كتب: محمد بركات
“ذهبنا للحديث ولم نتفاوض بخصوص شيء”، تلك هي الجملة التي لخص بها مجيد تخت روانجي، مستشار وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، الجلسة التي عقدت الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في جنيف، بين إيران ودول الترويكا. وصف ربما ليس بالضرورة سلبيا بالنظر إلى الأوضاع الإقليمية والدولية، ولكن الفرضيات التي طرحها روانجي هي ما أثارت الشكوك حول جدوى تلك المفاوضات، فالإشارة إلى الخروج من معاهدة منع انتشار السلاح النووي في حالة تفعيل آليات العقوبات والمعروفة بـ”سناب باك” لم تكن بالتصريح المنتظر بعد الآمال التي عقدتها الخارجية الإيرانية على ذلك الاجتماع، التصريحات التي دفعت الأصوليين مرة أخرى إلى السخرية من أحلام بزشكيان للتفاوض مع ترامب وأوروبا.
حيث عقدت جلسة لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول، بحضور أعضاء اللجنة وتخت روانجي مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، وكاظم غريب آبادي مساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية، وذلك للوقوف على نتائج المفاوضات الأخيرة التي أجرتها وزارة الخارجية مع دول الترويكا، المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، في جنيف، وخلالها، قدم تخت روانجي وغريب آبادي تقريرا عن المفاوضات الأخيرة، وأجابا عن أسئلة الأعضاء والقلق والانتقادات التي عبروا عنها، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين الصادر في 4 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي أثناء الجلسة، قال روانجي إن الهدف من هذه المحادثات كان الحفاظ على منجزات الثورة، مؤكدا أنه لم تجر مفاوضات بخصوص شيء، بل كانت الجلسة لتبادل الآراء فقط، حيث لم يكن هناك نص للتفاوض بشأنه، وكان من ضمن أهداف المحادثات هو تحديد الإطار العام للعمل، وأن الطريق لا يزال طويلا أمام إجراء محادثات جادة.
وأضاف روانجي: “في هذه المرحلة شعرنا بأن المحادثات كانت مفيدة، حيث تحدثنا عن قضايا متعددة، من ضمنها القضايا النووية، وفلسطين ولبنان، كما طرحوا هم أيضا مخاوفهم المتعلقة بأوكرانيا. كذلك ناقشنا الإجراءات المضادة لإيران في حال تفعيل آلية سناب باك، وكان أحد الخيارات التي طرحناها هو الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وأننا قادرون على الخروج من هذه المعاهدة”.
وتابع: “من المحتمل أن تكون لدينا جولة أخرى من تبادل الآراء مع أوروبا، إن جميع المحادثات كانت ضمن إطار القوانين والنظام، ولقد شاركنا في هذه المحادثات دون تفاؤل زائف، فكنا بالتأكيد لدينا الصلاحية للمشاركة في هذه المحادثات، فهذه المحادثات لا تتعارض مع رأي قائد الثورة، ونحن أيضا لسنا مؤيدين للغرب”.
أما كاظم غريب آبادي، مستشار وزير الخارجية للشؤون الدولية، فقد صرح خلال الجلسة بأن “المحادثات لم تُشكَّل بعد، فقد كانت معظم النقاشات في المحادثات الأخيرة تتركز على القضايا النووية والعقوبات ضد الشعب الإيراني، كذلك فقد أوضحنا الإجراءات المضادة التي يمكن اتخاذها، كما انتقدنا بعض الإجراءات الأخيرة ضدنا، مثل العقوبات على الملاحة البحرية وشركات الطيران، والبيان الأوروبي الأخير بشأن الجزر الإيرانية، وقرار مجلس الحكام”، مضيفا: “لم ندخل في أية تفاصيل تتعلق بالمشروع النووي، ومن الممكن مناقشة هذا المسار في وقت لاحق”.
وخلال الجلسة، علق بعض أعضاء لجنة الأمن القومي على تصريحات روانجي وغريب آبادي، قائلين إن المحادثات مع أوروبا لا فائدة منها ولن تحقق مكاسب اقتصادية لإيران، كما انتقدوا تصرفات أوروبا السابقة، مثل دعمها لأمريكا في فرض العقوبات، وتجاهلها حقوق إيران في الجزر، والعقوبات الأخيرة على الملاحة البحرية والطيران، وأعمال الحكومة الألمانية العدائية، كما أكد النواب أن المفاوضات يجب أن تكون لها أهداف واضحة وتؤدي إلى فوائد اقتصادية، وأنه لا ينبغي تخويف الشعب بشعارات مثل الضغط الأقصى أو التعامل مع المفاوضات بشكل سلبي، فيجب أن تتم المفاوضات ضمن الأطر المحددة وألا يتم إرسال رسائل ضعف.
