ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “كيهان“، لسان حال المرشد الإيراني، الجمعة 7 فبراير/شباط 2025، مقال رئيس تحريرها حسين شريعتمداري، حول التفاوض مع الولايات المتحدة، إذ عنون المقال بعنوان لافت، وهو “التفاوض مع أمريكا حماقة أم خيانة؟”
“سذج أو خونة”
استهل شريعتمداري مقاله بالقول إن أولئك الذين يروجون اليوم لفكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، ويجعلون منها قضية مصيرية، لا يمكن تصنيفهم إلا ضمن فئتين:
إما أنهم سذّج لا يدركون طبيعة السياسة الأمريكية، أو أنهم خونة يسعون لتنفيذ أجندات خارجية، وفي كلتا الحالتين، لا يستحقون تولي المناصب القيادية في النظام.
وذكر أن الولايات المتحدة لم تخفِ يوما نواياها، بل أعلنت صراحةً أن إسقاط النظام في إيران هدف استراتيجي ثابت، لا يتغير بتغير الإدارات، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.
وأشار إلى أنه يكفي إلقاء نظرة سريعة على سجل السياسات الأمريكية تجاه إيران خلال العقود الأربعة الماضية، لفهم هذه الحقيقة. وكما أكد الإمام الخميني، فإن أمريكا لم تتردد في اتخاذ أي إجراء عدائي ضد إيران، وإذا امتنعت عن تنفيذ بعض خطواتها العدائية، فذلك لم يكن بدافع المصالحة أو التفاهم، بل لأنها لم تكن قادرة على ذلك في حينه.
بين المنطق والتجربة
تابع شريعتمداري أن المرشد علي خامنئي، في لقائه مع عدد من قادة القوات الجوية والدفاع الجوي للجيش، قدم رؤية تجمع بين المنطق القاطع والتجربة الموثقة، حيث لم يكن هناك مجال للشك في صحتها، فالتاريخ الحافل بنقض العهود الأمريكية أثبت مرارا أنه لا مجال للثقة بها.
وذكر قول المرشد خامنئي: “التجربة تقول: التفاوض مع أمريكا ليس خيارا ذكيا، ولا عقلانيا، ولا شريفا”.
وأوضح أن المرشد قد كرر هذا الموقف في العديد من المناسبات، موضحا أسبابه بوضوح. ففي 26 ديسمبر/كانون الأول 2022، وخلال لقائه بحشد من قوات الباسيج، انتقد أولئك الذين يدّعون الفهم السياسي ويزعمون الإلمام بخفايا السياسة الدولية، ومع ذلك يرون أن الحل يكمن في التفاوض مع أمريكا. ثم قال في بيان حكيم:
“كيف يمكن حل المشكلة مع أمريكا؟ هذا سؤال جاد وحقيقي، ولا نريد الخلاف، بل نطرح تساؤلا واضحا: هل يمكن حل المشكلة مع أمريكا بمجرد الجلوس إلى طاولة المفاوضات وأخذ تعهدات منها؟ في قضية بيان الجزائر وإطلاق سراح الرهائن عام 1981، تفاوضتم مع أمريكا عبر وساطة جزائرية، ووقعتم اتفاقا حصلتم بموجبه على تعهدات أمريكية بالإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة، ورفع العقوبات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مقابل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين، لكن بعد تنفيذ إيران التزاماتها، لم تفِ أمريكا بوعودها، ولم ترفع العقوبات أو تعِد الأموال المجمدة. كذلك في الاتفاق النووي (برجام)، وُعدتم بأنه إذا خفضتم مستوى النشاط النووي، فسيتم رفع العقوبات واتخاذ خطوات إيجابية تجاهكم، لكن رغم التزام إيران، لم تفِ أمريكا بتعهداتها ونكثت وعودها. إذن، التجربة أثبتت أن التفاوض مع أمريكا لا يحل المشكلات، فهي لا تفي بوعودها، وإذا امتنعت عن أي إجراء عدائي، فذلك ليس بسبب رغبتها في المصالحة، بل لأنها لم تكن قادرة على تنفيذه في تلك اللحظة”.
وأشار إلى مقال ريتشارد نيفيو، مهندس العقوبات على إيران، الذي نُشر في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، حيث أعرب عن إحباطه من عدم فاعلية العقوبات والخيارات العسكرية ضد إيران، معتبرا أن “التفاوض هو السبيل الوحيد لاحتواء إيران والسيطرة عليها”. أليس من المفارقات المثيرة للعبرة أن أمريكا ترى في التفاوض وسيلة لإضعاف إيران، بينما بعض دعاة التفاوض في الداخل، بدلا من العمل الجاد لحل المشكلات، يروجون له كأنه المفتاح السحري للخروج من الأزمات؟!
وتابع أنه “الآن، يطرح السؤال نفسه على أولئك الذين، كما وصفهم المرشد علي خامنئي (يدّعون الفهم السياسي): هل هم عاجزون عن استيعاب هذه الحقيقة الواضحة، وغير مدركين لحجم الخسائر الفادحة التي يجرّها التفاوض مع أمريكا؟”
وأوضح أنه “إذا كان الجواب لا، فهذا يعني أنهم يفتقرون إلى الحد الأدنى من الإدراك السياسي، وبالتالي لا يستحقون تولي أي مسؤولية في النظام، أما إذا كان الجواب نعم، أي إنهم يدركون تماما العواقب الكارثية لهذا المسار، ورغم ذلك يُصرّون عليه، فبأي وصف يمكن تسمية هذا الإصرار سوى الخيانة؟!”.