كتب: مهدي خراتيان، الباحث في العلاقات الدولية
ترجمة: علي زين العابدين برهام
سقطت حكومة بشار الأسد في سوريا، وتولت حكومة جديدة إدارة البلاد، وهناك العديد من النقاشات حول أسباب وكيفية حدوث هذه التحولات في هذا الوقت وبسرعة كبيرة.
نعتزم في “ملف خاص” التطرق إلى التطورات التي أدت إلى سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا.
مهدي خراتيان، الباحث في العلاقات الدولية
الجزء الثاني من سلسلة “ملف خاص”
أشار “ديفيد إغناتيوس”، الصحفي الأمريكي، في مقال له نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” إلى أنه قبل عدة أسابيع من مغادرة المعارضين سوريا، قام جهاز المخابرات الأوكراني بوضع حوالي 20 عنصرا من المدربين و150 طائرة مسيرة “FPV” في إدلب.
وبذلك، قامت أوكرانيا بدور بارز في دعم هيئة تحرير الشام، وفي مقابل هذا الدعم، حصلت على عدة مكاسب، كان أبرزها إلحاق الضرر بالمصالح الروسية في سوريا، مما يُعتبر من أبرز نتائج هذه الصفقة.
كتبت صحيفة “الغارديان” في مقال هام، أنه قبل سقوط بشار الأسد، كانت الجماعات في الشمال تبعث برسائل إلى الجماعات في الجنوب، وكانت هذه الجماعات تختلف في طبيعتها، فالجماعات الشمالية كانت ترتبط بشكل أكبر بـ “هيئة تحرير الشام” وقريبة من “جبهة النصرة” ولديها توجهات إسلامية سياسية، بينما كانت الجماعات الجنوبية أكثر ميلاً إلى العلمانية، كما كانت العلاقات الشمالية تتجه نحو تركيا وقطر، في حين كانت الجماعات الجنوبية تتجه علاقتها بشكل أكبر نحو الإمارات وروسيا والأردن.
وتوضح صحيفة “الغارديان” أنه قد بدأ الشماليون قبل عام بالتواصل مع الجنوبيين لتدريبهم على كيفية تأسيس غرفة عمليات مشتركة، وبمساعدة “تحرير الشام”، تم تنظيم غرفة عمليات الجنوب، حيث تمكّن 25 مجموعة معارضة من التنسيق مع “تحرير الشام” في المنطقة، وكان الهدف من تحركات “تحرير الشام” وحلفائها هو أن تتوجه غرفة العمليات من الشمال والجنوب نحو دمشق.
بدأت بوادر الفوضى في المنطقة تظهر منذ سبتمبر/أيلول مع تحركات الدروز في مناطق جنوب سوريا مثل السويداء. ومع ذلك، تم إعلان تأسيس غرفة عمليات الجنوب في 6 ديسمبر/كانون الأول، واندلعت الاضطرابات في المدن الجنوبية مثل درعا. وفي عملية قادها “أحمد العودة”، الذي له صلات بكل من روسيا والإمارات، تمكن الجنوبيون من الوصول إلى دمشق. يُعتبر أحمد العودة قريبا من الروس بسبب وجوده ضمن الفيلق الخامس الذي كان تحت السيطرة الروسية.
لم يرغب الإسرائيليون في أن يكونوا جيرانا لإيران في المنطقة الجنوبية، وكانوا يشددون على أن السلام في سوريا يجب أن يضمن أمن حدودهم، وبناء على ذلك، تم التوصل إلى صفقة بين روسيا والولايات المتحدة والإمارات وبعض الدول الأخرى، تم بموجبها تشكيل جيش من المعارضة الجنوبية المعتدلة، وكان الهدف من تشكيل هذا الجيش هو مواجهة إيران في المنطقة الجنوبية، حيث كان هناك تعارض في المصالح مع روسيا في مناطق مثل القنيطرة ودرعا.
بعد استقرار “العودة” في المنطقة، استغلّ إمكانيات غرفة “MOC” التي كانت مرتبطة بالولايات المتحدة والإمارات، ولكن عبر الوساطة مع “خالد المحاميد” الذي كان على اتصال مع البريطانيين، الفرنسيين، الأمريكيين، الأردنيين ودول الخليج العربي، وكان يستخدم مواردهم حتى في تنفيذ الأنشطة المدنية في الجنوب، ومنذ بداية تواجده هناك، تمتع الجزء الجنوبي بقدر من الاستقلالية.
لقد ظهر دور الأردن وغرفة “MOC” في بعض المواقع خلال التحولات “الإرهابية” في المنطقة، وكان أحمد العودة ومجموعته يتلقون الأموال من الروس، وكانوا يتعاونون أيضا مع الإماراتيين. ووفقا لما يقوله المتخصصون، كان العودة في بعض الأحيان يعاني من نقص المال ويعبّر عن ذلك، ولكن كانت مشكلاته تُحلّ من خلال الروس أو الإماراتيين.
خالد المحاميد تاجر سوري يقيم في الإمارات.
النقطة المهمة التي تبرز، وفقا للترجمة الإنجليزية لمقالة “القدس العربي”، هي أنه عندما تم التوصل إلى تفاهم دولي بشأن تحييد منطقة جنوب سوريا، تم الاتفاق في إطار مفاوضات أستانة على أن المعارضين في هذه المنطقة لن يتخذوا أي تحركات ضد إسرائيل، كما تم الاتفاق بين القوى الكبرى على عدم اتخاذ أي إجراءات ضد إسرائيل.
في جزء آخر من هذه المقالة، تمت الإشارة إلى أن الإمارات كانت تتمتع بسيطرة كبيرة على الجماعات العسكرية في منطقة جنوب سوريا، وكان “خالد المحاميد” أحد الأفراد البارزين في هذا السياق. يُعتبر المحاميد، المقيم في الإمارات، من الأذرع الهامة لـ “محمد دحلان”.
وفي خبر مهم نشرته صحيفة “الأخبار”، تمت الإشارة إلى العلاقة العائلية بين أحمد العودة و”خالد المحاميد”. من جهة أخرى، يُعد خالد المحاميد الذراع اليمنى لـ “محمد دحلان”، الذي له علاقات قوية مع “محمد بن زايد”. لكن دحلان يعتبر عنصرا استخباراتيا دوليا، فهو شخص غريب الأطوار في ملف سوريا، إذ ينحدر من غزة، ويقيم في الإمارات ويحمل الجنسية الصربية، وله علاقات صداقة مع الروس ويتعاون مع الولايات المتحدة والشاباك، وقد تورط في الملف السوري منذ عام 2017.
ذكر موقع “ميدل إيست مونيتور” نقلا عن صحيفة “الخليج”، أن بوتين يسعى للاستفادة من دور دحلان في الصفقة التي جرت في عام 2018.
يُعتبر دحلان، الذي يُعد جزءاً من الإمارات، وسيطا بين الروس والأمريكيين والإسرائيليين، وقد لعب دورا بارزا في دفع الصفقة المتعلقة بمنطقة الجنوب.