كتب: مهدي خراتيان، الباحث في العلاقات الدولية
ترجمة: علي زين العابدين برهام
سقطت حكومة بشار الأسد في سوريا، وتولت حكومة جديدة إدارة البلاد، وهناك نقاشات كثيرة حول الأسباب والكيفية التي أدت إلى هذه التحولات في الوقت الحالي وبمثل هذه السرعة.
نعتزم في “ملف خاص” التطرق إلى التحولات التي أدت إلى سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا.

مهدي خراتيان، الباحث في العلاقات الدولية
الجزء الأول من سلسلة “ملف خاص”
أود أن أطرح هذه النظرية التي تتناول كيفية قيام الحزب الديمقراطي الأمريكي بتوجيه ضربة غير مباشرة إلى كل من أبوظبي، ممثلة بمحمد بن زايد، وموسكو، ممثلة ببوتين، وتل أبيب، ممثلة بنتنياهو، من خلال سلسلة من الاتفاقيات التي تسببت في حدوث خلل نتيجة سقوط بشار الأسد.
في ما يتعلق بالأحداث في سوريا، هناك خلاف نظري كبير، فبعض النخب يعتبرون “تحرير الشام” جماعة “مجاهدين في سبيل الله” قامت بالثورة من تلقاء نفسها. بينما يعتقد آخرون أن إيران قد تستغل الفرصة للعب أدوار كبيرة في الفجوة بين السعودية وتركيا.
نشرت صحيفة “تليغراف” تقريرا تشير فيه إلى أن الولايات المتحدة كانت تعمل على تجهيز جماعة معارضة سورية للإطاحة ببشار الأسد، وأوضحت تلك الجماعات، التي كانت تتلقى تمويلا من الولايات المتحدة وبريطانيا، أن هناك تحذيرات وصلت إليهم بشأن احتمال سقوط بشار الأسد قبل حدوث ذلك.
يطرح هذا الموضوع تساؤلا كبيرا حول ما إذا كان سقوط الأسد مجرد حادثة سورية أو ثورة شعبية. في هذا السياق، ذكرت صحيفة “تليغراف” في تقريرها، أن أول سبب دفع واشنطن إلى توقع هجوم تنظيم الدولة مسبقا هو أنها أبلغت مجموعة “آر سي إيه” في قاعدة “التنف”، والمعروفة بـ”الكوماندوز الثوري”، بالاستعداد لإنهاء نظام الأسد.
تقول تلك المجموعة: “لم تكن لدينا معلومات عن كيفية سقوط نظام الأسد، لكن قيل لنا فقط إن كل شيء يتغير الآن، وإن وقتكم قد حان”.
وتابعت صحيفة “تليغراف” في فقرة أخرى من هذا التقرير، أنه قبل نحو ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم الفعلي في 26 أو 27 نوفمبر/تشرين الثاني للإطاحة بالأسد، أُبلغت الجماعات المعارضة السورية أن إسقاط هذا النظام سيحدث في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.
بمعنى آخر، أبلغ الأمريكيون مجموعة تضم نحو 3000 عنصر موجودين في قاعدة التنف أنهم يخططون لإسقاط حكومة الأسد، وعليهم أن يستعدوا لهجوم سيُنفذ في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.
هذا الأمر يحمل كثيرا من النقاط المثيرة التي تستحق التحليل والتفكير.
توصلت صحيفة “تليغراف” إلى استنتاج مهم في تقريرها، حيث كتبت أن الأدلة تشير إلى أن الأمريكيين لم يكونوا على علم بعملية “تحرير الشام” فحسب، بل كانت لديهم معلومات دقيقة حول تفاصيل هذه العملية. وتكتسب هذه الفكرة معناها عندما نتذكر أن أردوغان قد طلب من هيئة “تحرير الشام” عدم التقدم من محافظة حماة، في حين كان القطريون يطالبون بعكس ذلك.
على الرغم من الإجماع على سقوط الأسد، كانت هناك اختلافات في الآراء حول النظام السياسي البديل في إطار هذه الصفقة الكبرى. تحتوي مقابلة صحيفة “الغارديان” مع “أبو الحسن الحموي”، رئيس الجناح العسكري لهيئة “تحرير الشام”، على نقاط مهمة ومثيرة، والتي يمكن أن تشكل خيطا موصلا للتقارير التكميلية الأخرى.
