ترجمة: يسرا شمندي
قال علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، إن تيار المقاومة في الشرق الأوسط نشأ كرد فعل على العدوان الأمريكي والصهيوني، مع دعم إيران لهذه الحركات في لبنان واليمن والعراق. وأكد لاريجاني أهمية التعاون بين إيران وروسيا وسوريا لمكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن تصرفات الحكومة السورية ستكون حاسمة في تحديد مستقبل العلاقات مع إيران وأمن المنطقة.
وفقا لتقرير نشرته وكالة خبر أونلاين بتاريخ 2 يناير/كانون الثاني 2025، قال مستشار المرشد الأعلى، علي لاريجاني، خلال مشاركته في برنامج “الحديث الخاص”، إن الجنرال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، كان يمتلك خصالا عديدة شكلت شخصيته الجذابة. وأضاف قائلا: “كان قائدا ذكيا جدا، وشجاعا، وبطلا في المهام العسكرية لخدمة إيران والإسلام، إضافة إلى ذلك، كان يمتلك حساسية عالية تجاه القضايا السياسية والثورة الإسلامية ويتابعها بذكاء شديد”، وتابع: “كان شخصا مثقفا للغاية ويعشق القراءة، وهو ما يعد نادرا بين من يباشرون الأعمال التنفيذية، وكان يتمتع بقدرة كبيرة على تحديد وقت اتخاذ القرارات، وكانت الأحداث متوقعة بالنسبة له”.
وأكد لاريجاني في جزء آخر من تصريحاته: “لم نقم بإنشاء تيار المقاومة، بل كان هناك سبب في المنطقة دفع إلى نشوء هذا التيار، وقد دعمت إيران هذا التيار. فقد تم إنشاء حزب الله بسبب احتلال إسرائيل للبنان، حيث نشأ حراك مقاومة ضد الاحتلال في لبنان بواسطة شبابه”.
وفي ضوء ذلك أفاد لاريجاني بأن “سليماني وإيران قدما الدعم في الوقت الذي بدأت فيه هذه الحركات بالظهور، وينطبق الأمر ذاته على اليمن والعراق، حيث نشأ تيار المقاومة نتيجة للاحتلال. والجدير بالذكر أن تيار المقاومة هو نتاج الظلم الذي فرضته الولايات المتحدة وإسرائيل على المنطقة”. وأفصح قائلا: “إن حركة المقاومة في سوريا بدأت مع انتشار الحركات المسلحة في العراق وسوريا، وتجدر الإشارة إلى أن مغامرة الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى التي أنشأت جماعة تنظيم الدولة أسفرت عن فتنة وأدخلت هذه الجماعات في صراعات في ما بينها، مما أدى إلى تشويه صورة المسلمين وإشغالهم عن قضاياهم الأساسية”.
وصرًّح بأنه “عندما هاجمت الجماعات الإرهابية سوريا والعراق، واستولت على مدينة الموصل وغيرها من المدن، كان من الواجب على سوريا أن تدافع عن نفسها. والآن يتساءلون عن سبب ما حدث في سوريا، وهل كانت إجراءات إيران في سوريا صحيحة أم لا؟”.
وأوضح قائلا: “كنا نواجه مشكلة أمن قومي في مكافحة الإرهاب، فإذا نظرتم إلى أهم شعارات هذه الجماعات، لوجدتم أنها كانت موجهة ضد إيران، وهذه المشكلة كانت موجودة أيضا في سوريا والعراق، وإلى حد ما في روسيا. وعندما تكون القضية مرتبطة بالأمن القومي لعدة دول، على الرغم من اختلافاتنا في مواضيع مختلفة، على سبيل المثال، لدينا خلافات مع روسيا في بعض النقاط، وهم يقيمون علاقات وثيقة مع إسرائيل بينما نختلف معهم في هذا الصدد، وكذلك الحكومة العراقية، التي تربطنا بها علاقات قوية، إلا أنهم يتعاملون مع أمريكا بطريقة مختلفة عما نفعله نحن”.
