كتب: محمد بركات
مرة أخرى، يعود لاريجاني للحديث في ملف المفاوضات والاتفاق النووي، ورغم أن ذلك الحديث ليس جديدا على واحد من مستشاري المرشد وأحد أهم رجال الساسة الإيرانية، إلا أن توقيته يشكل عامل مهما في ظل الترقب بين الإدارتين الأمريكية والإيرانية بشأن من يقوم بالخطوة الأولى في ملف المفاوضات.
فخلال لقاء صحفي مع وكالة أنباء دانشجو الإيرانية السبت 1 فبراير/ شباط 2025 بمناسبة الذكرى 46 للثورة الإيرانية، صرح على لاريجاني، مستشار قائد الثورة للشؤون الخارجية ورئيس البرلمان السابق لعدة دورات والرئيس الأسبق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ، معلقا على الملف النووي والمفاوضات حوله، قائلا ” إن القضية النووية جزء من حركتنا التنموية، لكنها ليست كل التنمية، لقد كنت شخصيا مفاوضا في الملف النووي، وأرى أن المسألة النووية تمثل جزءا من قدراتنا الوطنية، لكنها ليست كل شيء، يجب أن يعيش الناس حياة كريمة وتتحقق التنمية في شتى المجالات.”
تقييم الملف النووي لعام 2015
وحول الاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015، علق لاريجاني” لقد حافظ الاتفاق النووي على وجود المعرفة النووية، لكنه خفض عدد أجهزة الطرد المركزي من ٩٠٠٠ إلى ٥٠٠٠، لكن في المقابل، أتاح ذلك مساحة للعمل والجهد وتطوير القطاعات الأخرى في البلاد، وهذا أمر بالغ الأهمية، لهذا السبب، عارض الكيان الصهيوني الاتفاق ثم مارس ضغوطا حتى ينسحب ترامب منه، وكان ذلك الإجراء صحيحا من جهتهم بناء على التزامهم بموقفهم.”
وأضاف “إحدى المشكلات الرئيسية التي واجهناها كانت عدم التزام الأوروبيين بتعهداتهم، فالدول الأوروبية الثلاث التي تتفاوض الآن كانت قد تفاوضت سابقا مع روحاني، الرئيس الإيراني الأسبق، وأكدت على ضرورة قبول الاتفاق النووي، لكنها انتهكت التزاماتها. في ذلك الوقت، لم تكن لدينا تقنية نووية متقدمة، وكان علينا أن نصمد لفترة حتى تترسخ هذه التقنية.”
وتابع لاريجاني “خلال حرب الـ٣٣ يوما، وهي معارك وقعت في لبنان في 2006 بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، كنا في خضم المفاوضات، واستمرت المحادثات بالتزامن مع الحرب. وعندما قرر الأوروبيون إصدار قرار ضد إيران، قال لي خافيير سولانا، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الأسبق، إن ذلك ليس أمرا مهما، لكنه اعترف لاحقا بأنهم ارتكبوا خطأ، وهذا يُظهر أننا تمكنا من التقدم بسرعة في المجال النووي.”
وأوضح لاريجاني” اليوم، تجاوز البرنامج النووي الإيراني المرحلة الأولية، وأصبحنا نمتلك المعرفة النووية بأعلى مستوياتها، لقد شهدت قطاعات متعددة تطورا، والآن حان الوقت لاستخدام الدبلوماسية لتسهيل الأوضاع وتطوير بقية القطاعات في البلاد.”
مضيفا” إن الغرب يقول نحن نقبل بإيران النووية، طالما أنها لا تتجه نحو القنبلة، ولا مشكلة في ذلك، فنحن نمتلك هذا المستوى من التخصيب، ولا نسعى لصنع القنبلة النووية، فاقبلوا بشروطنا وتوصلوا إلى اتفاق”.
آليات التفاوض
وبشأن المفاوضات، أوضح لاريجاني “للتفاوض آلياته، ويجب أن تكون هناك مقترحات مدروسة ومحددة، ويجب أن يتم التفاوض في وقته المناسب وبكل دقة.”
وتابع: ” لطالما كانت إيران منفتحة على التفاوض، ولكني، لا أرى أن اتخاذ قرارات متسرعة في هذا المضمار أمر صائب، لا ينبغي أن يكون هناك اندفاع غير مبرر، فهذه القضايا يجب أن تُدار بهدوء ودقة وعلى المستويات المناسبة، ولكن إذا لم يكن هناك عرض للتفاوض، فعلامَ نتحدث؟”.
هل يصبح لاريجاني المفاوض القادم؟
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها لاريجاني عن المشروع النووي الإيراني وفكرة المفاوضات، ففي 21 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، صرح لاريجاني خلال حديث مع الموقع الرسمي لقائد الثورة على خامنئي والذي جاء عقب زيارته لسوريا ولبنان بوصفه نائب عن المرشد، صرح بأن الولايات المتحدة، حتى ولو لم تقبل بالاتفاق النووي، فبإمكانها التفاوض مع إيران بشأن اتفاق جديد، ما اعتبر حينها إمكانية لتغيير نهج إيران في السياسة الخارجية وعلاقاتها مع الغرب، وهو نهج قد يستمر مع تدخل مباشر من قبل لاريجاني نفسه.
جديرا بالذكر أنه وخلال الأسابيع الأولى بعد فوز مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، بالانتخابات الرئاسية في يوليو/ تموز 2024، توقع الخبراء أن يتولى لاريجاني منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في الحكومة، لكن ذلك لم يحدث، أما في الوقت الحالي، فهناك تكهنات واسعة منذ فترة طويلة حول احتمال تعيينه أمينا لمجلس الأمن القومي الأعلى.
