ترجمة: شروق السيد
مع تغير المشهد السياسي في سوريا، إثر سقوط بشار الأسد، تبرز تساؤلات في الإعلام الإيراني حول مواقف الدول الإقليمية، ومنها مصر.
كتب موقع “الوقت” قد ذكر 23 ديسمبر/كانون الأول 2024: “لفت سقوط بشار الأسد وتولي هيئة حاكمة تابعة لتحرير الشام زمام الأمور في سوريا انتباه العديد من المحللين والسياسيين، وفي هذا السياق، كانت ردود أفعال الدول المختلفة تجاه التطورات السورية، بما في ذلك مصر، محط اهتمام”.
وأضاف أنه ورغم وجود ملفات أكثر أهمية لمصر في جوارها، مثل ليبيا، والسودان، وغزة، يسعى هذا التقرير إلى تحليل موقف مصر تجاه التطورات السورية، ودراسة دوافعها وأهدافها في هذا الصدد.
خلفية العلاقات بين مصر وسوريا
وتابع: تتمتع العلاقات بين مصر وسوريا بتاريخ طويل ومعقد، ففي فترة ما، كان البلدان متحدين ضمن إطار الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961)، ولكن بعد انهيار هذا الاتحاد، سلكا مسارات مختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومع بداية الأزمة السورية في عام 2011، اتخذت مصر مواقف متباينة حسب كل فترة.
ففي عهد الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، دعمت مصر المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، لكن مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، تغيّرت السياسة المصرية نحو دعم ضمني للحكومة السورية والحفاظ على استقرار البلاد.
وأردف: تتمتع الدولتان بعلاقات تاريخية استثنائية، حيث تعاونتا في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ضد الكيان الصهيوني، بشن عمليات مشتركة في شرق قناة السويس ومرتفعات الجولان، وبسبب العلاقات التاريخية المشتركة، يتابع الشعب المصري عن كثب التطورات على الساحة السورية، وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن رغبتها الصادقة في دعم سوريا في هذه المرحلة الحالية.
التأثيرات الإقليمية
وتابع الموقع في تقريره: أثرت التطورات الإقليمية، مثل تراجع نفوذ الجماعات الإرهابية كداعش وتقارب بعض الدول العربية مع الحكومة السورية، على سياسات مصر، وكانت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في عام 2023 نقطة تحول في علاقات الدول العربية مع دمشق، وقد رحبت مصر بهذا التطور، وسعت إلى تعزيز وجودها في المعادلات الإقليمية تأكيدًا لدورها القيادي في العالم العربي.
موقف مصر قبل وبعد سقوط بشار الأسد
أ) موقف مصر تجاه التطورات السورية قبل سقوط بشار الأسد
وتابع الموقع قائلاً: مع انطلاق عملية “ردع العدوان” (عملية عسكرية أطلقتها فصائل المعارضة السورية المسلحة) في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كانت مصر أول دولة تبدي موقفها تجاه التطورات السورية.
فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بيانًا عقب مكالمة هاتفية جرت مساء الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني بين بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، وبسام صباغ، وزير الخارجية السوري، وجاء في البيان أنه بعد تقدم الجماعات المسلحة المعارضة في حلب وإدلب ومناطق أخرى، أعربت مصر عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة في سوريا، وأكدت دعمها للحكومة السورية ومؤسساتها، مشددة على أهمية دور سوريا في تحقيق الاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز سيادة الدولة واستقلالها ووحدة أراضيها.
كما أشار وزير الخارجية المصري، على هامش المؤتمر الدولي لدعم غزة في القاهرة، إلى أن ما يحدث في سوريا يدعو للقلق، وأكد أن مصر حريصة على الحفاظ على الحكومة السورية ومؤسساتها، مشددًا على أن بلاده أجرت اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف، سواء العربية أو الإقليمية أو الدولية المؤثرة، بهدف احتواء الوضع الحالي وإبعاد سوريا عن أي مخاطر تهدد أمن وسلامة مواطنيها الأبرياء، مع تأكيد الدعم الكامل للشعب السوري.
وأضاف: من البيانات الأولية الصادرة عن مصر بعد التطورات في سوريا، يتضح أن مصر دعمت وحدة الأراضي السورية وعارضت أي تقسيم للبلاد، وترى القاهرة أن الحفاظ على وحدة سوريا ضروري لأمن واستقرار المنطقة، وأن تقسيم البلاد قد يؤدي إلى عواقب سلبية واسعة النطاق، لذلك، سعى الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تبني موقف متوازن يستند إلى المصالح الوطنية تجاه التطورات السورية، مع تقديم نوع من الدعم لحكومة بشار الأسد.
