ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية، الثلاثاء 15 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه أزمة الطاقة في إيران والفجوة الكبيرة بين استهلاك وإنتاج الطاقة في مجالات الغاز والكهرباء والبنزين.
كذلك ناقشت الحلول الحكومية لتقنين الاستهلاك عبر توزيع الحصص أو إصدار شهادات التوفير، مع التركيز على المخاوف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتلك الحلول.
التوزيع العادل لدعم الطاقة قيد الدراسة
قالت الصحيفة إن مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، شدّد على ضرورة التوزيع العادل لدعم الطاقة، حيث صرّح قائلا: “نمنح 150 مليار دولار كدعم للكهرباء والغاز والوقود، ونرغب في أن نُعطي هذا المبلغ مباشرة للشعب، بدلا من أن يستفيد منه البعض فقط، نريد أن يحصل عليه جميع الناس. إذا كان لا بد من أن يُستهلك، فيجب أن يستهلكه الجميع، لا أن يستفيد منه البعض ويحرم منه الآخرون”.
وتابعت أن رئيس أوضح كذلك: “لكن كيفية تنفيذ هذا الأمر قيد الدراسة حاليا، ونحن نُصمم آلية الدخول في المرحلة التنفيذية بما يضمن تعاون ومشاركة الشعب في تطبيق هذه الخطة”.
وأضافت أن هذه التصريحات تعكس أن خطة بزشكيان لمعالجة اختلال توازن الطاقة في البلاد يتم إعدادها عبر مقترح “إعادة توزيع الدعم بشكل عادل”، وهي الفكرة التي لطالما أصرّ عليها منذ بداية تشكيل حكومة بزشكيان.
ذكرت الصحيفة أنه في سياق متصل، كشف محمد جعفر قائم بناه، معاون الرئيس الإيراني للشؤون التنفيذية، عن مزيد من التفاصيل المتعلقة بخطة الحكومة، قائلا: “بلا شك، الحكومة ستُجري حوارا مع الناس قبل تنفيذ الخطة، وقد صُممت آليات خاصة لضمان استفادة عامة الناس من هذا الإصلاح”.
وأردف قائلا: “واحدة من خطط الحكومة تقوم على تخصيص حصة معينة من الطاقة لكل فرد. فإذا استهلك أقل من حصته، يمكنه بيع الباقي، وإذا احتاج أكثر، فيمكنه شراء الكمية الإضافية من السوق”. وأكد أن “الخطة ما زالت بحاجة إلى مزيد من النضج، لكن الفكرة العامة تقوم على أن الشرائح الدنيا من المجتمع ستكون الأكثر استفادة منها. ونأمل في المستقبل القريب أن تُنفذ هذه الخطة لحاملَي الطاقة: الغاز الطبيعي والكهرباء”.
خطة جديدة لدعم الطاقة
أشارت الصحيفة إلى أن تصريحات معاون الرئيس توضح نية الحكومة البدء بتنفيذ فكرة “إعادة التوزيع العادل لدعم الطاقة” انطلاقا من قطاعَي الكهرباء والغاز. وستقوم الخطة على تخصيص حصة محددة من الكهرباء والغاز لكل رقم وطني، إلى جانب إنشاء سوق يُمكن فيه بيع وشراء الحصص الزائدة أو الناقصة.
أوضحت أن الفرق الجوهري بين خطة حكومة بزشكيان وما عُرف سابقا بخطة “ترشيد الدعم” يكمن في آلية التنفيذ. فبينما قامت الحكومتان التاسعة والعاشرة برفع أسعار الطاقة وتوزيع العوائد بشكل نقدي وعادل على جميع المواطنين، فإن خطة بزشكيان لا تتضمن تعديل أسعار الطاقة مباشرة، بل تعتمد على توزيع حصص الاستهلاك المنزلي للطاقة بشكل متساوٍ بين جميع الأفراد.
أكدت أنه بموجب هذه الخطة، سيُخصص لكل فرد حصة مجانية أو مدعومة من الكهرباء والغاز، وإذا ما استهلك أقل من حصته، سيتمكن من بيعها، أما إذا تجاوزها، فعليه شراؤها من السوق. وبهذا، فإن الناس هم من يحددون أسعار الطاقة من خلال البيع والشراء. وأضافت أن هذه التجربة، إذا كُتب لها النجاح، ستُعمم لاحقا على البنزين أيضا.
