كتب: سيد نيما موسوي
ترجمة: أسماء رشوان
يعكس السلوك السياسي لكل من أحمد الشرع ووزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، احتمالية أن مستقبل سوريا سيتشكل من خلال التعاون بين السعودية وتركيا. يبدو أن تركيا ستوطد علاقتها بالولايات المتحدة أكثر في عهد ترامب مقارنة بعهد بايدن، مستغلةً هذا التقارب لتعزيز مستقبل سوريا فى هذا التحالف الاستراتيجي مع السعودية، ويعود هذا التعاون إلى تراجع أردوغان عن ملاحقة قضية خاشقجي خلال السنوات الأخيرة.
بطبيعة الحال، سيكون لهذه التحالفات تأثير مباشر على ملامح الشرق الأوسط خلال فترة حكم ترامب. كما أن التعاون التركي-السعودي لن يقتصر على مجال واحد، بل عدة مجالات مثل الطاقة والنقل والقطاع العسكري، مما يؤثر بشكل كبير على مستقبل كل من لبنان والعراق وسوريا.
في قطاع الطاقة، تبدو السعودية مستعدة للعب دور رئيسي بعد سقوط بشار الأسد، إذ قد تصبح نقطة انطلاق لخط الغاز القطري إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. هذا الخط، الذي كان مخططا له منذ عقدين، سيكون منافسا بارزا للغاز الروسي والإسرائيلي في السوق الأوروبية.
وفي الوقت نفسه، تستعد تركيا لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للغاز، حيث تمر عبر أراضيها إمدادات الغاز القادمة من كازاخستان، وأذربيجان، وكردستان العراق وإيران وروسيا (عبر مشروع ترك ستريم)، مما يجعلها واحدة من أهم مراكز توزيع الغاز في العالم.
ومن بين أهداف أردوغان في إنشاء ممر زنغزور (على الحدود بين أرمينيا وإيران) ومحاولاته للإطاحة ببشار الأسد هو ترسيخ مكانة تركيا كمحور رئيسي للغاز في غرب آسيا. في هذا الصدد، يظهر التعاون بين مصر وتركيا في تصدير الغاز المصري كجزء من هذا المخطط لتعزيز نفوذ تركيا في سوق الطاقة العالمي.
أما عن مجال النقل، تسعى تركيا إلى إحياء طريق التجارة التاريخي الذي يربط الأناضول بالحجاز “تركيا بالجزيرة العربية”. وقد أكد وزير النقل التركي، أورال أوغلو، مؤخرا، العمل على إعادة تشغيل خط السكك الحديدية الممتد من الأراضي التركية إلى السعودية. يعود هذا الخط إلى الحقبة العثمانية، حيث تم بناؤه بدعم ألماني خلال عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
إلا أن هذا المشروع قد تعرض للتوقف بعد الحرب العالمية الأولى، خاصة في ظل اتفاقية سايكس بيكو التي أدت إلى تفكك الإمبراطورية العثمانية وظهور دول أصغر في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، فقد الخط أهميته تدريجيا ولم يعد قادرا على العمل كسابق عهده. وبحلول سبعينيات القرن الماضي، تم التخلي عن الخط تماما.
وفي المجال العسكري، من المتوقع أن يشهد التعاون العسكري بين السعودية وتركيا تطورا ملحوظا في المرحلة المقبلة. فقد برز هذا التعاون بشكل أكبر بعد زيارة رئيس أركان الجيش السعودي، فياض الرويلي، لتركيا، وتوقيع عقود لشراء مسيّرات تركية من طراز “بيرقدار”. كما تشير بعض التقارير إلى اهتمام الرياض بشراء مقاتلات الجيل الخامس التركية “قآن”، فمنذ زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتركيا في عام 2022، تصاعد الحديث عن توسيع التعاون العسكري بين البلدين. ويبدو أن مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد ستشهد انتقال هذا التعاون إلى مستوى أكثر استراتيجية.
