كتب: محمد بركات
مع اقتراب دخول الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير/كانون الثاني الحالي، تتزايد التحليلات حول السلوك الذي سوف ينتهجه الرئيس الجديد مع ملفات الشأن الإيراني، فمن بين ملفات كالحرب الدائرة في الشرق الأوسط، والمشروع النووي، تتوجه أعين النظام الإيراني إلى العقوبات الاقتصادية وخاصة المفروضة منها على قطاع النفط، فيخشى النظام أن يضغط ترامب بهذه الورقة لكسب مساحة في ملفات أخرى، في ظل وضع اقتصادي سيئ وظروف معيشية صعبة.
ففي مايو/أيار 2018 وعقب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أعاد ترامب فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وقد استهدفت هذه العقوبات بشكل خاص قطاع النفط الإيراني، وكان هدفها تقليل صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.
في تلك الفترة تراجعت صادرات النفط الإيرانية من حوالي 2.5 مليون برميل يوميا إلى ما بين 300 و500 ألف برميل يوميا خلال عامَي 2019 و2020، وقد جاء هذا الانخفاض الحاد نتيجة للضغوط العقابية، وعدم تعاون الشركات الدولية، وتراجع الطلب من كبار المشترين مثل الصين والهند.
ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في العام 2021 وتغير نهج السياسة الخارجية الأمريكية، أظهرت إدارة بايدن مرونة نسبية فيما يتعلق بمبيعات النفط الإيرانية، ويرى بعض المحللين أن بايدن كان يسعى في البداية لإحياء الاتفاق النووي والدبلوماسية مع إيران، ولذلك اختار تقليل الضغوط.
هذا التحول في النهج سمح لبعض الدول بالعودة إلى شراء النفط الإيراني، ما أدى إلى زيادة تدريجية في صادرات النفط. وتشير التقارير إلى أن مبيعات النفط الإيرانية وصلت إلى حوالي 1.5 مليون برميل يوميا في عامي 2021 و2022، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة المشتريات من الصين وبعض الدول الآسيوية الأخرى.
أما مع عودة دونالد ترامب مرة أخرى، فهناك احتمالات عديدة لعودة العقوبات، حيث أفادت وكالة رويترز في تقريرها الصادر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بأن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تعني تطبيقا أكثر صرامة للعقوبات النفطية الأمريكية ضد إيران، مما قد يؤدي إلى تقليل الإمدادات العالمية من النفط.
زيادة العقوبات على النفط أمر متوقع
بهذا الشأن، أشار مهدى حسيني، مساعد وزير النفط الإيراني الأسبق لشؤون العلاقات الدولية، خلال تصريحات 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى تأثير وصول ترامب على صناعة النفط الإيرانية قائلا: “استنادا إلى الصورة التي نعرفها عن ترامب خلال فترة رئاسته السابقة، فإن بعض الإجراءات مثل فرض العقوبات والسعي لتصفير صادرات النفط لدولة مثل إيران، ليست بعيدة عن التوقع، ويبدو أنه لن يتردد في اتخاذ مثل هذه الإجراءات، رغم أن هذا يتعارض مع سياسة استقرار الأسعار في سوق النفط، لذلك من المحتمل أن نتوقع نهجا وسطا يزيد الضغط على إيران ويمنع في الوقت نفسه الزيادة غير المنضبطة في أسعار النفط.”
وأضاف قائلاً: “من المحتمل أن تتصاعد العقوبات النفطية ضد إيران، حيث قد يبدأ ترامب في الأيام الأولى لولاية جديدة في زيادة العقوبات النفطية على إيران للحصول على رضا وراحة بال الكيان الصهيوني، مما سيؤدي إلى مزيد من التعطيل في تدفق الأموال الناتجة عن مبيعات النفط. لذلك، من المتوقع أن نواجه أياما صعبة، ولكن هناك مزايا نسبية في مجالات متعددة، بما في ذلك القطاع العسكري وصناعة النفط والغاز، يجب الاستفادة منها بشكل مناسب لتجاوز هذه الظروف بأقل التحديات.”
