كتب محمد بركات
تتردد في تلك الأيام مصطلحات مثل الأربعين أو الأربعينية أو أربعينية الحسين، وهي تشير إلى اليوم العشرين من شهر صفر، والذي يوافق مرور 40 يوماً على مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب في معركة كربلاء، وتعتبر تلك الأيام مقدسة عند الشيعة. وفي كل عام يسافر ملايين من الإيرانيين قبل أيام الأربعين وبعدها إلى مدينة كربلاء في العراق والأماكن المقدسة الأخرى لزيارتها، في حين تتحمل الحكومة الإيرانية تكاليف باهظة لتغطية تلك الزيارات.
ووفقاً لتقرير نشره موقع راديو فردا الإخباري الإيراني بتاريخ 24أغسطس/ آب 2024، فقد سافر ما يعادل 2% من سكان إيران للمشاركة في تلك المراسم الدينية، والتي خصصت لها الحكومة الإيرانية نحو عشرين ألف مليار ريال (33 مليوناً و600 ألف دولار تقريباً) من الميزانية، إضافة إلى الخصومات الكبيرة التي تم تخصيصها من الموارد العامة لرسوم خروج المشاركين من البلاد.
وقد صرح مولوي عبد الحميد، إمام جمعة أهل السنة في إيران، قبل عام تقريباً في خطبته الأسبوعية: “بالنسبة لدولة لا يستطيع شعبها الحصول على الأدوية وهي بحاجة ماسة لتطوير البنية التحتية، هل من الصواب إنفاق كل هذه الأموال على احتفال ديني؟”، وانتقد التكاليف الباهظة التي تنفقها الحكومة من الموارد العامة للدولة على تنظيم “مراسم الأربعين” بمشاركة عدد قليل من الأشخاص.
وعلى الرغم من زيادة حدة الانتقادات بخصوص هذا الأمر، خصوصاً في السنوات الأخيرة، فإن هذا لم يثنِ الحكومة وصانعي القرار عن هذا النهج في الإنفاق على مراسم الأربعين. فتشير تحقيقات موقع راديو فردا إلى أن الحكومة الإيرانية أنفقت في هذا العام 12000 مليار ريال إيراني ( 20 مليوناً و16 ألف دولار تقريباً) من الموارد العامة للميزانية الوطنية، مما أضاف على الأقل 3000 مليار ريال (5 ملايين و42 ألف دولار تقريباُ) إلى الميزانية المباشرة لهذا الحدث الحكومي.
يتم توزيع هذا المبلغ كاعتمادات مباشرة بين ثلاث جهات تشمل وزارة الداخلية، ومنظمة الدعاية الإسلامية، وهيئة العتبات المقدسة.
الاعتمادات المخصصة لـ”الأربعين” في الميزانية العامة للدولة لعام 2024:
· استكمال وتطوير البنية التحتية الإقليمية لمراسم الأربعين، تخصم من عدة موازنات : 3800 مليار ريال إيراني(6 مليون و386 ألف دولار تقريباً).
· تكاليف دعم الرحلات الدينية للأربعين، تخصم من ميزانية وزارة الداخلية 1000 مليار ريال إيراني (مليون و680 ألف دولار).
· تكاليف دعم الرحلات الدينية للأربعين، تخصم من عدة ميزانيات، 5040 مليار ريال إيراني(8 مليون و470 ألف دولار).
· منظمة الدعاية الإسلامية، تخصم من ميزانية المقر المركزي للأربعين، 200 مليار ريال إيراني (336 ألف دولار).
· اللجنة التنسيقية لتطوير وتسهيل الخدمات الخاصة بالأربعين في العراق:، تخصم من هيئة إعادة بناء العتبات المقدسة، 2000 مليار ريال إيراني (3 ملايين و361 ألف دولار).
فوفقاً لحسابات فريق تحليل البيانات في موقع راديو فردا، فإن مبلغ 12000 مليار ريال (20 مليوناً و168 ألف دولار) هو فقط المجموع الناتج عن البنود الواردة في قانون الميزانية العامة للدولة، حيث تم ذكر كلمة “الأربعين”؛ وهذه الميزانية منفصلة عن المبالغ الأخرى التي تنفقها الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة من مواردها المالية على إقامة هذا الاحتفال الديني. ومن ناحية أخرى، تم منح امتيازات أخرى مثل الإعفاء من دفع رسوم الخروج من البلاد لما يسمى بـ”زوار الأربعين”.
