة، بل يجب أن تتجلى في الأفعال الإرادية للإنسان”.
وتابع خاتمي: “الإحسان يعني تقديم الخير للآخرين، وهو مبدأ لا جدال فيه، أما الإيثار، فهو أسمى درجات الإحسان، حيث يمنح الإنسان الخير للآخرين رغم احتياجه إليه، كأن يضحي بحياته، التي هي أعز ما يملك، من أجل خير الآخرين، وهذا هو جوهر الإيثار”.
خاتمي: يتم استغلال كل شيء
أكد محمد خاتمي أن “الاستغلال طال كل شيء، حتى المقدسات، خاصة عندما تكون السلطة غير خاضعة للرقابة، مضيفا أنه كما جرى استغلال الدين، والأخلاق، والعلم، فإن الإيثار أيضا لم يسلم من التشويه. ففي بعض الأحيان، تُطرح مفاهيم مناقضة تماما للإيثار والإحسان على أنها تجسيد له، ويتم الترويج لفكرة أن الإيثاري الحقيقي هو من يتبنى هذه الممارسات الخاطئة”.
وأوضح خاتمي أن “الإيثار يعني تقديم الآخر على الذات، وأسمى درجاته أن يضحي الإنسان بحياته من أجل قيمة سامية، كتحسين حياة الآخرين. وقد رأينا بوضوح أثر الإيثار خلال الحرب العراقية الإيرانية، حيث لم يكن السلاح وحده العامل الحاسم، بل كانت روح الإيثار هي التي جعلت الصواريخ فعالة”.
وأضاف أنه “عندما اندلعت الحرب، لم يكن لدينا لا تنظيم عسكري متكامل ولا تجهيزات كافية، لكن بفضل الإيثار والمقاومة، لم نخسر شبرا واحدا من أرض الوطن. فعلى مدى القرنين الماضيين، كانت كل مواجهة عسكرية تؤدي إلى فقدان جزء من أراضي إيران، إلا خلال هذه الفترة، حيث تمكنا من حماية أراضينا بالكامل. هذا هو الدور الحقيقي للإيثار والتضحية من أجل هدف سامٍ”.
واختتم حديثه عن الإيثار قائلا إن الإيثار هو أن تضحي من أجل راحة الآخرين وأمنهم وخيرهم، حتى لو كلفك ذلك ممتلكاتك أو حتى حياتك. لذلك، من الجائر أن يتم استغلال هذه القيمة الأخلاقية والإنسانية النبيلة لتحقيق مصالح خاصة أو لتبرير ممارسات غير مقبولة.
الأحزاب جسور بين الشعب والسلطة
أكد محمد خاتمي الدور المحوري للأحزاب في أي نظام ديمقراطي، مشيرا إلى أن الإيثار لا يقتصر على التضحية في ساحة الحرب، بل يشمل أيضا بناء مؤسسات مدنية تعزز التواصل بين الشعب والسلطة.
وصرح بأنه بعد الحرب، أدرك بعض الملتزمين والمضحّين أن الطريق الأمثل لمواصلة نهج الإيثار هو تأسيس مؤسسات مدنية، وعلى رأسها الأحزاب. فالحزب هو الجسر الذي يربط بين الشعب والسلطة، ينقل مطالب المجتمع إلى الحاكمية، ويسهم في تصحيح المسار دون المساس بأسس النظام. إن وجود أحزاب قوية هو أساس أي جمهورية حقيقية، ولا يمكن تحقيق الديمقراطية من دون الاعتراف الرسمي بها.
وأضاف: “لقد أسس بعض الإيثاريين حزبا من أجل رفعة إيران وتحسين حياة المواطنين وتعزيز التنمية، إنهم يسعون لاستخدام ثقافة الإيثار في سبيل تحقيق مبدأ جوهري، وهو سيادة الشعب على مصيره، وهذا أمر بالغ الأهمية”.
وخاطب خاتمي الحاضرين قائلا: “الأوضاع في إيران ليست على ما يرام، لكن لا يمكن تحميل الرئيس بزشكيان مسؤوليتها. هذه الأزمة نتيجة نهج وسياسات اتخذت منذ سنوات، واليوم بدأت انعكاساتها تظهر بوضوح. ومع الأسف، هناك من فقدوا السلطة ويحاولون إلقاء اللوم على الحكومة الحالية، التي تحظى بدعمكم”.
وتابع: “لا أنكر أن تدخلات الأعداء، والجشع، ومحاولات الانتقام من النظام والشعب، لعبت دورا في تفاقم الأزمة، لكن علينا أيضا أن ننظر إلى أنفسنا بصدق ونسأل: ماذا فعلنا؟ إلى أي مدى كنا قادرين على تجنب هذا الوضع ولم نفعل؟”.
وأوضح أن الإيثار ليس مجرد استعداد للتضحية في ميادين القتال، بل هو أيضا القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة التي تخدم مصلحة الوطن، قائلا: “الإيثاري الحقيقي هو من يدافع عن بلاده ببسالة في ساحة الحرب، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن مصلحة النظام قد تتطلب التفاوض والتفاعل. فالتفاوض والتواصل ليسا خضوعا لابتزاز الأعداء، بل وسيلة لجلب الفرص وتعزيز التنمية”.