يجب أن نستعد للأسوأ
وبهذا الشأن، أكدت زينب قيصري، رئيسة اللجنة الرقابية على صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات في البرلمان الإيراني، خلال تصريحات لها 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 على ضرورة الاستعداد لمواجهة سياسة الضغط الأقصى التي قد يتبناها ترامب بشأن صادرات النفط الإيراني، مشيرة إلى أن مبيعات النفط الإيراني في عام 2024 شهدت زيادة كبيرة، حيث تتراوح حاليا بين 1.5 إلى 2 مليون برميل يوميا.
وأضافت قيصري: “ووفقاً لأحدث تقارير شركة كبلر، فإن إيران صدّرت يوميا 1.9 مليون برميل من النفط إلى الصين حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، الأمر الذي أدى إلى تعزيز شبكة إيران لتجاوز العقوبات”.
وأوضحت قيصري: “بعد تراجع صادرات النفط الإيراني إثر انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وعندما تم إحياء شبكة مبيعات النفط الوطنية، زادت صادرات النفط شهريا من أدنى مستوياتها لتتجاوز 700 ألف برميل يوميا بحلول نهاية ولاية ترامب الأولى، بعد أن كانت أقل من 200 ألف برميل يومياً”.
وشددت قيصري على أهمية الاستفادة من التجارب السابقة لتجنب تلقي ضربات جديدة من ترامب، مشيرة إلى أن هناك دلائل على أن إدارته تعتزم تقييد صادرات النفط الإيراني من خلال استهداف ناقلات النفط، حيث قالت” بعد فوز ترامب، فرضت إدارة بايدن في مناسبتين عقوبات جديدة على ناقلات النفط الإيرانية، مدعية أنها استهدفت نحو 20 ناقلة شبح تحمل النفط الإيراني”.
وتابعت: “رغم عدم التأكد من صحة ادعاءات وزارة الخزانة الأمريكية، فإن هذه التحركات تشير إلى أن تركيز العدو لضرب صادرات النفط الإيرانية سيكون من خلال استهداف ناقلات النفط. حتى أن معهد UANI الأمريكي زعم مؤخرا أنه حدد 470 ناقلة شبح إيرانية، ويعتزم تسليم هذه المعلومات لترامب”.
روسيا والصين لن تقوم بمساعدتنا
وفي الشأن نفسه تحدث آرش نجفي، رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة الإيرانية، خلال تصريحاته له في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عن احتمال فرض ترامب قيودا جديدة على مبيعات النفط الإيراني، فصرح “إن ترامب قادر على اتخاذ أي إجراء، إنه شخص عملي يتخذ قرارات سريعة، ويُعرف بعقليته التنفيذية. لذلك، قد يلجأ إلى إجراءات قد لا تكون في مصلحتنا، ولكن الأمر يعتمد على مدى مرونتنا وقوتنا في مواجهة هذه الإجراءات بشكل مناسب. لدينا هذه القوة، وسبق أن تجاوزنا أشخاصا مثل ترامب. لكن الحقيقة هي أننا بحاجة إلى قياس التكلفة والفائدة لكل عملية”.
وفيما يتعلق بإمكانية تساهل ترامب في مبيعات النفط كما فعل بايدن لتلبية احتياجات الصين وضبط أسعار الوقود في أمريكا، أجاب نجفي: “ترامب بطبيعته متسلط، وعلينا أن نرى في أي مجال سيحاول فرض قوته. الصين تستفيد من شراء النفط منا، لذا يجب أن ننظر إلى مصالح الصين، أمريكا، وإيران. من المبكر التكهن بكيفية إدارة سوق النفط، ولكن كان ينبغي أن نركز على بناء قواعد إنتاجية ومصافي تكرير في دول مختلفة. إذا فعلنا ذلك، فعلينا تحمل تكلفته اليوم”.
