كتب: محمد بركات
في إطار تأكيد العلاقات الاستراتيجية مع الحليف الإقليمي الأقوى، فقد التقى علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية، زونغ بي وو، السفير الصيني لدى إيران، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تبادل الطرفان وجهات النظر حول آخر المستجدات الإقليمية والدولية، وذلك وفقا لتقرير موقع خبر أونلاين الإيراني بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ووفقا للتقرير، فقد أكد ولايتي خلال اللقاء، مع الإشارة إلى الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة، أن وصول ترامب إلى السلطة لن يؤثر على السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية، خاصةً على العلاقات مع الصين.
كما شدد ولايتي على أهمية تعزيز وتوسيع العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مشيرا إلى أن إيران والصين تتمتعان بعلاقات طويلة الأمد، ثقافية وتاريخية، وثيقة وودية. وأضاف أن هذه العلاقات أثمرت إيجابيات كثيرة للطرفين، واليوم يواصلان العمل معا لإحياء هذا المسار من التعاون. وأكد أن تطوير العلاقات بين إيران والصين وروسيا في مختلف المجالات، بما في ذلك ضمن أطر مثل منظمة شنغهاي وبريكس، سيترك آثارا دائمة ومهمة على العلاقات المختلفة بين البلدين.
ومن جانبه، فقد أعرب السفير الصيني لدى إيران عن سروره بهذا اللقاء، وشكر الجمهورية الإيرانية على مواقفها، مؤكدا أهمية توسيع وتعزيز التعاون بين إيران والصين، مضيفا: “إن توسيع وتعزيز العلاقات مع إيران يُشكل أهمية كبيرة للصين، ولا ينبغي لنا السماح للأحداث التي تجري من حولنا بأن تؤثر على علاقاتنا”.
وأشار زونغ بي وو إلى أن العلاقات بين إيران والصين تقوم على الاحترام المتبادل، مضيفا أن قادة البلدين بذلوا جهودا كبيرة لتأسيس هذه العلاقات، وأن ولايتي من الشخصيات المؤثرة بشكل كبير في تطوير هذه العلاقات وتعزيزها.
لماذا تتمسك إيران بالصين حليفا استراتيجيا لها؟
تمتلك إيران مع حليفتها الصين واحدة من أقوى علاقات الشراكة الدبلوماسية والاقتصادية على مستوى العالم، علاقات ربما لا تتمتع بها إيران مع باقي الدول الغربية، مما يثير التساؤل عن سبب إصرار طهران على الحفاظ على مثل هذا المستوى من العلاقات مع الصين، ورغم وجهات النظر الكثيرة بخصوص ذلك فإن الأسباب تبدو واضحة، فمحاولة تكييف إيران مع حقائق النظام الدولي المستقبلي تفرض عليها مثل ذلك النوع من العلاقات مع قوى كالصين، فمن الجانب الاقتصادي، فقد شهدت الصين منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين ثورة خطابية على المستوى الكلي، حيث أعادت تعريف سياستها الخارجية بتركيز خاص على القضايا الاقتصادية، وبنهج عملي، تلك السياسة التي ما زالت مستمرة، جعلت الصين واحدة من القوى العالمية الأولى، لا سيما في المجال الاقتصادي، وذلك وفقا لتقرير موقع ألف للتحليلات السياسية المنشور في 16 فبراير/شباط 2023.
فوفقا للتقرير، حاليا، تُعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وهي لاعب رئيسي في مجالات التكنولوجيا والتجارة الدولية. وفي غضون فترة قصيرة، استطاعت أن تصبح فاعلا دوليا يحظى بالاحترام، فعلى سبيل المثال، في عام 2000، كانت علاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا محدودة، لكنها خلال تسع سنوات فقط أصبحت الشريك التجاري الأول للقارة، متجاوزةً منافسيها الغربيين. كما أظهرت الصين هذا النمط في مجالات أخرى، مثل تحقيق فائض تجاري إيجابي في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ويعتقد العديد من المحللين ومراكز الفكر أن الصين إذا استمرت في صعودها ضمن النظام الدولي الحالي، فإنها ستصبح قريبا القوة الاقتصادية الأولى عالميا، مع تأثير كبير في المجالات السياسية والعسكرية والتكنولوجية، الأمر الذي سيصب في مصلحة إيران في الأخير؛ لكونها أحد أهم حلفاؤها في الشرق الأوسط.
كذلك فإن صعود الصين يتزامن مع صعود قوى أخرى ناشئة، ما يُبرز احتمال تغيّر ممرات القوة عالميا وإعادة تعريف النظام الدولي باتجاه غير غربي. وفي هذا السياق، يُعد تكيف إيران مع هذه التحولات ضرورة استراتيجية. هذه الديناميكية تتيح لإيران دورا فاعلا في تشكيل واقع النظام الدولي القادم. فإيران، كقوة إقليمية ذات تأثير دولي، تجد في تطوير تعاونها مع الصين ليس خيارا، بل ضرورة استراتيجية.