كما ذكر لاريجاني: “في ما يتعلق ببنية سوريا، لم نكن نتفق تماما على الرؤية نفسها، لكن هل من المنطقي في قضية تتعلق بالأمن القومي أن تتعاون الدول التي لديها قلق مشترك؟ أو أن نقول لا يجب علينا التعاون هنا، لأنه توجد اختلافات في مسائل أخرى؟ من الحكمة أن ندمج قوتنا، وعلى الأقل نتعاون في مكافحة الإرهاب، وما حدث هو أننا تعاونّا مع روسيا وسوريا والعراق في هذه المسألة، وكانت المصالح وطنية لجميع الدول المعنية، ولم تقتصر على دولة واحدة فقط”.
وأفاد بأنه “لو كانت كل دولة من هذه الدول تعمل بشكل منفصل، لما كنا قد حققنا النجاح نفسه، وكانت العملية ستصبح أكثر تكلفة، فعندما تعاونّا، تحمّلنا التكلفة معا وحققنا نتائج أفضل. القوة التي قدمناها كانت أكبر من تلك التي قدمها العراق وسوريا، ولكن هذا لا يعني أن هذه الحكومات كانت متوافقة في جميع النواحي. لم نكن متوافقين في تلك الفترة، ونحن أيضا لا نتفق في جميع الأمور الآن”.
وفي هذا الصدد أكد أنه “خلال هذه الفترة، تمكنّا من طرد الإرهاب بالتنسيق مع هذه الدول، لدرجة أن الأشخاص الذين كانوا أعضاء في جبهة النصرة بدأوا في سوريا يقولون الآن إنهم يتبعون نهجا سلميا مع الجميع ولن يعودوا إلى التصرفات السابقة. هذه مسألة في غاية الأهمية. كلما استثمرنا في هذه القضية، جنينا الفوائد المطلوبة”.
وأوضح أنه “كان بإمكانهم أن يخلقوا لنا مشكلة في الأمن القومي، وعلى الرغم من أننا كنا حذرين وقمنا بالقضاء عليهم، فإن هناك غفلة صغيرة تسببت في هجومهم على مرقد الإمام أو على البرلمان واحتفال الذكرى السنوية لاستشهاد سليماني”.
وفي هذا الإطار أجاب لاريجاني عن سؤال حول ما إذا كانت الظروف الحالية في سوريا تشكل تهديدا للمصالح الوطنية لإيران والدول المذكورة الأخرى، قائلا: “ذلك يعتمد على تصرفات حكامهم. التصريحات التي يطلقونها الآن تشير إلى أنهم يحاولون إلى حد كبيرٍ تصحيح ماضيهم، لا أقول إن علينا تصديق هذه التصريحات، ولكن ما يظهرونه هو أنهم لا يريدون التصرف كما فعلوا في الماضي. ومع ذلك، يجب علينا الانتظار لنرى أفعالهم”.
وأخبر بأن “سكوتهم أمام نفوذ وسيطرة إسرائيل على أجزاء من أراضيهم كان خطأً كبيرا سيضرهم في المستقبل، فضلا عن فرض الولايات المتحدة نفوذها والمشاكل الناتجة عن سيطرة تركيا على بعض المناطق، وأضاف موضحا أن “بعض تصريحاتهم في هذا السياق تجاه إسرائيل ليست عميقة، ومن الواضح أن لديهم مشكلات، كما أن هناك من يقول إنهم تعاونوا خلف الكواليس. وفي السابق، كانت جبهة النصرة تنسق مع إسرائيل، لكنهم الآن ينكرون ذلك. وأكمل علي لاريجاني حديثه مؤكدا: “إذا تصرف الحكام الجدد في سوريا بعقلانية، وحافظوا على وحدة الأراضي السورية وتعاملوا بسلام مع مختلف الطوائف والأعراق، فلن يمثلوا تهديدا لنا، ولكن إذا تصرفوا بطريقة مختلفة، فقد يصبحون تهديدا”.
