كتب: محمد بركات
لم يلبث موضوع عدم مشروعية تعيين محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، أن يخبو حتى عاد للسطح مرة أخرى، فبعد الجدل الذي أثاره مجيد أنصاري بتقديم مشروع تعديل المادة رقم 234 الخاصة بتعيين الشخصيات في الوظائف الحساسة إلى البرلمان في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حتى أعادته تصريحاته مرة أخرى بشأن موافقة المرشد لتثير مزيدا من الجدل، جدل لم يتوقف عند تصريحات أنصاري، بل استمر ليصل إلى عديد من الأشخاص، على رأسهم رئيس البرلمان نفسه الذي اتهم بتصفية الحسابات بعد تغيير موقفه من تولي ظريف منصبا في الحكومة.
فمؤخرا، صرح مجيد أنصاري، مساعد رئيس الجمهورية للشؤون القانونية، خلال كلمة ألقاها مساء الثلاثاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، على هامش فعاليات المؤتمر الدولي للتحكيم الذي عُقد بجامعة قُم الإيرانية، قائلا إن “المرشد الإيراني، علي خامنئي، قد أحال موضوع تعديل قانون ازدواج الجنسية لمرشحي المناصب الحساسة إلى رئيس البرلمان الإيراني بشكل عاجل، وأكد أن المرشد شخصيا قد أبلغ مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، بموافقته على تعديل ذلك القانون، وطلب منه أن يعلن رأيه في البرلمان؛ لضمان عدم عرقلة هذا القانون لاستخدام الكفاءات في مختلف المجالات الوظيفية”، كما أضاف أنصاري: “إن المجلس الأعلى للثورة الثقافية يعمل أيضا بالتوازي مع البرلمان على متابعة تعديل هذا القانون”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع انتخاب بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
بعدها وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كتب مهدي فضائلي، عضو مكتب حفظ ونشر آثار وتراث المرشد الإيراني، على حسابه الرسمي بمنصة إكس، يؤكد تصريحات أنصاري السابقة، حيث كتب: “مجيد أنصاري: قائد الثورة أبلغ الدكتور بزشكيان شخصيا بموافقته على تعديل القانون المتعلق بالجنسية القهرية. ملاحظات: هذا الاقتباس صحيح ويعود إلى نحو شهرين مضيا، صرّح قائد الثورة، بناءً على طلب إبداء رأي بشأن تعديل القانون المتعلق بالجنسية غير القهرية، بأنه معارض، اتخاذ القرار بشأن ضرورة تعديل أي قانون من صلاحيات الحكومة والبرلمان، وأخيرا فالبرلمان قد رفض فقط النظر في مشروع القانون بشكل عاجل، وليس مشروع القانون بالكامل”.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، خلال الجلسة العلنية للبرلمان، أكد محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، ما جاء في تغريدة فضائلي، حيث صرح: “إنني كنت على علم بالموضوع الذي كتب عنه السيد فضائلي وهو موضوع صحيح، دعونا نترك هذه النقاشات جانبا ونلتفت إلى جدول عمل الجلسة”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع خبر فوري الإخباري بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وخلال الجلسة، صرح حميد رسائي، النائب البرلماني عن مدينة طهران، خلال كلمته أمام المجلس: “لم يُدرج تقرير لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية حول تطبيق المادة 234 المتعلقة بالتعيينات في المناصب الحساسة بجدول أعمال مجلس هذا الأسبوع”. وأضاف مخاطبا رئيس المجلس محمد باقر قاليباف: “السيد قاليباف أوضح صباح اليوم أن هذا التقرير كان يحتوي على مشاكل تنظيمية، لذلك تمت إحالته إلى اللجنة لإصلاحه، وسيتم إدراجه في جدول الأعمال العلني يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين الصادر في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وأشار رسائي خلال كلمته، إلى تغريدة فضائلي، حيث قال: “إن السيد فضائلي أعلن أنه ليس متحدثا باسم مكتب القيادة، وأنه مثل باقي الأشخاص لديه معلومات ينشرها أحيانا، لكن نظرا إلى تأكيد رئيس البرلمان، فإن التصريحات الأخرى تعتبر بمثابة وثيقة بالنسبة لنا”. كما أضاف أن “مشروع قانون الحكومة هو حذف كلمتي الزوج والأبناء من قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة. علاوة على ذلك، ففي الواقع لا توجد جنسية قهرية. لذلك يمكن القول إن مشروع الحكومة يتناقض مع ما ذكره السيد فضائلي وما أكده رئيس البرلمان”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع دنياي اقتصاد بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني.
بعدها ردَّ قاليباف على ملاحظات رسائي، حيث قال: “قلت إن تقرير لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية سيتم إدراجه في جدول الأعمال بشرط أن تتم إحالة التقرير إلى هيئة الرئاسة، وبطبيعة الحال، في حال عدم حدوث ذلك، لن يكون من الممكن مناقشة التقرير، وكما قلت سابقا، إن تصريحات السيد فضائلي صحيحة، ولكن في النهاية، القرار بيد البرلمان بشأن مناقشة مشروع تعديل قانون التعيين في المناصب الحساسة. لا شك في أن رأي قائد الثورة محل اهتمام، والبرلمان سيقوم بإجراء العمل الفني اللازم”، مؤكدا أنه “إن تصريحات قائد الثورة بالنسبة لنا هي وثيقة، وبالتأكيد سيتم النظر في مشروع القانون بناء على ذلك. البرلمان سيقوم بعمل فني، وستتم مراجعة النتائج الفنية في الجلسة”.
ليأتي قاليباف بعدها، وفي جلسة انعقاد البرلمان يوم الأربعاء 27 فبراير/تشرين الثاني، ورغم أنه عارض قراءة تقرير لجنة الأمن القومي بشأن امتناع بزشكيان عن تنفيذ القانون خلال الجلسة، فإنه قال في تصريح صادم بجملة بسيطة: “إن تعيين السيد ظريف في الحكومة أمر غير قانوني”، في موقف مغاير لما كان عليه منذ ثلاثة أيام فقط، حتى إنه ذهب لأكثر من هذا، حيث صرح وسط جمع صحفي بعد انتهاء الجلسة، بأنه “من الأفضل أن ينسحب محمد جواد ظريف من الحكومة حتى يتم البت في مشروع تعديل قانون كيفية تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين الإخباري بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ما الذي دفع قاليباف إلى تغيير موقفه؟
في البداية لم يكن من المعلوم لماذا غيّر قاليباف موقفه بهذا الشكل، ولكن سرعان ما انتشر خبر تعيين وحيد محمودي بمرسوم أحمد ميدري، وزير التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية، مديرا لمؤسسة التقاعد الوطنية، والذي جاء بدلا من مهدي مسكيني، المدير العام السابق للمؤسسة الذي كان من أنصار محمد باقر قاليباف، الأمر الذي اعتبره كثيرون هو السبب الرئيس لتغير موقف قاليباف تجاه ظريف، وذلك وفقا لما نشره موقع فرارو الإخباري بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
تبقى الصراعات القائمة حول استكمال ظريف مهمته كنائب للرئيس قائمة، فبين تيار يرفض وجوده بداعي القوانين، وآخر يحاول الإبقاء عليه بدافع الاستفادة من ذوي الخبرة، وآخرين تحركهم المصلحة السياسية في المقام الأول.