كتب: محمد بركات
مطالبات وصلت للإعدام، هذا ما شهدته الساحة الإيرانية في الأيام الأخيرة بحق محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، بعد التصريحات التي أدلى بها في منتدى دافوس الاقتصادي في لقائه مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية في 22 يناير/كانون الثاني 2025، حيث وصفت بأنها تراجع في الموقف الإيراني ولا تعبر عن الموقف السياسي للدولة، وأنها تصدر أزمات الداخل للخارج وتحقر من قدرات إيران.
فقبل ظهر يوم السبت 25 يناير/كانون الثاني 2025، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي إعلانا يُفيد بعقد وصفته بالقانوني والشرعي لأمة حزب الله لمواجهة رموز نفوذ العدو في إيران، والمطالبة بعزل ومحاكمة محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، وقد ذكر الإعلان ضرورة حضور المشاركين وهم يحملون اللافتات المعارضة وصور الشهداء مرتدين الأكفان.
بعدها بعدة ساعات، أقيمت مظاهرة احتجاجية بميدان الباستور في طهران، وبالتحديد أمام مبنى رئاسة الجمهورية، وقد زعم المنظمون أن تجمّعهم يأتي احتجاجا على الانقلاب على مبادئ الثورة والجمهورية الإيرانية من قبل العناصر المتغلغلة، منددين بتصريحات ظريف ومطالبين بتنحيته عن منصبه ومحاكمته هو ورئيس الجمهورية بتهمة الإفساد في الأرض، بل وبإعدامه؛ لكونه أحد رموز النفوذ الخارجي في إيران.
وكان من بين مطالب المحتجين أيضا، الاعتراض على منع إبلاغ قرار الحجاب وتنفيذ قانون الحجاب الحالي، ورفض التفاوض مع دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الحالي؛ وذلك لإعطائه الأمر بقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، كذلك الاعتراض على منع تنفيذ عمليات الوعد الصادق 3، والاعتراض أيضا على التصدي لجبهة المقاومة الإسلامية من خلال السعي لإقرار اتفاقية FATF.
وخلال تلك المظاهرة، شن كامران غضنفري، عضو البرلمان الإيراني عن محافظة طهران، هجوما حادا على ظريف، حيث قال: “يا سيد بزشكيان، إلى أي مدى أنتم على دراية بسجل السيد ظريف؟ فوفقا لما ذكره هو نفسه في كتابه، فقد ذهب إلى أمريكا في عام 1975 بدعم من جهاز السافاك، وهو جهاز المخابرات التابع لمحمد رضا بهلوي شاه إيران، وعندما كان في أمريكا، وفي عام 1979 بعد أن قام الطلاب باحتلال السفارة الأمريكية في طهران، قامت السلطات الأمريكية بطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين وضمن ذلك موظفو القنصلية في سان فرانسيسكو، وكان السيد ظريف يعمل هناك كموظف محلي. ولكن لم يتم طرده. هو نفسه ذكر في كتابه أن ممثل إيران في نيويورك، السيد محمد جعفر محلاتي، تم استدعاؤه إلى طهران وتم إعفاؤه من منصبه، وعندما اقترح السيد علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية في حكومة مير حسين موسوي، تعيين السيد ظريف رئيسا لمكتب نيويورك بدلا من السيد محلاتي، اعترض السيد محتشمي بور، وزير الداخلية في الحكومة نفسها، وقال إنه لا يمكن تعيين شخص أمريكي في هذا المنصب”.
وأضاف غضنفري: “لقد كان السيد ظريف معروفا في عام 1987، أيضا، بأنه عنصر أمريكي، فقد كان يُشاع أنه عميل ومخبر أمريكي. كيف يتم إنشاء منصب نائب استراتيجي لشخص مثل هذا؟ لماذا قمت بإحضار شخص تثق به الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأمريكية إلى جانبك ومنحته هذا المنصب؟ هذه خطوة خطيرة جدا، إن وجود عنصر مشبوه إلى جانبك يمثل تهديدا خطيرا للأمن الوطني لجمهورية إيران، كيف يتوافق هذا مع أي من المعايير الأمنية والحفاظ على السلامة؟ نحن نطالبك مرة أخرى بمراجعة القرار الذي أصدرته. ابتعد عن التصادم مع القانون. السيد ظريف ليس مخلصا لك بأي حال من الأحوال. الطريق الذي يطرحه أمامك يؤدي إلى النقطة نفسها التي انتهت إليها حكومة السيد روحاني. لقد تفاوض مع الأمريكيين لعدة سنوات ولم يحصل إلا على خسائر من الاتفاق النووي دون تحقيق أي إنجاز آخر”.
