كتب: ربيع السعدني
انطلقت مسيرات يوم القدس العالمي، الجمعة 28 مارس/آذار 2025، في جميع أنحاء المحافظات الإيرانية ومنها طهران، تحت شعار “أنا على العهد يا قدس” لدعم الشعب الفلسطيني وتنديدا بالجرائم الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
وذلك بمشاركة غالبية الوزراء وأعضاء البرلمان وقادة الجيش الإيراني، يتقدمهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

وبحسب موقع “تابناك“، فمن طهران إلى أقصى أنحاء البلاد، شهدت الشوارع الإيرانية هدير المشاركين الذين- من خلال هتافات “الموت لإسرائيل” و”فلسطين منتصرة”- نقلوا رسالة المقاومة والصمود إلى العالم.
لقد أصبح يوم القدس العالمي رمزا للوحدة والتكامل والتلاحم بين الشعوب الإسلامية حول قضية فلسطين والقدس باعتبارها القضية الأولى للعالم الإسلامي.
ويحتفل المسلمون بهذا اليوم كل عام، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا أصبحت هذه المناسبة مهمة إلى هذا الحد، وتزداد أهميتها في إيران تحديدا كل عام؟
البداية من هنا
يصادف يوم القدس العالمي آخر جمعة من كلّ شهر رمضان، وقد تحول إلى مناسبة سنويّة بعد اقتراح الخميني في 6 أغسطس/آب 1979، وبعد قصف إسرائيل جنوب لبنان، أن يخصص هذا اليوم لأجل المدينة المقدسة.
جاء ذلك لبدء مرحلة جديدة في التضامن مع القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني في أعقاب صحوة الشعوب الإسلامية من أجل الحرية في المنطقة والعالم ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين تشهد إيران ودول عربية وإسلامية وحتى غربية، فعاليات سياسية وشعبية تجدد رفضها للسيطرة الإسرائيلية على القدس.
في هذا اليوم يقيم المسلمون والداعمون للأحرار من مختلف دول العالم احتفالات وطقوسا ومسيرات حاشدة في جموع المدن الإيرانية، لتأكيد أصالة وهوية وحرية الشعب الفلسطيني في حكم أرض القدس المحتلة وحقه في تقرير مصيره ومستقبله وضرورة عودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى بلادهم.
رسالة خامنئي في يوم القدس
وفي هذا الإطار أكد علي خامنئي، في كلمة متلفزة مساء الخميس 27 مارس/آذار 2025، عشية يوم القدس العالمي، إلى الشعب الإيراني، أن “مسيرات يوم القدس العالمي لهذا العام ستكون من بين أكثر المسيرات عظمة وكرامة في تاريخ هذه المناسبة العظيمة”.
ونشر موقع خامنئى الإعلامي النص الكامل للرسالة المتلفزة التي وجّهها خامنئي، والتي نبّه من خلالها المرشد الإيراني أنّ “بعض السياسات والحكومات المعارضة تقوم بالدعاية ضد الشعب الإيراني وتتظاهر بوجود خلاف وضعف في صفوفه”.
وفي هذا الصدد أعلن الجيش الإيراني أن “الحلّ الوحيد للقضية الفلسطينية، وتغيير الوضع الراهن، يتطلبان استمرار المقاومة والتضامن العالمي لمكافحة الكيان الإسرائيلي”.
كبار المسؤولين في مسيرة يوم القدس
كما شهدت احتفالات يوم القدس العالمي في إيران، حضور مسؤولين سياسيين وعسكريين بارزين في المسيرات وفي مقدمتهم الرئيس مسعود بزشكيان الذي شارك إلى جانب صائمين آخرين في المسيرة التضامنية التي انطلقت في العاصمة طهران، صباح الجمعة 28 مارس/آذار 2025.
وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “فارس” بأن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، شارك أيضا في تجمع عام بجامعة طهران بمناسبة يوم القدس، وقال في كلمة له: “لا شك في أن عملية طوفان الأقصى كانت نقطة تحول وإجراءً عادلا ومشروعا ضد جرائم أمريكا وبريطانيا والكيان الإسرائيلي”.
وأضاف: “هذه العملية (طوفان الأقصى) كانت مميزة للغاية ردا على كل هذه الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني”، وقبل ذلك بيوم، أوصى قاليباف الجميع بواجبهم في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم، الشعب الذي يقف في الميدان من أجل هويته وأرضه واستقلاله.
كما شهدت المسيرات حضور العميد حاجي زاده، قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري، في مسيرة يوم القدس.
ومن جهته، أكد النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد رضا عارف، أن طريق تحرير القدس هو وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها والتي يمكن أن تكون سببا في النصر على العدو، الذي ظهر العام الماضي أنه لا يلتزم بأي معايير ومؤشرات إنسانية.
وأعرب نائب الرئيس خلال مشاركته في مسيرة يوم القدس عن أمله في أن تكون نقطة التحول هذا العام، بمثابة مقدمة ليشهد الشعب الفلسطيني كله تحرير القدس الشريف بتعاون الأمة الإسلامية.
وأحرق أهالي مدينة مشهد أعلام الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة خلال مسيرة يوم القدس العالمي.
وفي سياق متصل أكد وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، أن الشعب الإيراني أثبت بمشاركته في مسيرة يوم القدس، أن القضية الفلسطينية لا تُنسى.
وتابع عراقجي الذي شارك إلى جانب المواطنين بطهران في المسيرة التضامنية للفلسطينيين، قائلا: “دعم الشعب الفلسطيني هذا العام له طابع خاص، فالشعب الإيراني فهم هذا الوضع بشكل جيد وأظهر أن قضية فلسطين لا يمكن نسيانها”.