وعلى الرغم من أن لاريجاني نفسه قد صرّح في مقابلة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أن الأخبار المتداولة بشأن احتمال تعيينه أمينا للمجلس ليس سوى تكهنات إعلامية، إلا أن العديد من المراقبين يعتقدون أنه، ونظرا لمواقفه المتقاربة مع كل من الحكومة والنظام، فضلا عن خبرته السابقة لمدة عامين كأمين لمجلس الأمن القومي الأعلى، ونهجه الواقعي والمعتدل في السياسة الخارجية، فمن المحتمل أنه، حتى لو لم يُعيَّن رسميا في منصب محدد، سيظل شخصية مؤثرة في مجال السياسة الخارجية والداخلية، إلى جانب الحكومة والنظام.
وفي قراءة لتصريحاته الأخيرة صرح منصور حقيقت بور، الناشط السياسي المقرب من لاريجاني والبرلمان السابق، خلال حوار مع صحيفة شرق الإثنين 3 فبراير/ شباط 2025، بأن لاريجاني يسعى إلى تحقيق توازن سياسي، بمعنى أنه لا يؤيد إغلاق باب المفاوضات، لكنه في الوقت ذاته لا يرى الاستعجال في التفاوض أمرا صائبا.
كذلك، فقد رفض هذا الدبلوماسي السابق أية مزاعم بوجود استقطاب حاد في إيران بشأن موضوع المفاوضات مع الغرب، موضحا أن بعض التجمعات الصغيرة المعارضة للتفاوض، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم مرتدي الأكفان لا تمثل موقف النظام الرسمي، مضيفا أن هؤلاء لا يمثلون الدولة، وأنه ينبغي تحليل خلفياتهم لمعرفة من يدعمهم ومن يقف وراءهم داخليًا أو خارجيًا.
كما أكد حقيقت بور أن موقف النظام هو الفيصل في مسألة المفاوضات، فإذا قررت الدولة أن الحوار ضروري للخروج من الوضع الحالي، فإن أي شخص يعارض ذلك سيعتبر خائنا، وبالمثل، إذا لم تكن هناك نية للمفاوضات، فإن أي محاولة فردية للتفاوض مع الغرب تعد خيانة أيضا، فإي قرار بالتفاوض يجب أن يتم وفق إجراءات محددة، حيث يجب أن يقدم الطرف الآخر طلبا رسميا للمفاوضات، ليتم مراجعته في المجلس الأعلى للأمن القومي، ثم يُعرض على المرشد الأعلى للموافقة عليه، قبل الدخول في أي محادثات.
وفيما يتعلق بدور لاريجاني، أشار حقيقت بور إلى أن لاريجاني شخصية مناسبة جدا لقيادة أي مفاوضات محتملة، لكنه جندي في خدمة النظام على حد تعبيره، وسيلتزم بأي قرار يُتخذ، مضيفا أنه إذا لم يكن هناك قرار رسمي بالتفاوض، فلن يشارك لاريجاني في أي محادثات.
من جانبه، وصف غلام علي جعفر زاده، الناشط السياسي، خلال لقاء مع صحيفة شرق الإثنين 3 فبراير/ شباط 2025، لاريجاني بأنه شخص معتدل ومتوازن، وصرح ” إن أمثال الدكتور لاريجاني هم من أظهروا ولاءهم للنظام والثورة على مدار السنوات والعقود الماضية، وأثبتوا أنهم يمتلكون القدرة والمعرفة والخبرة اللازمة لحل القضايا والأزمات في البلاد.”
وأشار جعفر زاده في مجمل حديثه إلى أن تصريحات لاريجاني تعكس نظرة متوازنة ترتكز على حماية المصالح والأمن الوطني، وأن لاريجاني في هذه التصريحات قد أكد ضرورة الابتعاد عن الإفراط والتفريط في السياسة الداخلية والخارجية، مضيفا أن تقييم لاريجاني لقضايا مثل الملف النووي، والتفاوض مع أمريكا، والتعامل مع أوروبا، وعلاقات إيران مع الشرق، يظهر إلمامه العميق والدقيق بالمسائل السياسية الخارجية.
كما أبدى جعفر زاده أمله في عودة العقلانية والمنطق، ومنح الفرصة للاستفادة من شخصيات مثل لاريجاني، حسن روحاني، علي أكبر ناطق نوري، إسحاق جهانجيري، وغيرهم، لإدارة الوضع الراهن الحرج في إيران. وأشار إلى أنه لا ينبغي إفراغ الساحة السياسية من كبار الشخصيات حتى لا يتم تمكين السياسيين المتطرفين.
كما ذكر أن لاريجاني لا يتبع سياسة التسرع في المفاوضات أو التحركات السياسية، وأن لاريجاني يمتلك القدرة على إعادة الاعتدال إلى الساحة السياسية في إيران.
وفيما يتعلق بما إذا كانت تصريحات لاريجاني تعزز التكهنات حول تعيينه في منصب كبير، مثل أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي أو مسؤول عن المفاوضات، قال جعفر زاده إن لاريجاني لا يسعى إلى منصب، ولكنه اعتبره الخيار الأمثل إذا كان النظام الإيراني قد قرر خوض المفاوضات، وذلك بناء على خبرته ومعرفته العميقة.