ب) موقف مصر تجاه التطورات السورية بعد سقوط بشار الأسد
صرح الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن مصر تتابع عن كثب ما يجري في سوريا، مؤكداً أن السفارة المصرية في دمشق ستواصل عملها، وشدد السيسي على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وأمن شعبها، داعياً إلى إطلاق عملية سياسية شاملة لا تستثني أي طرف وتشمل جميع المكونات والقطاعات.
ويرى الرئيس المصري أن إسرائيل، من خلال استيلائها على المنطقة العازلة واحتلال الأراضي السورية، قد انتهكت اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، كما أشار إلى أن مصر ترصد استهداف إسرائيل للبنية التحتية والإمكانات الحكومية السورية، داعياً إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف هجماتها على الأراضي السورية.
وأضاف الموقع قائلاً: من بين الأسباب الرئيسية لقلق مصر من التطورات في سوريا تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة في المنطقة، وخاصةً في مصر، ونظراً لتجربة مصر في مكافحة الجماعات الإرهابية في سيناء ومناطق أخرى، تعرب القاهرة عن قلقها البالغ إزاء انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط، ولهذا السبب، تحرص مصر على تجنب أي تحركات قد تسهم في تعزيز الجماعات المتطرفة.
وأشار الموقع إلى تقرير صادر عن صحيفة “رأي اليوم“، إلى أن الرئيس السيسي عقد اجتماعاً مع قادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024 وفي هذا الاجتماع الذي عُقد في وقت حساس للغاية، أكد السيسي بوضوح: “الجيش مستعد لمواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي.” كما شدد على أهمية تحقيق السلم المجتمعي وإدارة المجتمع بسماع صوت الشعب قبل أن يتحول الغضب الشعبي إلى توترات.
ويُظهر هذا الاجتماع الذي عُقد بعد سبعة أيام فقط من سقوط بشار الأسد، رسالة واضحة للمصريين بأن السيسي يمتلك القدرة على الحفاظ على استقرار الحكومة، وأن القوات المسلحة تدعمه بشكل كامل.
وعلّق السيسي خلال لقائه مع عدد من الصحفيين في 15 ديسمبر /كانون الأول 2024، على التطورات السورية قائلاً: “سوريا تتمتع بموقع جيوسياسي مهم. أولئك الذين يتخذون القرارات الآن في سوريا هم أصحاب البلد، فإما أن يدمروها أو يبنوها.”
مستقبل علاقات مصر وسوريا
وتابع الموقع: بعد سقوط بشار الأسد، قد يتأثر سلوك مصر تجاه الهيئة الحاكمة الجديدة في سوريا بعدة عوامل، منها المصالح الوطنية المصرية، التطورات الإقليمية، والضغوط الدولية.
وبحسب الموقع، تشمل السيناريوهات المحتملة لسلوك مصر تجاه سوريا ما يلي:
أولاً قد تدعم مصر الحكومة الانتقالية التي ستُشكّل بعد سقوط بشار الأسد، يُمكن أن يندرج هذا الدعم ضمن جهود القاهرة للعب دور بنّاء في حل الأزمة السورية وتعزيز موقعها في العالم العربي، وقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، إلى أهمية عبور المرحلة الانتقالية في سوريا بمشاركة جميع الطوائف والمذاهب، مع ضرورة أن يكون لجميع القوى السياسية السورية دور في إدارة هذه المرحلة.
وأضاف: ووفقاً لتقرير صادر عن “الحرة“، أكد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، أن مصر ملتزمة بدعم عملية انتقالية سلمية وشاملة في سوريا، مشدداً على أهمية ضمان حقوق جميع الطوائف السورية، بما في ذلك العلويون والمسيحيون، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وضمان الأمن.
أما السيناريو الثاني فقد يدفع سقوط بشار الأسد مصر إلى تعزيز التعاون مع مع الجهات الإقليمية الفاعلة مثل تركيا وقطر، واللذين لعبا أدواراً نشطة في التطورات السورية، ومن خلال التعاون مع هذه الدول، قد تتمكن مصر من تحقيق مصالحها الوطنية، ووفقاً لتقرير “آر تي عربي”، أجرى بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، اتصالات متعددة مع أطراف إقليمية ودولية بهدف تنسيق المواقف وتبادل وجهات النظر والتقييمات حول الوضع في سوريا.
وأضاف: تسعى مصر دائماً إلى أن تكون سياستها الخارجية متوازنة بين القوى العالمية، وفي الملف السوري، تحاول القاهرة الحفاظ على علاقاتها مع اللاعبين الرئيسيين وتجنب التوترات غير الضرورية.
وتابع: قد يكون التركيز على الأمن القومي إحدى أولويات مصر بعد سقوط بشار الأسد، تشعر القاهرة بالقلق إزاء تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية وإحياء جماعات الإخوان المسلمين داخل مصر.
وبعد التطورات في سوريا، دعت حركة التغيير داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى إعادة توحيد الجماعة.