وختم بقوله إنه “علينا أن نتساءل بصدق: هل كانت سياساتنا دائما قائمة على المصلحة الوطنية؟ هل قراراتنا جاءت استجابة لاحتياجات إيران الحقيقية؟ أم أننا في بعض الأحيان انشغلنا بصراعات وأولويات خاطئة؟”.
التمييز بين الأحلام والطموحات
أكد محمد خاتمي أهمية التفريق بين الأحلام غير القابلة للتحقق والطموحات الحقيقية، مشيرا إلى أن السعي وراء الطموحات لا يتعارض مع الواقعية، بل يجب أن يكون مبنيا على إدراك الحقائق والعمل وفق خطط واضحة لتحقيقها.
وتابع خاتمي أن الواقع يكون أن يكون غير مرضٍ، فمثلا، النظام الدولي الحالي ظالم أو تستغله القوى المهيمنة لصالحها، هذا واقع مرير. كذلك، إسرائيل واقع قبيح، نشأت عبر الاحتلال، وتواصل البقاء بالقمع والقتل بدعم خارجي، كما رأينا جرائمها في غزة. هذا واقع، لكنه لا يعني أن نغلق أعيننا أو نتعامل معه بعقلية حالمة. بل يجب مواجهته بوعي وحكمة، لا بالإنكار أو الوهم.
وأضاف: “التعامل مع الواقع يجب أن يكون قائما على الإمكانات المتاحة والمصالح العامة. إن أهم مصلحة لأي بلد هي تلبية احتياجات المواطنين وكسب رضاهم، وهذا لا يتحقق إلا عبر التفاعل الذكي مع العالم. إذا تجاهلنا الواقع ونظرنا إليه بعين الوهم، فقد نتخذ سياسات تضر بالبلاد والشعب أكثر مما تنفعهما”.
الوضع الاقتصادي ليس مسؤولية بزشكيان وحده
وأشار خاتمي إلى أن الأوضاع المتدهورة ليست وليدة اليوم، بل نتيجة تراكمات سياسات سابقة، قائلا إن الوضع في إيران ليس جيدا، والمواطنون يرون أن التضخم، وارتفاع سعر الدولار، والاختلالات الاقتصادية ازدادت بعد وصول الرئيس بزشكيان إلى الحكم. لكن المسؤولية الأولى تقع على التيار الذي أوصل البلاد إلى هذا الحال، وقد أصبحت المشكلات أكثر وضوحا مع بداية الحكومة الجديدة.
وأضاف، في ما يخص أداء الحكومة الجديدة، أن “هذا لا يعني أن حكومة بزشكيان خالية من العيوب. أعتقد أن بعض شعاراته لم تكن على مستوى تطلعات الشعب، لكنها رسمت رؤية لمستقبل البلاد يمكن أن تتحسن فيه الأوضاع، وتُزال المخاطر، ويزداد مستوى الأمن، مما منح الناس، خاصةً الشباب، بصيص أمل، أو على الأقل خفف من حالة الإحباط لديهم”.
وأضاف قائلا: “أؤمن بأن نسبة كبيرة ممن شاركوا في الانتخابات فعلوا ذلك بدافع الأمل، وحتى الذين لم يصوّتوا، لكنهم يتطلعون إلى حياة مستقرة بعيدا عن التجاذبات السياسية، وجدوا بارقة أمل في أن الإصلاحات، ولو بحدها الأدنى، قد تساهم في تحسين الأوضاع”.
شروط تجاوز الأزمة
أكد خاتمي أن ثقة المرشد الأعلى برئيس الجمهورية والتفاهم بين السلطة والحكومة أمر إيجابي، لكنه شدد على أن تجاوز الأزمات يتطلب شرطين:
- إدراك السلطة ضرورة التغيير والإصلاح، والالتزام بمقتضياته دون قمع المطالبين به. الحرية تعني أن تُسمع جميع الأصوات، لا أن يهيمن من اعتبروا العقوبات “نعمة” ثم يلقون اللوم على من اختارهم الشعب. لن يتحقق الإصلاح دون إنهاء القيود، الاعتقالات، والممارسات الإقصائية، وإلا ستتفاقم الأزمات.
- قدرة الحكومة على التخطيط والتنفيذ، مع إقناع المجتمع بنهج جديد. الشعب يدرك أن التغيير لا يحدث فورا، لكن تحسين العلاقات الخارجية، كما حدث في الاتفاق النووي، يمكن أن يخفف الأزمات. على الرئيس أن يستعين بالكفاءات لتنفيذ الإصلاحات وتقليل تأثير العقوبات.
وختم بقوله: “إن أوجدت الحكومة بصيص أمل، فيجب الحفاظ عليه، لا تبديده”، مشددا على ضرورة دعم الحكومة مع محاسبتها، والسعي لتنفيذ الوعود، لأن الإصلاح ضرورة لتجنب الفوضى، وليس بديلا عنها.