أول نقطة يجب أن نلفت الانتباه إليها في هذه المقابلة، هي تلك التي يقدمها الحموي حول الجماعات المسلحة بالطائرات المسيرة المعروفة بـ”كتائب شاهين”. يشير الحموي إلى أن أول استخدام لهذه الطائرات كان في عملية ضد قوات نظام الأسد، وأن طائرات “كتائب شاهين” لم تكن قد استخدمت في أي وقت سابق.
قضية الطائرات المسيرة لا تتعلق بالإجراءات السابقة لهيئة “تحرير الشام”، بل تكمن الأهمية في حداثة نموذج الطائرات المسيرة الذي يتحدث عنه الحموي، حيث يشير إلى أن لها دورا بالغ الأهمية، إذ كانت تستخدم في المراقبة الميدانية. والسؤال الأبرز هنا هو: من الذي قدم هذه الطائرات المسيرة لهيئة “تحرير الشام”؟
في شهر يونيو/حزيران، أي قبل نحو 5 أشهر من سقوط الأسد، كتبت صحيفة “كييف بوست” في مقال حصري، أن القوات الخاصة الأوكرانية والمعارضة السورية كانوا يقومون بعمليات ضد الجماعات الروسية الموجودة في سوريا، وهذا يعني أن من هذه النقطة فصاعداً، تصبح أدلة الوجود الأوكراني أكثر وضوحا.
ويستكمل التقرير بالإشارة إلى أن صحيفة “كييف بوست” حصلت على فيديو حصري يعود إلى مارس/آذار 2024، أي قبل نحو 9 أشهر، يظهر صورا من الفرع الاستخباراتي للجيش الأوكراني، ويُظهر الفيديو كيف أن القوات الخاصة الأوكرانية تقوم بعمليات قتل ضد الجماعات المرتبطة بروسيا في سوريا.
وفقا لما ذكرته صحيفة “كييف بوست”، فإن هذه الإجراءات تأتي ضمن الاستراتيجية الأوكرانية التي بدأت منذ عام 2023، والتي تهدف إلى مهاجمة جميع القوات الروسية سواء في أفريقيا أو في سوريا. وقد تبنت أوكرانيا هذه العقيدة الجديدة، والأحداث التي وقعت في قضية “تحرير الشام” تكتسب معناها في إطار هذا التوجه الأوكراني.
لقد أشار الروس إلى هذا الموضوع بشكل متكرر أيضا. على سبيل المثال، قال سيرغي لافروف، الممثل الخاص لبوتين، في مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية، إن القوات الأوكرانية موجودة في إدلب وتقوم بتجنيد مقاتلين من صفوف المعارضين لنظام الأسد.
كما أشارت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية إلى هذا الموضوع في تقرير لها، حيث ذكرت أن ما تم اكتشافه هو أن جذور العلاقة بين الأوكرانيين وقوات المعارضة السورية تكمن في استخدام الطائرات المسيرة.
وصل الأوكرانيون إلى مستوى متقدم من الفهم والقدرة على استخدام الطائرات المسيرة في حربهم ضد الروس، وهم يسعون لنقل هذه الخبرة إلى الآخرين. ووفقا لما نقلته صحيفة “آيدينليك” التركية عن إحدى وسائل الإعلام المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، يُزعم أن نقل هذه المعرفة من الجماعات الأوكرانية إلى الجماعات المعارضة السورية تم مقابل إطلاق سراح عدد من السجناء الشيشانيين المعارضين لروسيا ومن عناصر تنظيم الدولة.
كان عمر الشيشاني من بين الأشخاص الذين كان من المفترض أن يُفرج عنهم في هذه الصفقة، وتزعم الصحيفة التركية أن الشيشاني، عكس ما هو شائع، لم يُقتل، بل كان محتجزا لدى هيئة “تحرير الشام”.
إذا كان هذا الأمر صحيحا، فإن ذلك يعني أن أوكرانيا قد تكون تخطط لاستخدام عناصر تنظيم الدولة ضد إيران أو روسيا في القوقاز الشمالي أو الجنوبي، ومن المحتمل أن نعتبر تصريحات لافروف، التي أشار فيها إلى أن الأوكرانيين يقومون بتجنيد مقاتلين من صفوف المعارضة السورية، بمثابة إشارة تحذيرية.
في كل حال، تشير الأدلة بقوة إلى أن القوات التي جندتها أوكرانيا كانت على الأرجح من عناصر تنظيم الدولة. وبما أن “تحرير الشام” لا تربطها علاقات جيدة مع تنظيم الدولة، فإن هذه القوات قد تُستخدم من قبل الأجهزة الاستخباراتية الأوكرانية لتنفيذ عمليات ضد روسيا أو إيران.