كتبت: لمياء شرف
بعد عشرة أيام من سقوط نظام بشار الأسد، تشهد دمشق تحركات دبلوماسية مكثفة وسريعة؛ حيث بدأت الدول الغربية والعربية بالتحضير لاستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا.
والجمهورية الإيرانية أيضاً، التي كانت لسنوات داعماً رئيسياً للنظام السابق ومتورطةً في صراع دموي مع المعارضة السورية، تخطو نحو إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، وسط ترتيبات تضمن أمن موظفيها في ظل الحكومة السورية الجديدة.
هذا التحول يعكس مرحلة جديدة تسعى فيها سوريا للخروج من عزلتها واستعادة موقعها على الساحة الدولية، ويعتبر اعترافاً ضمنياً بالمعارضة المسلحة “جبهة تحرير الشام” وفصائل أخرى رغم وضعها سابقاً على قوائم الإرهاب الدولية.
قال متحدث الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن إعادة فتح السفارة الإيرانية في سوريا مدرجة على جدول أعمالنا.
وأوضح بقائي، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، أن إعادة فتح سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا مدرجة على جدول الأعمال، وإذا توفرت الشروط اللازمة سيتم تنفيذ هذا الإجراء.
وحول الوجود الإيراني في سوريا، أكد أن وجودها كان استشارياً ولم تدعم أو تدافع عن أي شخص أو جماعة أو حزب معين في سوريا، مشيراً إلى أن إيران كانت تعمل على المساعدة في الحفاظ على أمن وسلامة الأراضي السورية.
أما عن ديون سوريا لإيران، فأوضح أن الحكومة السورية الجديدة ستدفعها، موضحاً أن الديون الإيرانية التي كانت مترتبة على نظام الأسد، سوف يتحملها النظام السياسي الجديد في سوريا، وفقاً لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ خلافة الدول، وهو مبدأ معتمد في القانون الدولي.
وأكد أن الحديث عن وجود ديون لإيران على سوريا بحوالي 50 مليار دولار، هي أرقام مبالغ فيها، دون أن يفصح عن حجم الديون الحقيقي.
يذكر أنه في نهاية أبريل/نيسان 2024، نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصادر وصفتها بالمتابعة في دمشق قولها، إن إيران كانت تحاول الضغط على حكومة النظام السوري لاسترداد ديونها منذ آخر زيارة أجراها الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق في مايو/أيار 2023.
وأضافت المصادر أن إيران تضغط على النظام لاسترداد الديون البالغة 50 مليار دولار أمريكي من خلال إقامة مشاريع استثمارية، وذلك بعد توقيع الطرفين مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في أثناء زيارة “رئيسي” الأخيرة.
الاتحاد الأوروبي
وفي سياق متصل، بدأت دول غربية في إعادة التواصل الدبلوماسي الرسمي مع الحكومة السورية الجديدة، حيث أعلنت المملكة المتحدة البريطانية تقديم حزمة من المساعدات بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني (63 مليون دولار أمريكي) للمساعدات الإنسانية في سوريا، يأتي ذلك في سياق الجهود البريطانية للعمل على استقرار سوريا.
وصرح وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، بأن سقوط نظام الأسد المرعب يوفر فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل للشعب السوري.. ونحن ملتزمون بدعم الشعب السوري وهو يرسم مساراً جديداً.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية، 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، إن وفداً دبلوماسياً من باريس عقد اجتماعاً في دمشق مع ممثلين عن السلطات الانتقالية السورية.
وأوضحت أن الوفد زار مقر السفارة الفرنسية في دمشق، المغلق منذ عام 2012، للعمل على إعادة فتحه.
وطالب الوفد الفرنسي بضرورة التمسك بمبادئ ثورة 2011 من أجل انتقال سياسي شامل وحماية الأقليات، مؤكداً اهتمام الوفد بقضايا الأمن المشترك.
من جانبها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن الاتحاد الأوروبي يسعى لاستئناف عمل بعثته في سوريا بكامل طاقتها.
وأوضحت في كلمة أمام البرلمان الأوروبي بستراسبورغ، أن بعثة الاتحاد -التي تقوم مقام السفارة- لم تغلق رسمياً في سوريا قط، لكن لم يكن هناك سفير معتمد في دمشق أثناء الحرب.
وأوضحت كالاس: نريد أن تستأنف هذه البعثة العمل بكامل طاقتها، مضيفة أنها طلبت من رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي الذهاب إلى دمشق للتواصل مع القيادة الجديدة في سوريا والجماعات المختلفة الأخرى.
وفي السياق نفسه، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين -عقب اجتماعها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة 17 ديسمبر/كانون الأول 2024- أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي تكثيف علاقاته مع هيئة تحرير الشام التي أطاحت ببشار الأسد، مشيرة إلى أن الدبلوماسيين الأوروبيين سيعودون إلى دمشق.
وقالت فون دير لاين: “علينا الآن تكثيف تعاملنا المباشر مع هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة الأخرى”، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي وحلفاءه لا يمكنهم السماح بعودة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
كما أعربت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، عن استعدادها للتحاور مع السلطات الجديدة في دمشق، داعية إلى توخي أقصى درجات الحذر إزاء هيئة تحرير الشام.
الدول العربية
قررت الخارجية القطرية تعيين خليفة عبد الله آل محمود الشريف قائماً بأعمال السفارة في دمشق، مشيرة إلى أن استئناف عمل السفارة في دمشق يأتي بعد نحو 13 عاماً من قطع كافة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في العام 2011.
قطعت العلاقات الدبلوماسية القطرية – السورية، لوقوف دولة قطر إلى جانب ثورة الشعب السوري ودعمها للمطالب بالحياة الكريمة والحرية والعدالة الاجتماعية، وتأكيداً على رفض الدوحة القاطع لكافة سياسات النظام القمعية بحق الشعب السوري.
كما أكدت الوزارة أن استئناف عمل السفارة بالتزامن مع انتصار ثورة الشعب السوري، يترجم استمرار موقف قطر الثابت والداعم للشعب السوري ونضاله لانتزاع حقوقه المشروعة في الحياة الكريمة.
وأشارت إلى أن استئناف العمل يعزز الجهود الإغاثية التي بدأت بجسر جوي لمساعدة الشعب السوري على تجاوز متطلبات المرحلة الانتقالية وتقديم ما تحتاجه سوريا من مساعدات إنسانية عاجلة.
رؤية أمريكية
كما اعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن رغبتها في استقرار الأمن القومي السوري؛ حيث صرح مسؤول الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، بأن من مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة أن تصبح سوريا ذات سيادة ومستقرة وآمنة، ولا تشكل تهديداً لجيرانها.
وأضاف أن واشنطن تعمل مع المجتمع الدولي والمعارضة السورية، لضمان تحقيق انتقال سلمي للسلطة إلى حكومة تلبي تطلعات الشعب السوري.