هجوم نواب البرلمان على ظريف
في الوقت نفسه، أثارت تصريحات ظريف نواب البرلمان الإيراني، ففي أول رد فعل عليها، انتشرت عدة تقارير السبت 25 يناير/كانون الثاني 2025، تفيد برسالة وجهها 154 نائبا في البرلمان إلى رئيس السلطة القضائية، غلام حسيني محسني إيجه أي، تتعلق بطلب تطبيق قانون تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة دون تمييز على جميع الحالات المعنية.
وقد جاء في هذه الرسالة: “يُعد قانون تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة من القوانين المهمة في صيانة النظام الإيراني، فوفقا لهذا القانون، فإنّ تولي المسؤوليات المهمة في نظام الجمهورية الإيرانية يستوجب توافر شروط ضرورية، من بينها ألا يكون المسؤولون يحملون جنسية دولة أخرى، إضافة إلى ذلك، يجب ألا يحمل زوجاتهم وأبناؤهم أيضا جنسية مزدوجة.
وتكمل الرسالة: “للأسف، يتم تجاهل هذه الشروط في الحكومة الحالية إلى الحد الذي نواجه فيه عددا من المسؤولين الذين يحمل أبناؤهم جنسية أجنبية. ووفقا للقانون المذكور، تُعتبر مسؤولية هؤلاء الأفراد لاغية وباطلة، إلا أن المنتهكين للقانون يصرون على استمرار وجودهم المثير للتساؤلات، فهل يُطبق القانون فقط على عامة الشعب؟! أليس التمييز في تنفيذ القانون سببا في فقدان الأمل بتحقيق العدالة، وبالتالي فقدان الثقة بالنظام؟ أليس التمييز في التعامل مع المخالفات عاملا يؤدي إلى تراجع المشاركة السياسية للشعب؟”.
من جانبه وردا على خبر تلك الرسالة، فقد صرح موقع السلطة القضائية الإعلامي الأحد 26 يناير/كانون الثاني 2025، قائلا: “نُشر خبر، أمس السبت، على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن رسالة وجهها 154 نائبا في البرلمان إلى رئيس السلطة القضائية، تحت عنوان طلب تطبيق قانون تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة دون تمييز على جميع الحالات المعنية، وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن لم يتم استلام أي رسالة، سواء كانت مكتوبة بخط اليد أو بأي شكل آخر، عبر القنوات الرسمية للبرلمان إلى السلطة القضائية، كما أنه في الأخبار المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي حتى هذه اللحظة، لم يتم توضيح هوية الموقعين على الرسالة الموجهة إلى رئيس السلطة القضائية”.
كذلك، فخلال جلسة البرلمان العلنية التي عقدت الأحد 26 يناير/كانون الثاني 2025، أبدى العديد من النواب اعتراضهم على تلك التصريحات، وعلى رأسهم محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، الذي صرح في خضم حديثه عن الأمر، بأنه “مع تولي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة مهامها، تصدر مواقف متباينة من أطياف مختلفة ذات توجهات فكرية متنوعة، وبينما يعكس تنوع الآراء في نظام الجمهورية الإيرانية الديمقراطي قوة هذا النظام، إلا أن الأشخاص الذين يُعتبرون مسؤولين أو ممثلين للنظام يجب أن يتحلوا بالدقة في تصريحاتهم، لضمان أن الرسائل التي تصل إلى العدو لا تعرض المصالح الوطنية للخطر”.
كما أكد قاليباف أن “طرح القضايا والخلافات الداخلية في الساحات الدولية يُعتبر إضعافا لوحدة الشعب الإيراني أمام الأعداء الخارجيين، كما أن تصوير النظام الإيراني القوي بموقف ضعيف، قد يؤدي إلى أخطاء في حسابات الرئيس الأمريكي الجديد وزيادة الضغوط الاقتصادية على البلاد”، مضيفا: “كما أن تبني النهج نفسه في الفترة السابقة لم يحقق أي انفراج، بل أدى إلى انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي واغتيال شخصية بحجم قاسم سليماني”.
وأشار قاليباف إلى أنه “رغم أن الجميع يدرك أن مواقف إيران في السياسة الخارجية تُحدد وفق السياسات التي يرسمها قائد الثورة، وتُعلن من قبل وزارة الخارجية وتُتابع، فإن المسؤولية النهائية تقع على عاتق وزير الخارجية، وهو مُلزم بالالتزام بالقانون الاستراتيجي الذي يضمن تحقيق المنافع الاقتصادية ورفع العقوبات عمليا، وأن يقدم تقريرا للبرلمان والشعب حول أدائه”.