بشكل عام، قد يؤدي إنشاء “ممر الشمال – الجنوب” إلى تعزيز الأهمية الجيوسياسية لتركيا في عهد ترامب، مما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستقبل العراق. وفي هذا السياق، من المتوقع تشكيل تحالف سياسي جديد يضم التيار الصدري والبارزاني والبيت السني في مواجهة جماعة الإطار التنسيقي والقادة الشيعة التقليديين في العراق.
ومع ذلك، فإن تنفيذ هذا الممر سيواجه معارضة قوية، خاصة من إسرائيل والإمارات، حيث تدعم الدولتان ممر “داود”، الذي يسعى إلى ربط المناطق التي يقطنها الدروز بكردستان السورية (روج آفا). وتشير التقارير إلى أن أحمد العودة سيحظى بدعم روسيا والإمارات في جنوب سوريا، مع احتمال أن تسعى بقايا جيش بشار الأسد إلى تشكيل نموذج مشابه لخليفة حفتر، بدعم من الإمارات وروسيا.
رغم ذلك، تقف الإمارات موقفا معقدا؛ فهي لا تدعم احتلال إسرائيل للأراضي السورية، لكنها تؤيد ربط المناطق الكردية والدرزية عبر قوات بالوكالة مثل مجموعة أحمد العودة في درعا. وفي ظل رفض “غرفة عمليات الجنوب” لحل نفسها تحت إشراف وزارة الدفاع السورية الجديدة، يبدو أن أحمد العودة يمتلك فرصة كبيرة لتعزيز نفوذه. فإضافة إلى علاقاته القوية مع روسيا والإمارات، لديه أيضا الإمكانية للتعاون مع بقايا نظام الأسد، حيث سبق له العمل مع قوات النمر بقيادة سهيل الحسن. في الوقت نفسه، يحظى العودة بدعم الحكومة الأردنية وغرفة تجارة وصناعة عمّان، مما يمنحه نفوذ إقليميا واسعا.
تواجه الولايات المتحدة معضلة سياسية معقدة تتعلق بتوازن القوى في المنطقة. فبينما لعبت واشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو) دورا مهما في دعم أحمد الشرع خلال الأشهر التي سبقت السيطرة على دمشق، فإنها في الوقت ذاته حذرت من أن يؤدي توليه السلطة إلى الإضرار بمصالح حلفائها الرئيسيين، مثل إسرائيل والأكراد. يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى تحقيق سيناريو حيادي يضمن توافقا ضمنيا بين الشرع والأكراد، مما يسمح باستغلال هذه العلاقة لكبح نفوذ خصومها، كروسيا.
وفي الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة الحيلولة دون خروج أردوغان عن المسار الذي تريده، خاصة في ظل احتمالية تقاربه مع السعودية. لكن هذه الاستراتيجية تبقى مشروطة بتوجهات إدارة بايدن الحالية. ومع اقتراب عهد ترامب، يظل مستقبل السياسة الأمريكية في تحقيق التوازن بين تركيا، والأكراد، والسعودية، وإسرائيل، وبقية الأطراف الإقليمية غير واضح.
كما تعمل إسرائيل حاليا على دراسة مشروع “ممر داود”، الذي يسعى لربط المناطق الدرزية والكردية، وهو ما يتقاطع بشكل مباشر مع مشروع “الممر الشمالي الجنوبي” الذي تسعى تركيا إلى تحقيقه. هذا التقاطع يهدد بإشعال صراعات بالوكالة في جنوب سوريا.
وفي الوقت الحالي، تُعطي الحكومة التركية الأولوية القصوى للقضية الكردية؛ نظرا إلى أهميتها الحيوية بالنسبة للأمن الداخلي في تركيا. وفي هذا السياق، تُجرى اتفاقيات بين حكومة حزب الحركة القومية بزعامة دولت باغجلي والحزب الديمقراطي.
من ناحية أخرى، يسعى الرئيس التركي أردوغان لاستغلال وساطة مسعود بارزاني لتمهيد الطريق للتوصل إلى اتفاق بين أحمد الشرع وبعض المجموعات الكردية مثل قوات سوريا الديمقراطية (SDF). والهدف من هذه الخطوة هو تسهيل عملية السلام في سوريا وسحب الورقة الكردية من أيدي منافسي تركيا الإقليميين.