كتب: محمد بركات
لا يكاد يمضي يوم حتى تتصدر العاصمة طهران ومشكلاتها العديدة عناوين الصحف، إذ تعاني المدينة من أزمات متشابكة تمتد من البنية التحتية إلى الاقتصاد والبيئة.
فمع ازدياد الكثافة السكانية والتوسع العمراني غير المخطط، باتت التحديات التي تواجه العاصمة أكثر تعقيدا، مما دفع صناع القرار إلى البحث عن حلول جذرية.
وفي هذا السياق، يعود الحديث مجددا عن أحد أكثر المقترحات إثارة للجدل، وهو نقل العاصمة إلى موقع آخر، في محاولة لتخفيف الضغط عن طهران وتحقيق توزيع أكثر توازنا للسكان والموارد، في ظل شكوك عن مدى فعالية هذا الحل.
فخلال اجتماع مجلس التخطيط والتنمية لمحافظة طهران الذي عقد السبت 15 مارس/آذار 2025، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن العاصمة تعاني من مشكلات كبيرة تتعلق بإدارة المدينة، رغم أنها تضم المؤسسات الحكومية والبرلمان، وأشار إلى أن المجالس البلدية يجب أن تركز على تطوير التعليم والإسكان بدلا من تحصيل الأموال عبر بيع الأراضي، مؤكدا أن غياب التخطيط المناسب قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية.
كما سلط بزشكيان الضوء على أزمة المياه الحادة في طهران، موضحا أن المدينة تواجه مشكلة حادة في اختلال توازن الموارد المائية، ولا يمكن إمداد طهران بالمياه عبر الصهاريج، فالمدينة بهذه الظروف غير قابلة للعيش.
وأضاف: “تشغل طهران أقل من 1% من مساحة البلاد، لكنها تحتضن أكثر من 20% من سكانها، فكيف يمكن إدارة هذه المدينة؟ إن اختلال التوازن بين الموارد والاستهلاك يعني عذابا إلهيا، لأننا أفسدنا النعمة التي منحها الله لنا، لقد جفّت الآبار بشكل مفرط، وسجلت مدينة ورامين هبوطا أرضيا بمقدار 36 سم، وهو رقم في غاية الخطورة، بينما في دول أخرى يتم عقد اجتماعات طارئة عند تسجيل هبوط لا يتجاوز 2 إلى 3 سم”.
أيضا، أشار بزشكيان إلى أن متوسط الدخل في طهران يبلغ مستوى أعلى من بقية أنحاء البلاد ومع ذلك توجد مشاكلة اقتصادية ضخمة، كما أن التوزيع الجغرافي يمثل مشكلة تحتاج إلى معالجة.
حيث أوضح أن الحلول الأمنية وحدها لن تعالج الأزمات الاجتماعية في طهران، داعيا إلى تعزيز التعاون بين المجالس المحلية، البلديات، والمحافظة لحل المشكلات، مع تركيز الحكومة على تسهيل هذا التعاون.
وشدد على ضرورة وقف التوسع العمراني العشوائي، مشيرا إلى أن الفشل في حل مشكلات طهران سيجعل معالجة قضايا باقي المدن أمرا شبه مستحيل.
تحديات طهران.. أزمات بلا حلول
تواجه العاصمة الإيرانية طهران مجموعة معقدة من الأزمات الحضرية التي تهدد استدامتها على المدى الطويل، فمع النمو السكاني المتسارع والهجرة الداخلية الكبيرة، إضافة إلى تفاقم المشكلات البيئية والاقتصادية، باتت المدينة تعاني من اختلالات هيكلية تجعل إدارتها تحديا متزايدا.
فتعاني طهران من نقص حاد في الموارد المائية، حيث لا تتجاوز مساحة المدينة 1% من إجمالي مساحة إيران، لكنها تضم أكثر من 20% من سكان البلاد، مما يخلق فجوة هائلة بين الموارد والاستهلاك، فيما يعتمد جزء كبير من إمدادات المياه على مصادر جوفية الآخذة في التراجع، ذلك بسبب استنزاف المياه الجوفية بشكل مفرط، مما أدى إلى انخفاض مستوياتها بشكل خطير.
فوفقا للتقديرات، فإن مدينة ورامين، الواقعة جنوب طهران، تشهد هبوطا أرضيا بمعدل 36 سنتيمترا سنويا بسبب الإفراط في استخراج المياه الجوفية.
كذلك، فإن سدود طهران تعاني من تراجع حاد في مخزونها المائي بسبب قلة الأمطار والاستهلاك المفرط للمياه، وقد وصلت نسبة امتلاء بعض السدود إلى مستويات خطيرة، مما يهدد الإمدادات المائية لسكان العاصمة، فيما يرجع هذا إلى تغيرات مناخية متسارعة وسوء إدارة الموارد، ما يستدعي إجراءات عاجلة للحفاظ على الأمن المائي للمدينة.
ايضا، فتعد طهران أكبر مدينة في إيران من حيث الكثافة السكانية، حيث تجاوز عدد سكانها 9 ملايين نسمة، بينما يصل عدد سكانها مع الضواحي إلى أكثر من 15 مليونا، ويعود هذا التكدس إلى الهجرة الداخلية المكثفة من المناطق الريفية، حيث يسعى القادمون إلى فرص عمل وحياة أفضل، لكن ذلك يفاقم الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة.
وتواجه المدينة أزمة إسكانية نتيجة ارتفاع الطلب على العقارات، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل كبير، وعجز العديد من الأسر عن تملك منازل أو حتى استئجار مساكن بأسعار معقولة.
