كتب: محمد بركات
تحت مسمى تجديد العهد مع مبادئ ووصايا الخميني، ذهب رجال السلطة في إيران لزيارة مرقده، واقفين أمام ضريحه يرددون كلمات مختارة من تعاليمه، كلمات ربما استخدمها الخميني يوما ليقول ما يريد صراحة، ولكن رجاله اليوم اختاروها بعناية ليعبروا عن ذوات صدورهم. تصريحات أتت لتقول إن القادة في إيران ما زالوا يذكرون كلمات الخميني، ولكن على طريقتهم الخاصة، بما يتوافق مع موقفهم.
فبمناسبة دخول الخميني، قائد الثورة الإيرانية، إلى إيران قادما من فرنسا في 1 فبراير/شباط 1979 بعد نفي استمر 14 عاما، وبداية ما أسماه الإيرانيون عشرة الفجر، وهي الأيام التي تلت مجيء الخميني وإعلان سقوط النظام الملكي في إيران، فقد زار بشكل منفصل، كلا من الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان وأعضاء حكومته، ورئيس البرلمان، ومحمد باقر قاليباف مع عدد من نوابه السبت 1 فبراير/شباط 2025، ورئيس السلطة القضائية، محسني إيجئي، مع عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، الأحد 2 فبراير/شباط 2025، ضريح الخميني.
امتداد الخميني وصل لغزة واليمن
وخلال الحدث، صرح حسن الخميني، حفيد الخميني والمسئول عن مرقده، قائلا: “هذه الأيام تحمل أهمية كبيرة، فهي تذكير بجهاد الشعب الإيراني وتضحياته وأهدافه التاريخية”.
وتابع: “لقد أثرت الثورة الإسلامية في العالم كله، فهناك شخصيات مثل حسن نصر الله، الذي تأثر بهذه الثورة رغم أنه كان في أقصى العالم، وجذبته شخصية الإمام، بينما هناك أشخاص هنا في إيران لم يؤمنوا”، مضيفا: “ورغم أن ثورتنا حققت أهدافها فإن نبضها لا يزال موجودا في كل دول العالم، ففي غزة واليمن نرى أبناء هذه الثورة، فقدرة الخميني قد جمعت الأفراد حوله عبر التاريخ والجغرافيا”.
وفي خطابه للحكومة والبرلمان، قال حسن الخميني: “طبقوا ما قاله الإمام لرفاقه في ذلك الوقت، لا تتفرقوا، لا تنقسموا إلى جماعات وفئات، قد تختلفون، لكن لا تتصارعوا. نحن جميعا نجلس على مائدة الشعب الإيراني، فلا تنسوا المحرومين والمستضعفين”.
جدير بالذكر أن الصحف الإيرانية، كصحيفة هم ميهن في عددها الصادر الأحد 2 فبراير/شباط 2025، قد تناقلت صورة لحفيد الخميني مع محمد جواد ظريف، نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، وهو ممسك بيده، ما اعتبرته خلال زيارته للضريح، تأييدا ضمنيا من حسن الخميني لظريف.
واختتم كلمته بقوله: “إن قائد الثورة كان دائما يذكّر بالمستضعفين، فليحفظنا الله من أن نكون نحن العلماء والمسؤولين أسرى موائد الأغنياء الفاخرة، علينا أن نهتم بالفقراء وألا نكتفي بالشعارات. قبل كل شيء، علينا أن نلتفت إلى قلوبنا. ففي الثمانينيات، رغم أننا لم نكن نملك الخبرة والقوة التي لدينا اليوم، فإننا أحدثنا عاصفة، لأن قلوبنا كانت أكثر ثباتا، فمن يستيقظ صباحا استعدادا للشهادة، لا يعرف الخوف”.
نقرأ الكتب ولا نفهم معناها
وخلال وجوده في المرقد، صرح بزشكيان في أثناء قراءته بعض مقاطع من وصية الخميني، قائلا: “إن الطريق الذي يجب أن نسلكه هو نفسه الذي وضعه قائد الثورة أمامنا”.
