كتب: محمد بركات
حدث استثنائي شهدته العاصمة اللبنانية بيروت، استقطب اهتماما واسعا على المستويين الإقليمي والدولي، حيث اجتمعت حشود ضخمة لتشارك في مراسم وداع إحدى الشخصيات البارزة، وسط حضور رسمي وشعبي غير مسبوق، مراسم تأخرت لأكثر من أربعة أشهر لكنها أتت مليئة بالرسائل، وكما شهدت المراسم رسائل متنوعة، فقد تنوعت التغطيات الإعلامية من الجانب الإيراني لها، إذ رأت بعض الصحف في المناسبة تعبيرا عن قوة سياسية واجتماعية، بينما ركزت أخرى على تداعياتها في ظل التوترات القائمة، وبالتزامن مع الحدث، تصاعدت المواقف والتصريحات من مختلف الأطراف، مما يعكس أبعادا سياسية وأمنية عميقة، كذلك ففي الوقت الذي شهدت فيه المراسم مظاهر تأييد واسعة، لم يخلُ المشهد من رسائل وتحركات عسكرية عززت مناخ الترقب والتوتر في المنطقة.
أسطورة المقاومة
تحت هذا العنوان غطت صحيفة سازندجي في عددها ليوم الاثنين 24 فبراير/شباط 2025، مراسم تشييع جثمان حسن نصر الله، حيث كتبت: “شهدت بيروت مراسم تشييع ضخمة لحسن نصر الله وهاشم صفي الدين بحضور آلاف المشيعين وشخصيات سياسية من إيران، والعراق، واليمن، إضافة إلى ممثلين عن فصائل المقاومة، وخلال المراسم أكد نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، في خطابه، أن المقاومة ستبقى خيارا استراتيجيا، مشيرا إلى دور نصرالله في دعم القضية الفلسطينية وتطوير المقاومة منذ عام 1989 وحتى وفاته، كما أوضح أن الحزب وافق على وقف إطلاق النار من موقع القوة، لكن إسرائيل خرقت الاتفاق، مما أدى إلى تجدد المواجهات”.
وتابع التقرير: “هذا وقد تناولت الصحافة الغربية الحدث من زوايا مختلفة، حيث اعتبرته رويترز ونيويورك تايمز الأمريكيتين مناسبة لإظهار قوة حزب الله، بينما ركزت فرانس 24 على الحشود غير المسبوقة في استاد كميل شامعون، وأما عن الإعلام الإسرائيلي، فقد وصف الحدث بأنه استعراض قوة غير مسبوق للحزب ورسالة واضحة لتل أبيب، بينما رصدت (سي إن إن) الأمريكية تحليق مقاتلات إسرائيلية من طراز 16-F فوق بيروت خلال التشييع، بالتزامن مع هجمات إسرائيلية على جنوب وشرق لبنان”.
جنازة تحت ظل الطائرات المقاتلة
وبهذا الشأن أيضا، كتبت صحيفة هم ميهن في عددها لليوم نفسه عن المراسم، حيث ذكرت: “أقيمت في بيروت مراسم تشييع حسن نصر الله، الأمين العام الثالث لحزب الله، وهاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب، وقد بدأ التشييع من ملعب كميل شمعون، حيث دُفن السيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية، بينما وُوري جثمان السيد هاشم صفي الدين الثرى في دير قانون النهر، وكان نصر الله قد تعرض عدة مرات لمحاولات اغتيال، حتى قتل في أكتوبر/تشرين الأول 2024 في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى بالضاحية الجنوبية لبيروت، وبعدها بعدة أيام، أعلن حزب الله مقتل هاشم صفي الدين في غارة أخرى”.
وتكمل: “شهدت المراسم حضور وفد رفيع المستوى من إيران، ضم شخصيات سياسية وعسكرية بارزة، بينهم محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، وعباس عراقجي وزير الخارجية، إلى جانب مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني وممثلين عن المؤسسات الإيرانية الكبرى”.
كما أرسل المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، رسالة تعزية أكّد فيها أن “المقاومة ضد الظلم والاستكبار لا تنتهي، وستستمر حتى تحقيق الهدف المنشود”، مشددا على أن “نصر الله كان قائدا رائدا في المقاومة، وأن هاشم صفي الدين كان جزءا لا يتجزأ من قيادة الحزب”.
وتضيف: “هذا وقد تزامن التشييع مع تحليق طائرات إسرائيلية فوق بيروت، حيث اخترقت جدار الصوت فوق المدينة، في استعراض اعتبره وزير الدفاع الإسرائيلي رسالة تهديد واضحة للبنان. وقد حضر التشييع ممثلون عن 80 دولة، رغم العقبات التي وُضعت لمنع وصول الجماهير، وأكد قاليباف دعم إيران لاستقرار لبنان واستعداده للمساهمة في إعادة إعماره، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين استراتيجية، وأن المقاومة عززت سيادة لبنان. وفي الختام، شدد نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، على استمرار نهج المقاومة، مؤكدا أن العدو لن يحقق بالسياسة ما فشل فيه بالحرب، وأن المقاومة ستختار زمان ومكان المواجهة وفق رؤيتها”.