كذلك، فقد أدت الهجرة الداخلية إلى زيادة الطلب على الوظائف، في وقت تعاني فيه سوق العمل من تباطؤ اقتصادي وركود في العديد من القطاعات، لأسباب عديدة على رأسها العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
إضافة إلى ذلك، يشكل وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان في طهران تحديا إضافيا، إذ يعمل العديد منهم في القطاعات غير الرسمية، مما يؤثر على فرص العمل المتاحة للإيرانيين.
ومع عدم وجود سياسات تنظيمية واضحة، تفاقمت مشكلة البطالة وازدادت معدلات الفقر في بعض الأحياء المكتظة بالسكان.
كما تعاني طهران من واحدة من أعلى معدلات تلوث الهواء في العالم، حيث يتسبب ارتفاع عدد السيارات، والانبعاثات الصناعية، وظروف الطقس الجاف، في جعل الهواء غير صحي لعدة أشهر سنويا.
فيما تعد الجبال المحيطة بالمدينة عاملا إضافيا في حبس الملوثات داخلها، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الضباب الدخاني، فتشير التقارير إلى أن الأمراض المرتبطة بالتلوث، مثل مشاكل الجهاز التنفسي وأمراض القلب، قد ازدادت بشكل ملحوظ بين السكان.
ويعد الهبوط الأرضي من الأزمات الأخرى، حيث أدى الإفراط في استخراج المياه الجوفية إلى انهيارات جزئية في بعض المناطق، مما يهدد المباني والطرق وشبكات المرافق الحيوية.
فيما يحذر الخبراء من أن استمرار هذه الظاهرة قد يؤدي إلى أضرار جسيمة في البنية التحتية خلال السنوات المقبلة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على الموارد المائية وإدارة التطوير العمراني بشكل أكثر استدامة.
نقل العاصمة الإيرانية: حل للأزمات أم تحد جديد؟
نتيجة لتلك الأزمات، فكرت الحكومات الإيرانية المتعاقبة في حلول مختلفة، كان أكثرها ثورية هو حل نقل العاصمة الإيرانية إلى عدة أماكن أخرى.
المقترح الذي تمت مناقشته مرارا خلال العقود الأخيرة، لكنه لم ينفذ بسبب التكاليف الباهظة والتحديات الأمنية والإدارية، اكتسب زخما أكبر مع وصول حكومة بزشكيان للسلطة، والتي ترى فيه حلا جذريا للأزمة.
إلى أين ستنتقل العاصمة؟
وعن مكان الانتقال، فإن منطقة مكران الساحلية الواقعة جنوب شرقي إيران تُطرح كأحد الخيارات لنقل العاصمة.
فهذه المنطقة تمتلك إمكانيات اقتصادية كبيرة، خاصة مع التركيز على تطوير موانئها، مثل ميناء تشابهار، لتعزيز التجارة الدولية. كما أنها تتمتع بمساحات شاسعة غير مستغلة، مما يسهل إنشاء مدينة إدارية جديدة.
لكن هذا الخيار يواجه عقبات كبيرة، أبرزها التحديات الأمنية والجغرافية، حيث تقع مكران على الساحل المطل على بحر عمان، مما يجعلها عرضة لتهديدات بحرية دولية.
كما أن المنطقة سبق أن شهدت زلازل قوية، مثل زلزال 1945 الذي بلغت قوته أكثر من 8 درجات على مقياس ريختر، مما يثير مخاوف بشأن استقرارها الجيولوجي.
تكلفة دون جدوى
وعلى الجانب الآخر، يرى كثير من الخبراء أن نقل العاصمة ليس الحل الأمثل لمشاكل طهران، بل قد يكون مشروعا مكلفا دون جدوى ملموسة.
حيث صرح على فرنام، الخبير في مجال الإسكان والتخطيط الحضري، خلال حديث صحفي مع موقع اقتصاد أونلاين في يناير/كانون الثاني 2025، بأن التقديرات تشير إلى أن تكلفة النقل قد تصل إلى 78 مليار دولار، وهو رقم هائل مقارنة بإجمالي السيولة المتاحة في الاقتصاد الإيراني.
كما يلفت فرنام إلى تجارب دولية فاشلة في نقل العواصم، مثل برازيليا في البرازيل، حيث لم يؤد النقل إلى تحسين الوضع الاقتصادي أو تخفيف الأعباء عن المدن الكبرى.
كما يوضح أنه حتى في حالة نجاح النقل، فإن طهران لن تفقد أهميتها، وستظل مركزا اقتصاديا وسكانيا رئيسيا، مما يعني استمرار الضغط السكاني والبيئي.
ويرى فرنام أنه على الرغم من أن نقل العاصمة قد يخفف بعض الأعباء عن طهران، فإن المشاكل الأساسية ستظل قائمة ما لم يتم تنفيذ استراتيجية شاملة لتوزيع التنمية.
ويكمن الحل الأكثر فاعلية من وجهة نظره في إعادة هيكلة التخطيط الإقليمي، من خلال تطوير المدن الكبرى الأخرى مثل مشهد، وتبريز، وأصفهان، وشيراز، وتعزيز الفرص الاقتصادية فيها.
كذلك تفويض مزيد من الصلاحيات إلى المحافظات، ما يقلل من الحاجة إلى التركيز الإداري في العاصمة، وتحفيز الاستثمار في المناطق الأقل نموا، لمنع الهجرة القسرية إلى طهران.