وخلال حديثه عن كتاب نهج البلاغة، الذي قال بزشكيان عدة مرات إنه قرأه أكثر من مرة، قال: “إن نهج البلاغة هو أعظم كتاب لتحرير البشرية بعد القرآن الكريم، ونحن نفتخر بأن هذا الكتاب من أئمتنا، فإقامة حكومة العدل هي إحدى ركائزه، ونحن نريد تطبيق مقاصد القرآن والسنة”.
وتابع: “كان القائد الراحل يؤكد دائما ضرورة تقدير الشعب وخدمة المحرومين والمستضعفين من قبل البرلمان والحكومة، فالمؤامرات تهدف إلى خلق الفرقة بين الجماهير ورجال الدين والمسؤولين. علينا أن نعتمد على أنفسنا، وعلى شعبنا وإمكاناتنا، وأن نؤمن بأننا لا نقلّ شأنا عن الغربيين، كذلك فإن السيطرة على مراكز التعليم والتربية، خصوصا الجامعات، يجب أن تكون ضمن أولويات العمل”.
يُذكر أن عددا من مكاتب الباسيج الطلابي في أكثر من 70 كلية إيرانية كانت قد تقدمت برسالة جامعة لرئيس السلطة القضائية إيجئي الأحد 26 يناير/كانون الثاني 2025، تطالبه فيها بتطبيق القانون، وإبعاد ظريف عن منصبه في الحكومة بسبب جنسية أولاده.
وأضاف: “إن الدعوة إلى الوحدة والتلاحم والانسجام هي ما استخلصته من وصية الإمام، مشكلتنا أننا نقرأ الكتب لمجرد القراءة، وليس لنعيش وفق تعاليمها، فعندما كنت طالبا جامعيا، كنا نبدأ نقاشاتنا بالحديث عن رؤيتنا للعالم ومنظورنا الفكري، ولكن الآن فنحن نقرأ الكتب لكننا لا نعمل وفق القسط والعدل والميزان”.
“لا أحد يملك الحق في إضعاف معنوياتنا”
وفي أثناء حضوره بمرقد الخميني، قال قاليباف: “في تاريخنا المعاصر، لم يكن هناك عنصر مثل الدين استطاع أن يوحد الإيرانيين بهذه الدرجة ويجعلهم أمة متماسكة، إذا كنا نقدر هذه النعمة، فعلينا الحفاظ عليها، لأنها سرّ بقاء ثورتنا. وكما قال قائد الثورة، فإن الثورة هي التي أحيت الهوية الوطنية في إيران”.
وأشار رئيس البرلمان إلى أن “مفهوم الديمقراطية عند الخميني كان نابعا من فهمه العميق للإسلام، ومن هذا المنطلق، توصل إلى قناعته الراسخة بإرادة الشعب، لقد علمنا الخميني أن هدف الثورة هو التقدم بالدين والدنيا معا، دون أن يُضحّى بأحدهما لصالح الآخر. ومن خلال هذا الفهم، استطاع أن يجعل الدين عاملا للمعرفة والكرامة في المجتمع”.
وشدد قاليباف على أن “المسؤولين في الجمهورية الإيرانية خدام للشعب، وأي تضييق أو معاناة تلحق بالشعب، خاصةً الفئات المحرومة، يجب أن يكون خطا أحمر في أداء أي مسؤول أو مدير”.
وحول نشر الأمل في المجتمع، قال قاليباف: “ليس لنا أي حق، تحت أي ذريعة، أن نُضعف هذه الثقة الوطنية بأدائنا، سواء من خلال الإهمال، أو الأخطاء الإعلامية، أو ضعف الحوكمة الاقتصادية، أو سوء الإدارة، إبقاء الشعب في دائرة الحرمان، سواء بسبب عدم الكفاءة أو سوء النية، انتهاك لكرامة الشعب. إذا رأينا أن نتائج إدارتنا تسير في هذا الاتجاه، فعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وندرك أننا نخالف نهج قائد الثورة، لا ينبغي أن نغطي على ضعف أدائنا بإلقاء الشعارات باسم الإمام والثورة. وإذا حاول الأعداء أو المنهزمون الإيحاء بأن الشعب قد تخلى عن الثورة أو سئم منها، فإن هذا كذب وافتراء. لا أحد قدّم تضحيات من أجل الثورة أكثر من هذا الشعب، ولا أحد يرى الثورة ملكا له أكثر من هذا الشعب”.