وأفادت الصحيفة بأن خطة “توزيع حصص الطاقة بناءً على الرقم الوطني” جاءت كرد فعل على اختلال التوازن في قطاع الطاقة، وتهدف إلى ترشيد الاستهلاك. واستنادا إلى تقرير مؤسسة “EI”، تُعد إيران ثامن أكبر مستهلك للطاقة في العالم، حيث تستحوذ على 2 بالمئة من إجمالي استهلاك الطاقة عالميا، في حين أن حصتها من التجارة العالمية لا تتجاوز 0.2 بالمئة، وحصتها من سكان العالم تبلغ نحو 1 بالمئة فقط.
تابعت الصحيفة موضحةً أن الصورة الأولى في التقرير تُبيّن أنه من بين 12 دولة تُعد من كبار مستهلكي الطاقة في العالم، فإن نسبة “استهلاك الطاقة إلى الناتج المحلي الإجمالي” في إيران تُعد الأعلى بفارق كبير. وهذه النسبة في إيران تفوق مثيلاتها في الصين والولايات المتحدة وروسيا والسعودية بمعدلات 3.3، و9.4، و2، و2.9 مرة على التوالي، مما يدل على أن الطاقة تُهدر في إيران ولا تُستثمر بالشكل الأمثل في عملية الإنتاج.
وأضافت أن بيانات ميزان الطاقة تُظهر أن مؤشر كثافة استهلاك الطاقة في إيران، بناءً على تعادل القوة الشرائية، يعادل ضعف المتوسط العالمي، ويزيد بنسبة 58 بالمئة على المتوسط الإقليمي في الشرق الأوسط. وهو ما يشير إلى وجود فرصة كبيرة- لا تقل عن 58 بالمئة- لتحسين كفاءة الاستهلاك بما يتناسب مع القدرة الإنتاجية اليومية التي تعادل 9 ملايين برميل من النفط الخام.
قالت الصحيفة إن الطاقة المهدورة أو غير المستغلة في إيران تمثل إحدى أبرز الإشكاليات في ملف الاستهلاك، إذ تُظهر بيانات الميزان الطاقي أن مؤشر كثافة استهلاك الطاقة في إيران، على أساس تعادل القوة الشرائية، يبلغ ضعفي المتوسط العالمي، ويفوق متوسط الشرق الأوسط بنسبة 58%. ويعني ذلك أن هناك على الأقل هامشا بنسبة 58% لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وهو ما يعادل الاستفادة من كامل إنتاج إيران اليومي البالغ 9 ملايين برميل من النفط الخام المكافئ.
وذكرت أن الاستهلاك غير المنضبط للطاقة دفع بإيران، رغم كونها رابع أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، إلى مواجهة اختلالات وعجز في أربعة حوامل طاقية رئيسية: الغاز الطبيعي، البنزين، الديزل والكهرباء. وبحسب بيانات مؤسسة الطاقة الدولية (EI)، فإن إنتاج أكبر أربعة منتجين عالميين للنفط والغاز هو كالتالي: الولايات المتحدة 30.6 مليون برميل يوميا، وروسيا 20.5، والسعودية 11.6، وإيران 9 ملايين برميل يوميا.
وتابعت أن الرسم البياني الثاني يعرض توقعات اختلال توازن الغاز الطبيعي في السنوات المقبلة. ففي حال استمرار المسار الحالي، سيصل الطلب اليومي على الغاز في إيران عام 2028 إلى 1521 مليون متر مكعب يوميا، في حين أن إجمالي العرض من الغاز (وفق سيناريو الانخفاض الطبيعي) سيكون 564 مليون متر مكعب يوميا فقط، أي أن ثلث الطلب فقط سيكون متاحا.
أما في الرسم الثالث، فقد تم توضيح حجم عجز إنتاج البنزين والديزل مقارنة بالطلب، حيث يُتوقع، بحسب الاتجاه الراهن، أن يرتفع العجز السنوي في هذين الوقودين بمقدار 10 ملايين لتر يوميا.
وأردفت الصحيفة أن المعاون التنفيذي لمدير عام شركة التكرير والتوزيع الوطني كان قد صرّح مؤخرا بأن واردات البنزين والديزل في 2024 بلغت على التوالي 9 و8 ملايين لتر يوميا، ما كلّف الدولة 4.5 مليار دولار من النقد الأجنبي. ويأتي ذلك في وقت انخفضت فيه جودة الوقود المحلي بمقدار يعادل 5.5 مليار دولار مقارنة بالماضي، ما يعني أن تكلفة هذا التدهور لا تُدفع من الخزينة فقط، بل من صحة وأرواح المواطنين.