عرش النصر
كذلك، تصدرت صورة كبيرة لجثماني زعيمي حزب الله الصفحة الأولى لصحيفة إيران، كما ذكرت رسالة بزشكيان حول هذا الأمر، حيث كتبت: “تحولت مراسم تشييع إلى استعراض قوة لحزب الله في لبنان، حيث شهدت مشاركة واسعة على المستويين الشعبي والدولي، في هذا السياق، نشر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، رسالة تعزية أكد فيها وفاء المقاومة لعهدها، ومشيدا بتضحيات قادة حزب الله، وأكد أن الشعب اللبناني يفتخر بأبنائه الذين دافعوا عن كرامة الأمة حتى نالوا الشهادة”.
وأضافت: “كما التقى وفد إيراني رفيع المستوى، برئاسة محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، وخلال اللقاء، أكد عون أهمية العلاقات مع طهران لما فيه مصلحة البلدين، مشيرا إلى التضحيات الكبيرة التي قدمها لبنان دفاعا عن القضية الفلسطينية، ومن جانبه، شدد قاليباف على استعداد إيران لدعم إعادة إعمار لبنان وتعزيز استقراره، مرحبا بأي قرارات لبنانية مستقلة بعيدا عن التدخلات الخارجية”.
وتابعت: “كذلك، وصف وزير الخارجية، عراقجي، المشاركة الشعبية في التشييع بأنها دليل على عمق تأييد المقاومة في لبنان، مضيفا أن هذا الحشد الجماهيري يمثل تجديدا للعهد مع حزب الله، ومؤكدا أن المقاومة ما زالت حية وستواصل مسيرتها حتى تحقيق النصر النهائي، كما شدد على أن إيران تعتبر نفسها جزءا من هذه المقاومة وتقف إلى جانب لبنان في هذه المرحلة، وفي تصريحاته أيضا، أكد عراقجي أن حزب الله لا يزال يتمتع بقوة شعبية كبيرة، وأنه رغم كل الضغوط، فإن مسار المقاومة مستمر حتى تحقيق أهدافه”.
نهضة المقاومة
كذلك، كتبت صحيفة جام جم عن مراسم التشييع: “شهد لبنان مراسم تشييع حاشدة لحسن نصر الله، حيث غمر الحزن شوارع بيروت، فقد تجمع المشيعون رافعين صور نصر الله، معبرين عن صدمتهم. البعض بكى، وآخرون تعهدوا بالاستمرار في نهج المقاومة، وقد استحضر هذا المشهد لحظات فارقة في تاريخ حزب الله، كاغتيال عباس الموسوي عام 1992، حيث اعتُقد أن حزب الله سينهار، لكنه ازداد قوة بقيادة نصر الله، كما أُعيدت إلى الأذهان انتصارات المقاومة، من انسحاب الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 إلى حرب 2006، التي هزمت فيها إسرائيل أمام حزب الله”.
ويتابع تقرير الصحيفة: “إن الحشود لم تكن لبنانية فقط، بل ضمت يمنيين، وعراقيين، وفلسطينيين وسوريين، تأكيدا لوحدة محور المقاومة، فداخل ملعب كميل شمعون، علت الهتافات بعد تلاوة رسالة قائد الثورة الإيرانية، وعندما رُفعت التوابيت، عمّت مشاعر الحزن والتحدي، كذلك، وفي لحظة مؤثرة، ظهرت طائرات الاحتلال، ما أشعل غضب الجماهير التي هتفت الموت لإسرائيل. لم يتراجع أحد، بل توحدت الأصوات لتؤكد أن المقاومة مستمرة، وأن مقتل نصر الله ليس النهاية، بل بداية عهد جديد، وفي السياق نفسه، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن حزب الله سيظل صامدا، وأن اغتيال نصر الله لن يضعف مسيرة المقاومة، بل سيجعلها أقوى”.
“لبيك يا نصر الله”
وكتبت صحيفة جوان أيضا: “شهد لبنان أكبر جنازة في تاريخه، حيث اجتمع مئات الآلاف لتشييع نصر الله وهاشم صفي الدين، ما اعتُبر استعراضا للقوة الاجتماعية لحزب الله، وقد توافد المشاركون من مختلف أنحاء العالم، بينما قطع البعض مسافات طويلة سيرا على الأقدام وسط البرد للوصول إلى بيروت، حيث انطلقت المراسم رسميا في ملعب كميل شمعون بقراءة رسالة قائد الثورة، بحضور وفد إيراني رفيع المستوى، كذلك أكد نعيم قاسم استمرار المقاومة رغم التهديدات، مشددا على أن (طريق نصر الله سيستمر، حتى لو دُمرت منازلنا واستشهدنا جميعا)”.