وفي ختام الاجتماع، أعلن رئيس اللجنة أن محاور الحوار يجب أن تكون ضمن الأطر المقبولة للنظام، وأن المفاوضات النووية يجب أن تقتصر على قانون الإجراء الاستراتيجي لرفع العقوبات. كما أكد ضرورة أن يكون الحوار مع الغرب من موقع القوة.
ما هي آلية “سناب باك” التي تخشى إيران تفعيلها؟
إن سناب باك (Snapback) هي آلية نص عليها الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا)، والذي أبرم في العام 2015، وتنص تلك الآلية على أنه ذا تبين لأحد أطراف الاتفاق أن طرفا آخر لا يلتزم بالتزاماته بموجب الاتفاق، فيمكنه طرح هذه المسألة في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، وإذا لم يتم حل القضية في اللجنة المشتركة خلال 35 يوما، فسيتم إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن، على أن يكون لدى المجلس شهر كامل لحل المشكلة، وإذا فشل المجلس في حلها خلال هذا الوقت، يتم تلقائيا إعادة فرض جميع العقوبات التي أوقفتها الأمم المتحدة على إيران، دون أن تتمكن دول مثل الصين وروسيا من استخدام حق النقض، الفيتو، لوقف تنفيذ العقوبات، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع فرارو الإخباري بتاريخ 12 أغسطس/آب 2020.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت تهدف إلى تفعيل هذه الآلية وإعادة فرض العقوبات من مجلس الأمن عندما انسحبت من الاتفاق النووي، ولكن بسبب التعقيدات القانونية للاتفاق والمسار الذي كانت قد أغلقته، لم تتمكن من تنفيذ ذلك.
ما هي معاهدة NPT وكيف ستؤثر على إيران إذا انسحبت منها؟
معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والمعروفة اختصارا بـNPT، هي معاهدة اقترحتها أيرلندا في عام 1986، ووقعت عليها الولايات المتحدة و56 دولة خلال فترة الحرب الباردة، وتتضمن التزامات تخص نوعين من الدول، وهما الدول المالكة للأسلحة النووية مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين، والدول الأخرى التي لا تملك أسلحة نووية. فوفقا للمعاهدة يسمح للدول المالكة للأسلحة النووية بالاحتفاظ بها، لكنها ملزمة بمساعدة الدول الأخرى في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية. أما الدول التي لا تملك أسلحة نووية، فإنها تتعهد بعدم السعى لامتلاكها، وتنص المعاهدة على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي المسؤولة عن تنفيذ البروتوكولات الخاصة بها، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع فرارو الإخباري بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
كانت إيران من أوائل الدول التي انضمت إلى هذه المعاهدة، والتي بناء على سياساتها، قد غيّرت إيران بعض خصائص برامجها النووية. وفي الوقت الحالي، أصبحت المعاهدة تضم 186 دولة، في حين أن كوريا الشمالية انسحبت منها منذ عدة سنوات، ولم تقدم كل من باكستان وكوبا والهند وإسرائيل طلبات للانضمام حتى الآن.
أما عن الخروج منها، فيحق للدول أن تنسحب من المعاهدة عن طريق إرسال إشعار ثلاثي إلى جميع الدول الأعضاء في المعاهدة ومجلس الأمن الدولي، لكن الانسحاب منها قد يؤدي إلى عواقب كبيرة، حيث اعتبرت هذه المعاهدة منذ إبرامها، صمام أمان لحفظ قوام الهيكل الدولي، فهي تعتبر معاهدة ذات طابع أمني، وبالتالي يرتبط انسحاب الدول منها بمجلس الأمن الدولي. يمكن أن يُعتبر انسحاب دولة من هذه المعاهدة تهديدا للأمن العالمي، مما قد يؤدي إلى عواقب سياسية واقتصادية. تشمل هذه العواقب فرض عقوبات سياسية واقتصادية، ما قد يؤدي إلى مشاكل داخلية وخارجية، إضافة إلى أن الدولة المنسحبة قد تُستبعد من المعادلات الدولية الأخرى.