وأضافت أن الرسم الرابع يوضح العجز في الكهرباء خلال ذروة الصيف، حيث بلغ نقص الكهرباء في الصيف الماضي أكثر من 17.5 ألف ميغاواط، ومع استمرار الوضع الحالي من المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 30 ألف ميغاواط خلال خمس سنوات. نتيجة لهذا التفاقم في عجز الطاقة ضمن الحوامل الأربعة، طرحت حكومة بزشكيان فكرتين رئيسيتين على طاولة البحث، سيتم استعراضهما في الفقرات التالية.
ما هما المقترحان الحكوميان لترشيد استهلاك الطاقة؟
أكدت الصحيفة أن الفكرتين المطروحتين ترتكزان على مبدأين أساسيين: أولا، أن حل اختلال توازن الطاقة لا يمر عبر زيادة الإنتاج بل من خلال ترشيد الاستهلاك؛ وثانيًا، أن هذا الترشيد لا يحقق جدواه الاقتصادية إلا عبر إصلاحات في الأسعار. ولكن، ثمة شرط أسمى يُفرض على هذين المبدأين: أن تتم الإصلاحات السعرية بشكل يراعي الفئات الاجتماعية الفقيرة، ويجنبها أي أذى اقتصادي أو اجتماعي، مع تجنب حدوث مقاومة مجتمعية.
وأوضحت أن المقترحين يركزان على استهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء في القطاع المنزلي، وهما:
التوزيع العادل للحصص الطاقية بين المستهلكين،
أشارت الصحيفة إلى أن الفكرة الأولى، أي “توزيع الحصص”، تقضي بمنح كل رقم وطني حصة معينة من الغاز والكهرباء (غالبا بشكل مجاني)، ويمكن بيع ما يتجاوز هذه الحصة في سوق حرة. بذلك، يصبح لدى المواطنين حافز اقتصادي لتقليل استهلاكهم وبيع الفائض بسعر مناسب، ما يحقق دخلا إضافيا ويحسن كفاءة الاستهلاك.
أما الفكرة الثانية، “إصدار شهادات التوفير”، فتعني أن الحكومة تمنح شهادات معادلة للطاقة المُوفرة لكل فرد أو جهة تقوم بمشروع لتحسين كفاءة الاستهلاك. ويمكن بيع هذه الشهادات في بورصة الطاقة إلى الصناعات التي تحتاج إلى طاقة إضافية. وفي هذا السياق، يتم أيضا تضمين فكرة إصلاح الأسعار المتدرجة كبديل لتحديد الأسعار في السوق الحرة.
وأكدت أنه على الرغم من أهمية هذه المقترحات، فإن ثمة عدة ملاحظات وانتقادات تُوجَّه لها. فمن جهة، تُظهر الحكومة الرابعة عشرة ميلا لتبني فكرة توزيع الحصص، بينما تحظى فكرة شهادات التوفير بتأييد في خطة التنمية السابعة.
وأبرز الانتقادات الموجهة إلى فكرة توزيع الحصص، بحسب الصحيفة، هو غياب التوافق بين الفئات الدخلية والفئات الاستهلاكية في الغاز والكهرباء. أي إن المستهلكين الكبار للطاقة لا ينتمون بالضرورة إلى الطبقات ذات الدخل المرتفع. وبالتالي، قد يؤدي هذا التوزيع إلى اضطرار الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود لشراء الطاقة من الأسر الغنية، وهو ما يُعد خللا في العدالة الاجتماعية، رغم أن الحصص وُزعت بشكل عادل.
وأضافت أن هذا الخلل يتحقق فقط في حال لم تُجرِ الأسر منخفضة الدخل تعديلا في نمط استهلاكها. ويرى مصممو الفكرة أن الإصلاحات السعرية في السوق كفيلة بدفع هذه الفئات إلى تقليص استهلاكها والتأقلم مع الأسعار الجديدة.
من جهة أخرى، انتُقدت فكرة توزيع الحصص بسبب ضعف البنية التحتية، إذ لا تزال عدادات المنازل غير ذكية وبعضها مشترك وقابل للتلاعب، ما قد يدفع بعض الأفراد إلى التحايل بدل ترشيد الاستهلاك. وقد اقترح المصممون معالجة هذه الإشكالية عبر تشجيع شركات خدمات الطاقة على تطوير البنية التحتية.