وفي السياق نفسه أشار لاريجاني إلى أن سوريا كانت تعاني من مشاكل داخلية لم تُعالج في وقتها المناسب، مفسرا بأن “الحادث الذي وقع هناك كان نتيجة لمجموعة من القضايا المختلفة، وبالطبع، إسرائيل وأمريكا خلقتا تحديات لسوريا، إضافة إلى دول أخرى في المنطقة، وفي النهاية، كان ينبغي إدارة الوضع بطريقة تتيح التحكم فيه، لكنها لم تنجح في ذلك”. وأكد: “بالطبع، هذه مسألة منفصلة ولا تخصنا، لكن في القضية التي تدخلنا فيها، كان هدفنا هو القضاء على الإرهاب، وقد حققنا نجاحا كبيرا في هذا الصدد وتمكنا من إنهاء الإرهاب، ومع ذلك تبقى بعض العناصر منهم، واليوم يعلنون تغيير مواقفهم وسلوكهم مقارنة بالماضي، أما القضايا الأخرى فهي تتعلق بالشؤون الداخلية لذلك البلد، فكل دولة تواجه قضاياها الداخلية”.
وفي رده على سؤال حول وجوده في الأيام الأخيرة من حكم بشار الأسد بسوريا، أفاد لاريجانيد بأن “الرسالة المعلنة تضمنت عدة قضايا، لقد كنا نراقب دائما الوضع في سوريا، وقد تم تقييمه، لكن العمل بهذه السرعة ربما لم يكن دقيقا تماما. كما أن التقييم كان يشير إلى أن الوضع كان في حالة تغيير، والسؤال كان يتعلق بكيفية ترتيب الأمور وكيف ينبغي حل القضايا”.
وقال لاريجاني: “على سبيل المثال، منذ سبع أو ثماني سنوات، كان موضوع التعامل مع الأكراد يشكل قضية هامة، وكان من الضروري أن تتبنى الحكومة أسلوبا أكثر دقة واعتدالا في التعامل معهم، دون التشدد بشكل مفرط. وقد لفتّ انتباه المسؤولين السوريين إلى هذه النقطة مرتين أو ثلاث مرات، حيث أكدت أهمية إعطاء الأقليات فرصا متساوية. إلا أنه في سوريا كانت هناك آراء وتوجهات مختلفة في هذا الشأن، وكان من غير الممكن لنا التدخل في تلك القضايا؛ نظرا إلى أنها لم تكن جزءا من خططنا، وقد كانت لدينا مشاريع مشتركة مع سوريا، كما كان الحال مع العراق، ولكن لم نتوصل إلى توافق كامل في جميع النقاط”.
وفي سياق متصل شرح لاريجاني قائلا: “إن المقابلات التي تُجرى في سوريا بالوقت الحالي تميل أكثر إلى أن تكون ذات طابع سياسي؛ فالمجتمع السوري مجتمع مضطرب، حيث تم تقسيم أراضيه بين دول مختلفة، وهناك قوى من الجهة المقابلة من العالم تسيطر على موارده النفطية، والوضع هناك ليس طبيعيا؛ ففي سوريا توجد مجموعات وأقليات متنوعة تطالب بحقوقها وتعبّر عن مواقفها”.
وأضاف مؤكدا: “[تعاملنا مع النظام الحاكم في سوريا] يعتمد على سلوكهم. إذا تصرفوا بحكمة، فلن يكون لدينا أي مشكلة معهم؛ إذا قالوا إننا سندافع عن وحدة الأراضي السورية ونسعى لمنح حقوق الجميع وإنشاء هيكل ديمقراطي، فإننا سندعمهم”.
وتساءل لاريجاني: “هل سيطبقون هذه الأقوال إلى أفعال؟ نأمل من الله أن يكون هناك بلد إسلامي ديمقراطي يدافع عن نفسه ضد إسرائيل، ولكن إذا كان مظهرهم شيئا وما فيهم شيء آخر، فهذه مسألة أخرى”. وفي جزء آخر من حديثه سلط الضوء على وضع الشعب السوري قائلا: “سوف يتعمق هذا الوعي، وسيتصدى لتلك التصرفات الظالمة”.
واختتمت الوكالة تقريرها بردّ لاريجاني حول ما إذا كان مستقبل سوريا سيكون ديمقراطيا، بأنه “من غير المرجح أن يحدث ذلك؛ فالحكام الحاليون في سوريا يتبعون سلوكا قاسيا تجاه الجماعات المختلفة، وتوجهاتهم السياسية متشابهة، بينما سلوكياتهم في المجتمع تتسم بالعنف. وإذا استمروا على هذا النهج، فمن غير المحتمل أن يتغير الوضع”.