موقف الأصوليين من إصرار بزشكيان على التفاوض مع أوروبا وترامب
كان تمسك الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بلهجة التفاوض مع أمريكا، التي تستعد لاستقبال رئيسها الجديد دونالد ترامب ذو السابقة السيئة مع إيران، وأوروبا دائما محل انتقاد من التيار الأصولي، خاصة بعد مفاوضات جنيف التي لم تسفر عن شيء، وبهذا الشأن كتبت صحيفة كيهان الأصولية: “في تحليل نشره سيد حسين موسويان، عضو الفريق النووي الإيراني السابق، أشار إلى أن المفاوضات الجديدة بين إيران وأوروبا ستفشل لخمسة أسباب رئيسية. أولا، لأن أوروبا قد فقدت علاقاتها الاقتصادية الواسعة مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية، وانتقلت هذه العلاقات إلى الصين. ثانيا، فإن عُمان وقطر تلعبان الآن دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، مما أضعف موقف أوروبا، وثالثا، لأن الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة سياسية داخلية، ما يؤثر على قدرته على تقديم تنازلات لإيران، ورابعا، لأن أوروبا لا تستطيع تقديم تنازلات مقابل رفع العقوبات الرئيسية التي فرضتها الولايات المتحدة. وأخيرا، لأن اهتمام أوروبا منصبٌّ على القضايا الإقليمية ومسألة الحرب في أوكرانيا دون القدرة على تقديم تنازلات في ما يخص العقوبات النووية، وذلك حسبما جاء في تقرير الصحيفة الصادر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ويكمل التقرير: “كذلك فقد أكد موسويان أن المفاوضات بين إيران وأوروبا ستكون غير فعالة طالما غابت الولايات المتحدة عن المفاوضات”، محذرا من أن العودة إلى سياسة الضغط الأقصى من قبل ترامب قد يؤدي إلى تجاوز إيران للحدود.
وفي هذا المسار، نشرت صحيفة همشهري مقالا تحت عنوان “رغم تهديدات ترامب المجنونة، مل ازال البعض يسعى للمفاوضات معه!”، في إشارة إلى إدارة الرئيس بزشكيان، حيث يذكر المقال: أنه “في ظل التهديدات المستمرة من الرئيس الأمريكي المنتخب تجاه منطقة الشرق الأوسط، تسعى بعض التيارات الداخلية في إيران، متجاهلةً السياسات العدائية السابقة لترامب ضد إيران، إلى إعادة طرح فكرة المفاوضات كحل. في أحدث تصريحاته، هدد ترامب بفرض تدابير جديدة على المنطقة إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في غزة بحلول 20 يناير/كانون الثاني، مؤكدا أنه سيُوقع ثمنا باهظا على الشرق الأوسط إذا لم يتم ذلك، ورغم أن ترامب لم يذكر إيران بشكل مباشر، فإن سياساته السابقة تعكس استراتيجيات عدائية تجاه إيران، مثل الضغط الأقصى التي اعتمدها في فترة رئاسته الأولى”، وذلك وفق تقرير الصحيفة الصادر في 4 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويكمل المقال: “ورغم تأكيد المقربين من ترامب استمرار موقفه المعادي لإيران في فترته الرئاسية الثانية، فإن بعض التيارات الداخلية في إيران ما زالت تروج لفكرة (التفاوض مع ترامب) كحل، وهو مسار خاطئ سبق أن اتبعته بعض الحكومات السابقة، حيث انتهى بتعهدات منقوصة وضغوط اقتصادية على الشعب الإيراني”.
كذلك، فقد صرح مجتبى يوسفي، عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، مشيرا إلى سياسة بزشكيان الحالية مع أوروبا: “نحن دولة تعودت على التفاوض، لكن بعض من يسعون إلى الغرب يظنون أننا سنحصل على مكاسب من خلال سياسة التراجع، لكن القرار المعادي لإيران من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما تبعه من مفاوضات يظهر بوضوحٍ أنه كلما تصرفنا بلين مع الغرب، فإنهم سيتجاوزون حدودهم”،و ذلك حسبما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين الصادر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وذكر یوسفی أن إيران قد التزمت ببنود الاتفاق النووي ووافقت على القيود من أجل رفع العقوبات، ولكن لم يتم رفع العقوبات، بل أصبحت أكثر قسوة، مشيرا كما إلى أن إيران قبلت البروتوكول الإضافي وتعهدت بتقديم تسهيلات كبيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمن ذلك السماح لها بالوصول إلى المعلومات التي جمعتها نصف كاميرات الوكالة في المنشآت النووية حول العالم، وعلى الرغم من ذلك صدر قرار بعدم التعاون من الوكالة.