وفي الشأن نفسه، وخلال الجلسة البرلمانية نفسها، قال حميد رسايي، النائب البرلماني عن طهران، في ملاحظة قالها أمام البرلمان: “إن تساؤلي يستند إلى المادة 22 البند 11 وهي تتعلق بجلسة البرلمان ومكانته، ليس لدي خيار آخر، فلا يمكن تقديم هذا التساؤل في مكان آخر، ولو كان السيد محسني إيجه أي، جالسا بدلا منك، لكنت قد قدمت تساؤلي بشكل أفضل”.
وتابع رسايي: “يا سيد قاليباف، إن البرلمان قد طلب من السلطة القضائية معالجة هذه القضية، لكن التعيين غير القانوني قد تم بالفعل، وبدلا من حل مشكلات الناس والقضايا الاقتصادية والمعيشية، تركز الحكومة كل طاقتها على إبقاء شخص واحد في منصب غير قانوني! لا أفهم حقا السبب وراء ذلك، وإضافة إلى إبقائه، يتم إرساله في رحلات خارجية مع مواقف غريبة جدا”.
وأضاف: “في منتدى دافوس الذي حضره السيد ظريف، تم تحديد لقاءات مع 6 مراكز فكرية ضمن برنامجه، لكن لا البرلمان يعرف محتوى هذه المراكز الفكرية، ولا محتوى الاجتماعات، ولا الأشخاص المشاركين فيها، وعندما سألنا وزير الخارجية عن ذلك، فقال إنه خارج عن سيطرته! فما الحل إذن؟”.
وردا على ملاحظة رسايي، طلب قاليباف من إدارة الرقابة في البرلمان متابعة الموضوع، كما دعا ديوان العدالة الإدارية ومنظمة التفتيش إلى معالجة القضية.
وفي الشأن نفسه، قال محمد تقي نقد علي، النائب البرلماني لمدينة خمين: “لدي طلب واضح من رئيس المجلس، وهو أنه عندما يتحدث شخص في المحافل الدولية باسم قادة إيران، فيجب أن يخضع للمراقبة، فأولا، كلمة القيادة تُطلق على مقام قائد الثورة، وثانيا، فإن الأشخاص الذين يتحدثون عن مواضيع مثل الانتخابات والحجاب ويذكرون اسم رئيس البرلمان، في حين أن الشخص الذي أدلى بهذه التصريحات يحتل منصبا مهتزا من الناحية القانونية”.
وأضاف نقد علي: “إن الأفراد الحريصين على النظام كانوا يتوقعون أنه عندما يعبر هذا الشخص عن مواقف في المحافل الدولية باسم رئيس البرلمان، أن تتخذوا موقفا بصفتكم رئيس المجلس، وتوضحوا أن الشخص الحي لا يحتاج إلى وصي أو ممثل”.
كما أكد نقد علي: “فالشخص الذي يشغل منصبا يثير الشبهات ويتحدث باسم إيران، ويطرح الخلافات الداخلية عبر المنابر الدولية، ويناقش قضايا انتخابية سابقة في تجمع عالمي، يجب أن يُواجه بردٍّ حاسم. نتوقع من السيد قاليباف، الذي كان قائدا في جبهات الحرب، أن يرد بحزم على مثل هذه المواقف، نحن نعلم أن في داخلكم عاصفة، لكننا نريد أن تظهر هذه العاصفة ليفرح قلب أمة حزب الله”.
وخلال الجلسة نفسها، قال محمد منان رئيسي، النائب البرلماني عن مدينة قم: “السيد غير القانوني سخر بشكل وقح في اجتماع خارج البلاد من حكم الله المسلم، وقال إن النساء في شوارع طهران يمشين عاريات، وإن هذا هو الطريق الصحيح”.
كما توجه رئيسي بالخطاب إلى رئيس السلطة القضائية، قائلا: “منذ شهرين، كنت جالسا على هذا المقعد، وجئت إليك وقلت لك إنني ممثل أهالي قم، وطلبت منك أن تعالج وضع السيد ظريف. قلت لي إن هذا ليس من اختصاصي، وإن البرلمان لا يجب أن يتدخل، ولكن منذ نحو أربعين يوما، أرسلت لجنة الأمن الوطني إليك رسالة، وعندما نتحدث مع رئيس السلطة التشريعية، يقول إن على السلطة القضائية التدخل، وعندما نتحدث مع السلطة القضائية، يقولون إن السلطة التشريعية يجب أن تتدخل”.