جدير بالذكر بأن نواب البرلمان الإيراني كانوا قد اعترضوا في جلسة البرلمان الأحد 26 يناير/كانون الثاني 2025، على التصريحات التي أطلقها ظريف خلال مشاركته في مؤتمر دافوس في 20 يناير/كانون الثاني 2025، واصفين إياها بأنها تضعف الإرادة الوطنية وتحط من قدر الشعب الإيراني.
وأضاف قاليباف: “إن قائد الثورة الراحل، ورغم اهتمامه بالاقتصاد والسياسة الداخلية، كان بالقدر نفسه حريصا على السياسة الخارجية، فقد كان نهجه في السياسة الخارجية واضحا ومتقدما، إذ أكد أن الجميع مسؤولون عن القضايا الخارجية، لكن إدارة هذه القضايا تقع على عاتق وزارة الخارجية. كان الإمام يرحب بالعلاقات مع أي دولة لا تتدخل في شؤوننا الداخلية ولا تحاول إخضاعنا، مع إعطاء الأولوية للعلاقات مع الدول الإسلامية. هذه المبادئ القوية والواضحة تفتح المجال أمامنا لإحداث تحولات في الأساليب، وفقا لكل مرحلة وتحدياتها المختلفة”.
“النظام يحارَب من أطراف داخلية وخارجية”
كذلك، فخلال زيارته للمرقد الأحد 2 فبراير/شباط، وفي كلمة له في هذا الحدث، قال إيجئي: “إن ثورة الخميني من نفس نوعية وبعثة الأنبياء، فلقد كان متصفا بالأخلاق الإلهية، وقف نفسه في سبيل الله، وابتعد عن كل ما ليس لله، ولم يخشَ غير الله”.
واستكمل رئيس السلطة القضائية قائلا: “لقد هددت ثورته مصالح كل الطامعين في الدنيا، فقد تحطمت هيمنة الطواغيت الكبار والصغار بفضل هذه الثورة، وفضحت جميع المدعين الذين كانوا يتظاهرون بالدفاع عن الناس، وأعادت للإيرانيين كرامتهم وأحيَت إنسانيتهم. العديد من الذين كانوا مضطهدين من قبل الطغاة، وجدوا عزيمتهم بفضل هذه الثورة، مما جعل شعارات المدافعين الكاذبين عن الشعب بلا قيمة”.
وأكد إيجئي: “لقد وقف الخميني ضد المتشددين الذين كانوا يسدون الطريق أمام الناس لله، ورغم أنه عانى كثيرا بسببهم، فإنه تمكن من إزالتهم، كما تم طرد أولئك الذين ارتبطوا بالدنيا وكانوا يلعبون بالأحزاب السياسية”.
وأضاف: “لقد فشل الأعداء في جميع مؤامراتهم ضد النظام الإيراني طوال هذه السنوات، ورغم ذلك لم يتوقفوا عن عدائهم، بل أصبحوا أكثر غضبا، اليوم، فشلوا في الإطاحة بالنظام ولم يتمكنوا من تقليل تأثير كلام الخميني وأثره في العالم، ولذلك يستخدمون إمبراطوريتهم الإعلامية للتغطية على إنجازات نظامنا وتضخيم نقاط ضعفه”.
وأردف: “نعم، نحن نعترف بوجود بعض النقاط الضعيفة والنواقص، لكن محاولات الأعداء تهدف إلى إبراز هذه القضايا لإحباط شعبنا، ولا يجب أن نسمح للمنافقين بالتسلل بين صفوفنا، علينا أن نكون يقظين، فبعض الأشخاص قد يحاولون النفوذ تحت شعارات منافقة أو حتى تحت شعار الثورة نفسها”.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحذر فيها إيجئي من الحرب النفسية، فخلال اجتماع السلطة القضائية الذي عقد 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال: “من الممكن أن تزداد المؤامرات في الأيام القادمة، وقد يسعى أعداء الوطن إلى تنفيذ أعمال داخل البلاد من خلال الأكاذيب والعمليات النفسية التي يمارسونها في المجتمع”.