أيضا، فهناك فوائد كثيرة من وراء هذا التحالف، منها أن الصين، بسوقها الواسع وعدد السكان الضخم، توفر فرصا تجارية واستثمارية هائلة، كما أن الصين تتمتع بالقوة العسكرية والتكنولوجية؛ لكونها قوة عظمى متعددة الأبعاد، كذلك فإن موقع الصين الاستراتيجي من إيران يعزز التعاون الإقليمي، كما يتيح مقعد الصين في مجلس الأمن صوتا دبلوماسيا داعما لإيران.
ووفقا للتقرير، فإن تلك الشراكة تظهر في أقوى صورها في ظل الضغوط الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تهدف إلى عزل إيران دوليا. ذلك الضغط الذي حرم إيران حتى من بيع نفطها بشكل حر وبدون وجود طرف ثالث، فالشراكة الاستراتيجية مع الصين تضمن جذب الاستثمارات الأجنبية، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز أسس القوة العسكرية.
حجم التعاون الاقتصادي والسياسي بين الصين وإيران:
كان من الطبيعي أن ينتج عن تلك الشركة الاستراتيجية القوية تعاون اقتصادي وسياسي ضخم، فعلى المستوى الاقتصادي، تعتبر الصين اليوم أكبر مستورد للنفط في العالم، كذلك إيران تُعد واحدة من أهم الدول المصدرة للنفط والغاز، ورغم العقوبات الغربية المفروضة على إيران، فقد استمرت الصين في شراء النفط الإيراني، مما جعلها الشريك التجاري الأكبر لإيران على مدى العقدين الماضيين. هذا التعاون النفطي يُشكل حجر الزاوية في العلاقة الاقتصادية بين البلدين، حيث توفر إيران للصين إمدادات طاقة مستقرة، بينما تمنح الصين لإيران موردا أساسيا للعملات الأجنبية، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء مهر الصادر بتاريخ 26 يوليو/تموز 2024.
كذلك يلعب مشروع الحزام والطريق الصيني، وهو الطريق الذي يربط الصين بإيران وتركيا وصولا إلى دول الخليج العربي، دورا محوريا في تعزيز التحالف الاقتصادي مع إيران، فالموقع الجغرافي لإيران يجعلها جسرا بين شرق آسيا وأوروبا، ما يُمكن الصين من تحقيق هدفها الاستراتيجي بربط الأسواق العالمية بشبكة تجارية وبنية تحتية متطورة. وقد أدى هذا إلى استثمارات صينية ضخمة في تطوير الموانئ والطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية في إيران، وضمن ذلك مشروع تطوير ميناء تشابهار الذي يُعد بوابة إيران الرئيسية نحو المحيط الهندي، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء إيرنا الإخبارية بتاريخ 15 فبراير/شباط 2023.
وفي عام 2021، وقّعت الصين وإيران اتفاقية تعاون استراتيجي تمتد لمدة 25 عاما، تشمل استثمارات صينية بقيمة تصل إلى 400 مليار دولار في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا. هذه الاتفاقية تُجسد الالتزام المتبادل بين الطرفين بتعميق التعاون الاقتصادي وتعزيز التنمية المستدامة. ومن المتوقع أن تسهم هذه الاستثمارات في تحديث البنية التحتية الإيرانية وتطوير صناعاتها، بما يُساعد إيران على مواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات، وذلك وفقا لتقرير موقع اتاق إيران أونلاين الصادر بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024.
علاوة على التعاون في مجال الطاقة، تُعتبر الصين أكبر سوق للصادرات الإيرانية غير النفطية، وضمن ذلك البتروكيماويات والمعادن. في المقابل، تُعد إيران مستوردا رئيسيا للسلع الصينية، مثل الآلات، والإلكترونيات، ومنتجات التكنولوجيا المتقدمة، وذلك في ظل العقوبات التي يفرضها تحالف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران، وفقا لتقرير وكالة ايسنا الإخبارية المنشور في 27 أغسطس/آب 2024.
أما على الصعيد السياسي، فيتلاقى الطرفان في رفضهما للهيمنة الغربية على النظام الدولي، حيث تتبنى كل من إيران والصين رؤى مشتركة تسعى لإعادة هيكلة النظام العالمي، فإيران، والتي تواجه ضغوطا غربية متزايدة بسبب سياساتها الإقليمية وبرنامجها النووي، ترى في الصين حليفا قويا يمكنه تقديم الدعم في المحافل الدولية، وضمن ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تمتلك الصين حق النقض على قرارات المجلس، وذلك وفقا لتقرير موقع راديو فردا الإخباري بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني 2022.
ووفقا للتقرير، فمن جهتها، تستفيد الصين من علاقتها مع إيران لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، وهي منطقة حيوية تستقطب اهتمام القوى العالمية بسبب موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية، حيث تظهر الصين نهجا قائما على المصلحة المتبادلة في سياستها الخارجية تجاه إيران، إذ توازن بين علاقاتها مع طهران ومصالحها مع دول أخرى في المنطقة، مما يجعلها لاعبا مؤثرا في رسم ملامح السياسة الإقليمية.