وأضاف: “يجب أن نسعى لبناء شراكات تجارية واسعة. إذا كان لدينا شركاء تجاريون، فلن يتمكن ترامب من الضغط علينا. وفي حال امتلكنا أسهمًا في مصافي التكرير والبتروكيماويات حول العالم، يمكننا إدارة وجودنا في السوق. أما إذا لم نفعل ذلك، فهناك مزودون آخرون سيحتلون مكاننا في السوق”.
وعن إمكانية دعم الصين وروسيا لإيران في حال فرض ترامب قيودا جديدة على مبيعات النفط، أجاب نجفي: “لا، التاريخ أثبت أن روسيا لم تكن يوما جارا أو شريكا جيدا. نصيحتي هي ألا يضع أحد ثقته في روسيا؛ فهي لم تُظهر أبدا استقرارا أو ولاء أو تحالفا معنا”.
أما عن الصين، فقال: “إن الصين تركز على مصالحها وتتعاون معنا فقط عندما تخدم مصلحتها، وإلا فلا. لقد رأينا مواقف الصين من الجزر الثلاث. الصينيون يديرون سياستهم بناء على مصالحهم وليس بشكل عاطفي. علينا أن نتعلم منهم ونركز على مصالح بلدنا الوطنية بدلا من تبديدها في قضايا لا تخدمنا”.
تأثير فرض عقوبات جديدة على قطاع النفط
في حالة اختار ترامب الاستمرار في سياسته السابقة بفرض الضغط الأقصى على إيران، فسيؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد، أولها هو انخفاض صادرات النفط، ففرض عقوبات جديدة على قطاع النفط الإيراني سيؤدي إلى تراجع كبير في صادرات النفط، مما سيخفض الإيرادات الوطنية بشكل حاد، ومع توقف بعض الأسواق عن شراء النفط الإيراني بسبب الحظر، قد تجد إيران صعوبة في تصدير كميات كبيرة، مما يزيد الضغط على اقتصادها الذي يعتمد بشكل كبير على النفط.
ذلك الانخفاض في الإنتاج سيضع ضغوطاً كبيرة على العملة المحلية، فمع انخفاض صادرات النفط، سيقل حجم العملات الأجنبية الواردة إلى إيران، مما يؤثر سلبا على قيمة الريال الإيراني. هذا التراجع في العملة المحلية سيؤدي إلى زيادة التضخم، ويجعل السلع الأساسية أكثر تكلفة على المواطنين الإيرانيين، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية.
كذلك، فيمكن أن يتأثر قطاع النقل والشحن، فالعقوبات قد تشمل أيضا حظرا على شركات الشحن الدولية، مما يعوق قدرة إيران على تصدير النفط. زيادة تكاليف التأمين على شحنات النفط نتيجة المخاطر العالية بسبب العقوبات، قد تجعل صادرات إيران أكثر تكلفة وأقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
تلك العوائق ستجعل إيران مضطرة لبيع النفط بخصومات كبيرة، حيث ستتجه لبيع النفط بخصومات ضخمة للتمكن من العثور على أسواق بديلة، خصوصا في الصين. هذه الخصومات ستؤدي إلى تقليص الإيرادات بشكل كبير، حيث ستتلقى إيران أسعارًا أقل بكثير من أسعار السوق العالمية، مما يزيد الضغط على المالية العامة.
ومع تراجع عائدات النفط، سيواجه الاقتصاد الإيراني عجزا ماليا أكبر، مما يضع الحكومة في موقف صعب في تمويل مشاريعها وأيضا دفع رواتب الموظفين. ولتغطية هذا العجز، قد تضطر الحكومة إلى فرض ضرائب إضافية أو الاقتراض الداخلي، مما يزيد من عبء الدين.
أيضاً، فالعقوبات الجديدة ستجعل من الصعب على إيران جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط والطاقة. توقف تطوير الحقول النفطية والمشاريع الخاصة بالطاقة، مما سيؤدي إلى تأخير في زيادة الإنتاج، مما يؤثر على القدرة التنافسية لإيران في السوق العالمية.