وأضاف الموقع : وفقاً لتقرير “القدس العربي”، أصدرت الحركة بياناً قالت فيه: “بعد سقوط ثورات شعوبنا، فإن انتصار الثورة السورية أعاد الأمل إلى قلوب الربيع العربي، وأثبت لنا أن إرادة الشعوب لا تُقهر إذا صمدت وتمسكت بمبادئها، لقد بات واضحاً للجميع أن النظام العسكري في مصر يواصل ارتكاب الظلم والقهر منذ انقلابه الوحشي، مواجهة هذا النظام لم تعد خياراً بل أصبحت واجباً لا يمكن تأجيله، هذا الظلم لن يُسقط إلا بإرادة ثورية موحدة تسعى بكل قوتها إلى كسر القيود واستعادة وتعزيز الإرادة الشعبية.”
وأضاف البيان أن “هذا النظام (في مصر) لن يزول إلا بثورة حقيقية تقتلع جذور الاستبداد وتعيد الحقوق لأصحابها، ولن يُطلق سراح أسرانا في سجون مصر إلا من خلال ثورة شاملة لا تتحقق عبر مفاوضات مهينة مع نظام لا يؤمن إلا بالظلم والاستبداد”.
الوساطة في إعادة إعمار سوريا
وتابع: تُعدّ إحدى أولويات مصر في السنوات الأخيرة توسيع التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، وفي هذا السياق، تمثل إعادة إعمار البنية التحتية السورية فرصة مناسبة للشركات المصرية للعب دور فعال، هذه الخطوة لن تساعد فقط في تعزيز العلاقات بين القاهرة ودمشق، بل ستوفر أيضاً فرصاً اقتصادية هامة للشركات المصرية.
مكافحة الإرهاب
وتابع الموقع: الحقيقة أن مصر حددت موقفها تجاه الأزمة السورية منذ اللحظة الأولى لاندلاع الصراع، وهو دعم الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب، حيث تواجه مصر تحديات أمنية داخلية وتعتبر مكافحة الإرهاب أحد المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية، لذلك، تدعم القاهرة أي مبادرة إقليمية مشتركة للتصدي للجماعات المتطرفة في سوريا.
الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع سوريا الحالية
وفقاً لتقرير قناة “الحرة“، أكد وزير الخارجية المصري عبد العاطي، خلال لقائه مع الصحفيين الأجانب العاملين في مصر، أن “القاهرة لا تزال حاضرة ميدانياً في سوريا، وسفارة مصر ما زالت تعمل في هذا البلد، مما يدل على التزام القاهرة بالحفاظ على العلاقات الدبلوماسية ودعم استقرار سوريا.”
التحديات والفرص
وتابع: سيكون سلوك مصر بعد سقوط بشار الأسد مصحوبًا بتحديات وفرص متعددة، من بين هذه التحديات: المنافسة مع اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين، إدارة الأزمات الداخلية، ومواجهة التهديدات الأمنية.
وأضاف الموقع: في المقابل، تحمل التحولات في سوريا فرصًا لمصر، من بينها تعزيز النفوذ الإقليمي وزيادة دورها في العالم العربي، إلى جانب الاستفادة الاقتصادية من عمليات إعادة إعمار سوريا، ومع ذلك، قد تكون القيود الاقتصادية الداخلية عائقًا أمام قدرة مصر على لعب دور فعّال في إعادة الإعمار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز العلاقات مع سوريا قد يسهم في زيادة نفوذ مصر داخل العالم العربي وترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في المنطقة.
الخاتمة
وتابع الموقع قائلاً: تصريحات المسؤولين المصريين مع بداية التوتر في سوريا كانت متسقة مع مواقفهم السابقة تجاه هذا البلد؛ إذ تعتمد سياسة مصر تجاه سوريا على الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، ورفض أي تدخل خارجي أو دعم للميليشيات أو الجماعات المسلحة في أي دولة.
وأضاف: أما سلوك مصر بعد سقوط بشار الأسد، فيمكن تحليله في إطار الحفاظ على التوازن بين المصالح الوطنية، والعلاقات الإقليمية، والالتزامات الدولية، تحاول القاهرة، من خلال تبني نهج حذر والتركيز على الحلول السياسية، أن تلعب دورًا بنّاءً في سوريا، ومع ذلك، قد تحدّ القيود الداخلية والإقليمية من قدرة مصر على تحقيق أهدافها.
واختتم قائلاً: من المتوقع أن يركز عبد الفتاح السيسي في مرحلة ما بعد بشار الأسد على الأمن القومي المصري لمنع نشاط الجماعات المعارضة والإرهابية داخل البلاد، وتعزيز التعاون مع اللاعبين الرئيسيين في المشهد السوري، كما ستدعم مصر الحكومة الانتقالية السورية بشرط ضمان مشاركة جميع الطوائف في مستقبل البلاد السياسي.