وتفيد تقارير وسائل الإعلام الرسمية في إيران، بأنه حتى يوم 19 أغسطس/آب من هذا العام، قد سجل نحو ثلاثة ملايين شخص رسمياً للمشاركة في مراسم الأربعين لهذا العام، وتم إرسال أكثر من مليونين و500 ألف من المسجلين إلى العراق.
وبالنظر إلى تعريفة رسوم خروج زوار العتبات المقدسة في ميزانية هذا العام، والتي تتراوح بين 150 و450 ألف ريال (من 0.25 إلى 0.76 دولار)، فقد قدمت حكومة إبراهيم رئيسي، الرئيس السابق لإيران، تخفيضات تتراوح بين 450 و1450 مليار ريال (بين 756 ألفاً و2 مليون و436 ألف دولار) لـ”زوار الأربعين”؛ وهو مبلغ يُمول من الموارد العامة المتاحة للحكومة، ويجب اعتباره عملياً فقداناً للإيرادات في الميزانية.
التجهيزات الضخمة لبلدية طهران:
وهذه ليست نهاية القصة، فتُظهر التحقيقات أن إجمالي تكاليف إقامة مراسم الأربعين في عام 2024 تصل إلى نحو 20000 مليار ريال (33 مليون دولار)؛ لأن الميزانية العامة للدولة ليست المصدر الوحيد لتمويل “مراسم الأربعين” في إيران، فالعديد من المؤسسات العامة، مثل البلديات، تشارك أيضاً في تنظيم هذا الاحتفال الديني، مثل بلدية طهران والمؤسسات التابعة لها.
وتشير تحليلات فريق تحليل البيانات بموقع راديو فردا إلى أن بلدية طهران تحت إدارة علي رضا زاكاني، خصصت في ميزانيتها لهذا العام نحو 8000 مليار ريال (13 مليوناً و445 ألف دولار) لمراسم الأربعين. وتحت بند الميزانية “مساعد الشؤون الاجتماعية والثقافية” لبلدية طهران، تم تخصيص مبلغ 5600 مليار ريال (9 ملايين و 411 ألفاً) لـ”إقامة مراسم الأربعين” ضمن بندين محددين. فيما تنفق الوحدات المركزية والمنظمات التابعة لبلدية طهران مجتمعةً 1700 مليار ريال (2 مليون و875 ألف دولار) على هذه المراسم.
تتلقى منظمة الباسيج التابعة للبلدية مخصصات بقيمة 210 مليارات ريال (353 دولاراً تقريباُ) تحت بند “صيانة موكب علي بن موسى الرضا”. كما تحصل منظمة “بهشت زهرا” هذا العام على ميزانيةٍ قدرها 300 مليار ريال (504 آلاف و200 دولار) لبناء “موكب جنة الزهراء في كربلاء”.
إضافة إلى ذلك، تم تخصيص ميزانية تبلغ مجموعها 120 مليار ريال (201 ألف و680 دولاراً) في مناطق 1، 14 و22 من بلدية طهران لـ”استكمال وتجهيز موكب الأربعين”.
وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الإيرانية، تستوعب أكبر مواكب الأربعين 100 ألف شخص، في حين تستوعب أصغرها 200 شخص. وجدير بالذكر أن المقصود بالمواكب هي محطات تقديم الخدمات للزوار أو الفرق المسؤولة عن إسكان وإطعام وإيواء زوار الأماكن المقدسة.
كما خصص مكتب بلدية طهران ميزانيةً قدرها خمسة مليارات تومان “لمساعدة المواكب الطلابية”، ويصل مجموع هذه المبالغ إلى نحو 8000 مليار ريال (13 مليوناً و445 ألف دولار)، وهو مبلغ أقل قليلاً من الاعتمادات المخصصة في الميزانية العامة للدولة التي تُنفق بشكل خاص على الأربعين بالكامل.