كما أعربت الصحيفة عن قلق آخر يتعلق بإقصاء الدولة من عملية وضع السياسات الطاقية في حال توزيع الحصص، لكن في المقابل تساءلت: هل استطاعت الحكومات المتعاقبة، رغم سلطاتها الكاملة، إدارة ملف الطاقة بعيدا عن الشعبوية والمصالح الآنية؟
تابعت الصحيفة بطرح إشكالية أخرى وهي: إذا ما تم توزيع الطاقة مجانا أو بأسعار منخفضة، فبأي موارد ستمول الدولة صيانة وتطوير البنى التحتية الطاقية؟
وانتقدت الصحيفة كذلك صعوبة تطبيق إصلاحات تدريجية في إطار هذه الخطة، إذ من اللحظة الأولى للتنفيذ، قد تقفز الأسعار بشكل مفاجئ، وهو ما يُلزم الدولة بتدخلات تنظيمية مفرطة ومعقدة قد تُفشل الخطة برمتها.
وتطرقت أيضا إلى مخاوف من تحويل 30 مليون أسرة إلى متداولين في سوق الطاقة، حيث سيبدأ كل فرد في التفكير بموعد بيع الفائض لتحقيق أقصى ربح، ما قد يتطلب تدخلا حكوميا واسعا لضبط السوق وضمان توافر الطاقة في الوقت المناسب.
وعلّقت الصحيفة على التداعيات الثقافية المحتملة لتوزيع الطاقة على الأسر، مشيرة إلى أنه قد يرسخ نمطا من التفكير السلبي بأن الربح ممكن دون عمل، ما يدفع البعض إلى الخروج من سوق العمل. كما تساءلت عن مصير بعض الفئات كالسائقين، الذين قد يتضررون بشدة من الصدمات السعرية، وقد يعارضون الخطة وربما يحتجون ضدها.
في المقابل، أكدت الصحيفة أن فكرة “شهادات التوفير” تواجه تحديات أقل من الناحية التنفيذية، حيث إن الترشيد يتم بشكل حقيقي ولا يُثقل كاهل الفئات الفقيرة ذات الاستهلاك المرتفع. إلا أن هناك شكوكا حول قدرة هذه الفكرة على معالجة اختلال التوازن الطاقي بشكل فعّال، إذ يُخشى أن تلقى نفس مصير المادة 12 من قانون إزالة معوقات الإنتاج، التي بقيت حبرا على ورق، رغم نصّها على تعويض القطاع الخاص بقيمة الطاقة الموفّرة.
وفي هذا السياق، تم ربط “شهادات التوفير” بإصلاحات الأسعار المتدرجة، لكن فعالية هذه الإصلاحات تتطلب أن تكون الفروقات السعرية ملموسة، وهو ما قد يُعيد طرح الإشكاليات نفسها المتعلقة بعدم توافق الاستهلاك مع مستوى الدخل.
ورغم هذه المخاوف، أكد بعض الخبراء أن الإصلاحات السعرية المتدرجة تحظى بقبول اجتماعي أكبر، مقارنة بخطة توزيع الحصص، خصوصا في الظروف الحالية، ما يجعل بعض الاقتصاديين يميلون نحو هذا الخيار خشية من تبعات اجتماعية غير محسوبة.
وختمت الصحيفة بالقول إنه من أجل ضمان نجاح هذه الإصلاحات غير المسبوقة، والتي لم تُنفذ من قبل لا في العالم ولا في إيران- باستثناء تجربة تجريبية في جزيرة كيش- لا بد من إخراج هذا الملف من نطاق دوائر الخبراء المغلقة وإدخاله في النقاشات الاكاديمية العامة. وإذا ما حظيت الخطة بتأييد النخب، فيمكن حينها تعبئة الرأي العام، تماما كما جرى إبان حكومة محمود أحمدي نجاد في ملف ترشيد الدعم.
وأضافت أن أزمة الطاقة تمثل اليوم واقعا ملموسا، وأن استمرار تجاهلها سيؤدي إلى تعميق العجز وخلق أزمات اجتماعية وأمنية، تتمثل في تعطيل الإنتاج، وتصاعد انقطاعات الكهرباء في المنازل والمرافق، بل ربما الوصول إلى مرحلة انفجار اجتماعي.
ولذلك، شددت على ضرورة أن تُجري الحكومة كافة الحسابات الدقيقة وتضع تدابير واضحة لمعالجة أوجه القصور، قبل الشروع بأي خطوة إصلاحية واسعة النطاق؛ تفاديا لتكرار أحداث مأساوية كتلك التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي قد تُقيد يد الحكومة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة.