حوار: مصطفى أفضل زادة مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: يسرا شمندي
منذ تصاعد الأحداث في سوريا وصولاً لسقط نظام بشار الأسد على يد فصائل المعارضة السورية، نشرت وسائل إعلام دولية تقارير عدة تزعم أن تركيا وإسرائيل تسعيان لتطوير نهج مشترك في سوريا قد يؤدي بشكل غير رسمي إلى تعاون عسكري.
حول ذلك التحالف المحتمل، أجرى “زاد إيران” مقابلة مع المستشار الخاص لرئيس مجمع المستشارين بالبرلمان الإيراني مهدي خورسند.
أفاد موقع “والا” قبل أسبوعين تقريبا بأن رئيس جهاز المخابرات والأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” رونين بار، قام برحلة سرية إلى تركيا والتقى مع رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين..
هل ترى علاقة بين تركيا وإسرائيل في حرب غزة؟ هل من الممكن أن يكون هذا الاجتماع الاستخباراتي هدفه الهجوم الأخير على سوريا؟
لا يمكن أن يكون ذلك هباء، فتركيا حاولت خلال السنوات الماضية تأمين احتياجات النظام الإسرائيلي من الطاقة بشكل مباشر أو غير مباشر، كما حاولت تركيا أن تكون ممرًا آمنًا للنظام الإسرائيلي فيما يتعلق بالتبادلات الإقليمية وعدم السماح بأي وقف لاحتياجات إسرائيل.
وكانت إسرائيل تستخدم دائما جغرافية تركيا للوصول إلى موارد المياه والطاقة والسلع، ونتيجة لذلك، تعاونت تركيا مع النظام الإسرائيلي في القضايا المتعلقة بالسلع والتكنولوجيا.
وفي البداية، كانت هناك مشكلات بين إسرائيل وتركيا في بعض مواقفهمها في منطقة غرب آسيا، ومع انتصار الثورة الإيرانية، وبناءً على استراتيجية الأمن لـ”بن غوريون” للنظام الإسرائيلي، أصبحت تركيا بديلًا عن إيران، ووفقًا لهذه الاستراتيجية الأمنية، تسعى إسرائيل إلى إقامة شراكات مع دول مسلمة غير عربية.
وفي هذا السياق التاريخي عند انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، اتخذت إيران نهجًا معاديًا للإسرائيليين، مما دفع إسرائيل إلى تقوية علاقاتها مع تركيا واستخدامها كبديل لإيران، لتؤكد وجود حلفاء لها في العالم الإسلامي، وتُعدّ منطقة غرب آسيا عمقًا استراتيجيًا لإيران، وفي المقابل، تستفيد تركيا من مصالحها الكبيرة في المنطقة، خاصة بعد تعرضها لأضرار كبيرة من شمال العراق والأكراد، وتعمل على تأسيس دورها كلاعب رئيسي في غرب آسيا.
كما تواجه تركيا تحديات إقليمية قوية مع إيران والسعودية، كما تواجه تحديات بارزة مع بعض القوى في العالم الإسلامي، ورغم محاولاتها الحفاظ على مكانتها، تُظهر علاقات تحالفية عميقة مع إسرائيل، وعلى مدار السنوات، عملت تركيا على تلبية احتياجات إسرائيل، دون وجود أي تعارض مع المصالح المشتركة في منطقة غرب آسيا وغيرها من المناطق، مما يعكس توجهات استراتيجية في سياق التحولات الإقليمية والدولية.
وبالطبع، في العقد الماضي، فشلت استراتيجيات تركيا في منطقة غرب آسيا وأوراسيا في مواجهة الخطط الإيرانية، على سبيل المثال، تعرضت للهزيمة في حرب القوقاز عام 2020 وفشلت في إنشاء ممر زانغزور، كذلك، في حربها ضد داعش والجماعات الإرهابية، دعمت تركيا مجموعتي “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، بينما نجحت إيران بدعم روسي في السيطرة على المنطقة.
فمن ناحية لاقت تركيا هزائم كبيرة من إيران، ولذلك سعت لإدراك هذا الخلل، ومن ناحية أخرى لديها أهداف مشتركة مع النظام الإسرائيلي، هذه المصالح المشتركة أدت إلى توافق كامل بينهما ووسعت التعاون بينهما، وتجدر الإشارة إلى أن نقطة التقاطع بين تركيا وإسرائيل كانت في سوريا بين عامي 2016 و2019، وكذلك في منطقة جنوب القوقاز، وفشلا في كلا الموقفين.
وتسعى كل من تركيا وإسرائيل، في الوقت الحالي، إلى قطع الإمداد الإيراني مع لبنان وحزب الله في سوريا. سوريا هي الأرض التي تُمكن إيران من الوصول إلى حزب الله، وهي نقطة الصفر على الحدود مع إسرائيل، وإذا تم تقييد إيران في تلك المنطقة، فسيكون ذلك تقليصًا لعمقها الاستراتيجي، وسيشكل أيضًا هزيمة إقليمية لإيران، وتهدف تركيا وإسرائيل إلى فصل الذراع الاستراتيجي الرئيسي لإيران في المنطقة، وهو حزب الله، وخلق مسافة جغرافية بينهما.
وهذه الأمور تعتبر شواهد قوية يمكن الاعتماد عليها كأدلة تثبت التعاون بين تركيا وإسرائيل، وبالتأكيد هناك أدلة أخرى على ذلك، فالعديد من الأسرى الإرهابيين الذين تم القبض عليهم من قبل جيش النظام السوري اعترفوا بدعم تركيا لهم، كما أن حدود تركيا مع سوريا كانت خلال السنوات الماضية، ملاذًا لجماعات إرهابية مثل أحرار الشام وجبهة النصرة خلال حربها ضد داعش.
وقد صرح روبرت ف. كينيدي جونيور، ابن شقيق الرئيس الأمريكي الأسبق جون ف. كينيدي، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بأن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة دونالد ترامب، يفضل سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا وتجنب استخدامها “حطبا للنار” في حال حدوث مواجهة بين تركيا والميليشيات الكردية، فهل من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة على علم بالهجوم التركي على سوريا، وأن تكون هذه العملية جزءًا من خطة أمريكية-إسرائيلية بدعم من تركيا؟
وبصراحة، لا يمكن الجزم بأن الولايات المتحدة كانت على علم أم لا، مع النظر إلى ما يطرحه روبرت كينيدي، وأرى أن تركيا تسعى من خلال قدوم ترامب إلى الحكم إلى إظهار ولائها للإدارة الأمريكية الجديدة، وإبراز دورها في منطقة غرب آسيا، وتهدف من ذلك إلى التأكيد على أنها قادرة على التورط في سوريا ولبنان متى أرادت، وكل ذلك من أجل ضمان دور أكبر لها في الولاية الثانية لترامب.
وقد أخرجت القوات الأمريكية قواتها من منطقة شمال سوريا، وتصريحات روبرت كينيدي تؤكد ذلك، فالولايات المتحدة لا تستطيع تحمل هذا الفراغ، وتخطط للاستفادة من اللاعبين الإقليميين، وفي هذا السياق، تسعى تركيا إلى إظهار موقفها بوضوح؛ إذا كان بإمكان إيران دعم جماعات مثل حزب الله وأنصار الله، فإن تركيا أيضًا لها الجماعات المتشددة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام التي بإمكانها زعزعة الاستقرار الإقليمي متى شاءت وتغيير المعادلات في المنطقة، هذه الظروف تجعل تركيا لاعبًا نشطًا في المنطقة، وتسعى من خلالها إلى الحصول على دور ونصيب من الولايات المتحدة للقيام بدور الجندي الأمريكي في غرب آسيا، وتُظهر تركيا طموحها بأنها من خلال تقاربها مع أمريكا وإسرائيل، يمكنها مواجهة إيران ومشاريعها ومصالحها في المنطقة.
وبالنظر إلى المستجدات الإقليمية، فقد تعرضت تركيا على مدار السنوات الماضية لعدد كبير من الهزائم الاستراتيجية نتيجة مواجهتها مع إيران. يبدو أن تركيا اتبعت سياسة الصراع مع إيران وكانت النتيجة التي حصلت عليها صفر. ورغم أن العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإيران تبدو شبه طبيعية. ولكن من ناحية المصالح الاستراتيجية وقضية أمن المنطقة خاصة في الجانب الاقتصادي، فما يعتبره الأتراك منافسة مع إيران هو في الحقيقة لعبة خاسرة.
كيف تُقيّمون طبيعة العلاقات بين تركيا وإسرائيل؟
تسعى تركيا، من خلال ملاحظة اضطرار إسرائيل لقبول الهدنة، إلى فرض اتفاق جديد في سوريا يتيح لها الاستفادة من الدور الأمريكي وتطوير قدراتها لمواجهة خطط إيران، من جهة أخرى، كما تواجه تركيا تحديات مع الأكراد في شمال العراق وشمال سوريا، ولا تزال غير واضحة بشأن علاقتها بهذه المجموعة العرقية.
وبناءً عليه، فإن أحد الأهداف التي تسعى تركيا لتحقيقها من وراء التطورات الحالية هو موضوع وجود الأكراد في سوريا.
كما تهدف تركيا إلى زيادة نفوذها وتقدمها العسكري لتعزيز دورها في سوريا، وهي منطقة تُعتبر ذات أهمية استراتيجية كبيرة لكل من إيران وروسيا. من ناحية أخرى، هناك “مسار أستانة”، وهو مسار دبلوماسي معقد.
ومن الهزائم التي مُنيت بها تركيا على يد إيران، بقاء بشار الأسد في السلطة، إذ كانت تركيا ترفض بقاءه، وحينما كان الرئيس السوري بشار الأسد أقوى وعاد إلى التفاعل مع بعض دول الخليج العربي، زادت معاناة تركيا.
وعلى الرغم من كل هذه التكاليف، لم تحقق تركيا أيًا من أهدافها الإقليمية، وهذا ما يدفعها إلى السعي للحصول على دور ونفوذ من التحركات الإقليمية الأمريكية والإسرائيلية، لتتمكن من مواجهة إحباطات التاريخية أمام إيران وروسيا، من ناحية أخرى، أصبحت إيران وروسيا اللاعبين الرئيسيين في معادلات منطقة غرب آسيا، بينما تسعى تركيا للعب دور أكبر في مسار أستانة ومفاوضاته.
وفي سياق التطورات الأخيرة، من المحتمل أن تكون إسرائيل، بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار مع لبنان، قد لعبت دورًا في تحفيز تركيا، هذا التحفيز قد جاء من خلال الاجتماع بين وزيري المخابرات والأمن في تركيا وإسرائيل، فقد تكون إسرائيل دفعت تركيا إلى زعزعة استقرار سوريا بهدف إبعاد التركيز عن إسرائيل، مما يسمح لها بإعادة ترتيب أوضاعها في الخفاء، ومع ذلك، ما زالت جرائم إسرائيل في غزة ولبنان مستمرة.