وتكمل الصحيفة: “هذا، وبينما كانت الجموع تردد هتافات ضد إسرائيل وأمريكا، حلقت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاع منخفض فوق بيروت، ما دفع المشيعين إلى ترديد شعار لبّيك يا نصر الله، وقد وصف الإعلام الغربي الحدث بأنه استعراض قوة لحزب الله، مؤكدا أن الحزب رغم فقدانه قادته، لا يزال صامدا، وفي ختام المراسم، أكد حزب الله أنه مستمر في المواجهة”.
“أفواجا أفواجا إلى نصر الله”
وفي سرد تاريخي ديني بحت، قدمت صحيفة رسالت رؤية خاصة لمراسم التشييع، حيث قالت: “شكّل التشييع الضخم لنصر الله في بيروت حدثا تاريخيا يُبرز استمرار نهج المقاومة، إذ لم يكن مجرد وداع لشخصية محورية، بل بيعة شعبية واسعة للمقاومة، فقد استُقبل نصر الله كرمز ديني وسياسي، مما جعل بيروت تشبه بمدينة مقدسة، حيث يُدفن فيها قائد جسّد القيم النضالية، أثبتت مراسم تشييع الجنازة استمرارية المواجهة بين الحق والباطل عبر التاريخ، مستحضرة إلى الأذهان واقعة كربلاء، حيث قُمِعَت المقاومة عسكريا بعد استشهاد الإمام الحسين، لكن رغم غياب التنظيم حينها، استمرت الفكرة، وأعاد الأئمة بناء القاعدة الشعبية، ما أدى إلى نشوء شبكة الوكالة الشيعية”.
وأكملت: “واليوم، يُبرز تشييع نصر الله مدى التقدم الذي حققته المقاومة مقارنة بزمن كربلاء، حيث لم يكن المجتمع آنذاك قادرا على دفن الحسين بكرامة، على العكس، أُجِّلَ دفن نصر الله ليتمكن الملايين من وداعه، بينما حاولت الطائرات الإسرائيلية استعراض قوتها فوق الحشود دون جدوى، فما شهدناه في بيروت الكربلائية أكد أن المقاومة لم تعد مجرد فكرة، بل أصبحت تنظيما قويا في لبنان وغزة، قادرا على الصمود رغم الهجمات، كذلك فقد أثبتت أن اغتيالات القادة لن تقضي على المقاومة، بل ستدفعها نحو تصعيد أكبر، حيث يتجه الشرق الأوسط نحو انتفاضة شاملة ضد قوى الاستكبار العالمي”.
فشل مشروع بني صهيون
وكتبت صحيفة خراسان: “عكس رؤية نتنياهو، الذي راهن على القضاء على المقاومة عبر اغتيال قادتها، ازداد دعم هذه الجبهة أكثر من أي وقت مضى، وقد تجلى ذلك في مراسم تشييع حسن نصر الله، حيث حضر مئات الآلاف من مختلف أنحاء العالم، ما يعكس الشعبية الواسعة للمقاومة، وعلى الرغم من محاولات الإعلام الغربي والإسرائيلي تصوير حزب الله كضعيف بسبب الاغتيالات، فإن المشاركة الجماهيرية في تشييع نصر الله أكدت العكس، فقد أقيمت المراسم في ملعب كميل شمعون في بيروت، وسط إجراءات مشددة، رغم محاولات السفارة الأمريكية منع الحضور، عبر التهديد والترهيب. ومع ذلك، تمكن الحزب من تنظيم الحدث رغم الضغوط، ما أثار دهشة المراقبين الدوليين”.
وتابعت: “تزامن التشييع مع استفزاز إسرائيلي، حيث حلقت طائرات حربية فوق بيروت في أثناء المراسم؛ في محاولة لإثارة الذعر. غير أن الحشود ردّت بهتافات مناهضة لإسرائيل، مما أبرز وحدة الشعب اللبناني وتصميمه على المقاومة، وقد بلغ عدد المشاركين أكثر من 1.4 مليون شخص، وشهدت المراسم حضور شخصيات دولية من 65 دولة، وخلال المراسم أكد قادة المقاومة استمرار النضال ضد الاحتلال، فيما أرسل المرشد الأعلى الإيراني رسالة تأكيد بأن المقاومة لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها. لقد برز نصر الله كرمز وطني واجتماعي، حيث لم يقتصر دوره على المقاومة العسكرية، بل كان أيضا فاعلا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما جعله قائدا شعبيا عابرا للطوائف في لبنان”.