ما أهمية هذه المسيرات؟
إن مراسم يوم القدس العالمي السنوية يشارك فيها الصغير والكبير، والرجال والنساء والأطفال وتعمل على تعزيز ثقافة المقاومة والانتفاضة بين الرأي العام في الدول الإسلامية وتكشف بشكل أكبر عن طبيعة النظام الإسرائيلي المزيف والمجرم وقاتل الأطفال في الرأي العام العالمي.
كما أنها تشكل تأكيدا متجددا لضرورة تعزيز الوحدة ضد النظام الصهيوني باعتباره العدو الرئيسي والمشترك للدول الإسلامية والبشرية جمعاء.
يوم القدس في الأراضي الفلسطينية
وتشكّلُ عودة العمليات العسكريّة الإسرائيليّة في قطاع غزة، والوضع الإنسانيّ الذي يعاني منه سكان القطاع، أبرز ملامح يوم القدس هذا العام.
تجدر الإشارة إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية قد أطلقت عملية طوفان الأقصى من قطاع غزة (جنوب فلسطين) ضد مواقع الكيان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وردا على هزيمته المهينة يسجل النظام الإسرائيلي بضوء أخضر من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أبشع إبادة جماعية في التاريخ من خلال تدمير المستشفيات وجميع البنى التحتية الصحية والتعليمية والثقافية والتاريخية، وقصف قطاع غزة على مدار الساعة.
لماذا يعد يوم القدس هذا العام أكثر أهمية من أي وقت مضى؟
وفي هذا الإطار وللرد على السؤال السابق تستعرض “مجلة القدس في مرآة التاريخ” هذا العام صورة العام الـ76 من معركة “الصمود والمقاومة” في وجه إجرام إسرائيل الدامي.
وبحسب وكالة مهر للأنباء يعد يوم القدس هذا العام ليس مجرد رمز؛ بل إنه شعلة تشتعل من أعماق قرون من المقاومة، ويُشعل صمت العالم ويتردد صدى صرخة “فلسطين الحرة” من بين جدران المسجد الأقصى العتيقة إلى قلب كل حر.
محاكمة “جزار غزة”
وطالب المشاركون في مسيرة يوم القدس العالمي في طهران بالتحرك الفوري من قبل المجتمع الدولي لوقف هذه الجرائم والممارسات التي تجري ضد الإنسانية ومحاكمة قادة النظام الإسرائيلي، خاصةً “جزار غزة” بنيامين نتنياهو، في المحاكم “الجنائية الدولية”.
صدى عالمي للمسيرات
مع انطلاق مسيرات يوم القدس العالمي في مختلف أنحاء إيران، غطت وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية الحدث الذي لاقى تفاعلا واسعا عبر الإعلام الغربي.
وفي هذا السياق ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية “Press Tv” في هذا الصدد: “خرج المتظاهرون إلى شوارع طهران للمشاركة في مراسم يوم القدس العالمي، رافعين أعلام طهران وفلسطين وحزب الله اللبناني والجيش اليمني”.
وركزت وكالة الأنباء الفرنسية بشكل خاص على اللافتات التي رفعها الحاضرون في الحفل رافعين شعارات: “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”.
كما قامت وكالة الأنباء الألمانية DPA بتغطية المسيرة وكتبت: “أقيمت مظاهرات مناهضة لإسرائيل في يوم القدس بجميع أنحاء إيران”.
وأضافت وسائل الإعلام المختلفة أن عشرات الآلاف من المتظاهرين الإيرانيين شاركوا في المسيرة بشوارع طهران، رغم الظروف الاقتصادية السائدة في إيران، ورددوا شعارات ضد العدوين الرئيسيين لإيران.
كما أشارت وكالة رويترز البريطانية للأنباء، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” خلال تغطيتها لمسيرة يوم القدس في إيران، إلى تحذيرات رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، خلال الاحتفالات من أنه “إذا اتخذت واشنطن عملا عسكريا ضد إيران في ظل عدم وجود اتفاق نووي جديد، فإن طهران ستهاجم القواعد الأمريكية في المنطقة”.
قصة إعلان يوم القدس
يعد إطلاق “يوم القدس” من القضايا الكبرى التي أعلن لها الإمام الخميني يوما خاصا للإحياء وتجديد العهد لقضية القدس، وذلك في الجمعة الأخيرة أو الجمعة اليتيمة من شهر رمضان من كل عام.
قبل عام من انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 كانت قضية تحرير القدس من أولويات السياسة الخارجية للإمام الخميني، وفي 18 فبراير/شباط 1978 وفي لقاء مع الوفد الفلسطيني وياسر عرفات، تحدث عن تحرير القدس وحثهم على الاعتماد على الله في النصر على العدو وتحرير القدس، لأن قدرة الله فوق كل قدرة.
ومن أجل توحيد المسلمين في العالم لدعم الشعب الفلسطيني وتحرير القدس، أعلن الخميني آخر جمعة من شهر رمضان “يوم القدس” في رسالة إلى المسلمين في إيران والعالم بتاريخ 6 أغسطس/آب 1979 (13 رمضان 1399 هـ)، ودعا الشعوب والحكومات الإسلامية إلى التكاتف وإعلان تضامنها في قطع يد إسرائيل الغاصبة ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ويرى البعض أن اقتراح يوم القدس قُدم إلى الخميني عن طريق إبراهيم يزدي وزير خارجية الحكومة المؤقتة.
وبمناسبة يوم القدس العالمي، تقام مسيرة في إيران ودول أخرى كل عام في آخر يوم جمعة من شهر رمضان.
ووصف الخميني يوم القدس بأنه يوم إحياء الإسلام، ويوم تجهيز المظلومين لمواجهة المستكبرين، ويوم تصميم المسلمين على إنقاذ القدس.