ترجمة: علي زين العابدين برهام
كان سقوط طائرة الهليكوبتر التي كانت تقل إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني السابق، مفاجئا للشخصيات والوجوه السياسية التي كانت تخطط للانتخابات المقبلة. ومع إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في يوليو/تموز 1403، دخل السباق مرشحون سبق أن خاضوا المنافسة في دورات سابقة، بعضهم كلاعبين أساسيين، وآخرون بأدوار هامشية.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الأربعاء 19 فبراير/شباط 2025، تقريرا حول منافسي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في الانتخابات الإيرانية، ومواقعهم قبل وأثناء وبعد الانتخابات.
قاضي زاده، الطالب الهادئ في الصف
ذكرت الوكالة أنه من بين منافسي بزشكيان، يُعد قاضي زاده هاشمي الأكثر هدوءا. هذا الطبيب، الذي ظهر في الانتخابات الرئاسية السابقتين كأنه الطالب المجتهد في المدرسة، لم يثر كثيرا من الجدل، ولم يكن محل استهداف أو انتقاد يُذكر. اليوم أيضا، يجلس بهدوء في زاويته، بعيدا عن الأضواء. ورغم أن توجهه الفكري كان واضحا في الانتخابات، فإن صوته لم يكن مسموعا في ظل شخصيات أكثر حضورا مثل علي رضا زاكاني وسعيد جليلي.
وأضافت أنه خلال حكومة إبراهيم رئيسي، شغل قاضي زاده منصب نائب الرئيس ورئيس مؤسسة الشهيد، وفي خضم الانتخابات، أطلق تصريحات لاذعة ضد سعيد جليلي، مؤكدا أنه لا يمكنه ادعاء أنه امتداد لحكومة رئيسي، وقال حينها: “من كان يضايق الشهيد إبراهيم رئيسي، ولا يؤمن بأفكاره، وكان يعطل الأمور ويرفض التعاون حتى عندما دُعي للمشاركة، لا يمكنه الآن أن يدّعي أنه استمرار لحكومة الشهيد رئيسي، هذا بحد ذاته يدل على وجود تلاعب وعدم صدق”.
وأوضحت أنه عندما انسحب من السباق الرئاسي، لم يذكر جليلي بالاسم، بل اكتفى بالقول إن انسحابه جاء “حفاظا على وحدة قوى الثورة واستجابة لطلب مكتوب من المجلس الأعلى لاجتماع القوى الثورية”.
وتابعت أنه منذ تولي بزشكيان السلطة، كان قاضي زاده قليل الظهور، ولم تصدر عنه سوى مواقف محدودة، من أبرزها تصريح في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قال فيه: “لو كنت رئيس الجمهورية، لأطلقت عشرة أضعاف الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل على إيران”. ورغم أن التصريح حمل بُعدا سياسيا، فإنه بدا أقرب إلى استعراض عسكري لم يؤخذ بجدية في المشهد السياسي، خاصةً أنه لو كان يرى نفسه رئيسا محتملا، لما انسحب قبل أيام قليلة من التصويت.
زاكاني.. هل أصبح مراقبا أم بقي كما هو؟
ذكرت الوكالة أن علي رضا زاكاني يشبه قاضي زاده هاشمي إلى حد ما، لكن بفارق جوهري: عندما لا يلقى قاضي زاده اهتماما، ينسحب بهدوء دون إثارة الجدل، أما زاكاني، فعندما يتجاهله الآخرون، لا يستطيع إلا أن يثير الضوضاء.
وأضافت أنه على مدى أربع دورات متتالية، سجل ترشحه للانتخابات الرئاسية، لكنه استُبعد في 2013 و2017، ثم انسحب في 2021 و2024، وكان انسحابه متوقعا مسبقا في كلتا المرتين.
وتابعت أنه في مناظرات 2021، رفض عبد الناصر همتي الرد على زاكاني، واصفا إياه بأنه مجرد “مرشح غطاء”. أما مسعود بزشكيان، فكان يواجه أسلوب زاكاني الحاد بسخرية، مكتفيا بالابتسام والسؤال: “هل ستبقى حتى النهاية؟”.
وأشارت إلى أنه بعد فوز بزشكيان بالرئاسة، قرر الإبقاء على زاكاني ممثلا له في إدارة الأزمات الاجتماعية في طهران. قد يبدو هذا القرار مفاجئا، لكنه ربما كان خطوة مدروسة، تماما كما تعيّن المدارس أحيانا الطلاب المشاغبين “مراقبين” لضبط النظام في الصف؛ في محاولة لفرض هدوء نسبي في الأجواء.
حكومة الظل أم حجر عثرة أمام الحكومات؟
ذكرت الوكالة أنه بالنسبة لسعيد جليلي، لا شيء تغيّر؛ فالأمور لا تزال تسير على المسار نفسه الذي اختطه لنفسه منذ سنوات. منذ عام 2013، أسس ما سماه “حكومة الظل”، ومؤخرا دافع عن هذا الدور، معتبرا أنه “مستند إلى مبادئ دينية”، حيث قال: “حكومة الظل تعني متابعة مشاكل البلاد خطوة بخطوة. هذا هو جوهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وأضافت أن جليلي يُعرف بأنه أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في فرض العقوبات والضغوط الدولية على إيران، وخلال انتخابات 2024 لم يخرج عن خطابه التقليدي. بيجن نامدار زنكنه، السياسي والوزير السابق، وصفه بأنه العقبة الأساسية أمام الاتفاق النووي و FATF، وصفقة كريسنت النفطية.
وأردفت أنه حتى مصطفى بور محمدي، أحد المرشحين في انتخابات 2024، أشار إلى أن معارضة جليلي لـFATF لم تكن بالضرورة لأسباب مبدئية، بل لأنه لم يكن مقتنعا بحكومة حسن روحاني. لكن وفقا لرواية قاضي زاده هاشمي، فإن جليلي لم يقتصر على معارضة حكومة روحاني، بل كان أيضا عنصر إعاقة داخل حكومة رئيسي نفسها.
وأشارت إلى أن جليلي إلى جانب ذلك، أثار الجدل مؤخرا بتشكيكه في صحة قرار المجلس الأعلى للأمن القومي بتعليق تنفيذ قانون الحجاب، ما أدى إلى انتشار تكهنات وشائعات. وفي الوقت نفسه، يواصل المقربون منه البحث عن أي فرصة لمهاجمة حكومة بزشكيان، بينما تلجأ بعض الجماعات المؤيدة له بين الحين والآخر إلى الضغط عبر تحركات في الشارع.
حركات قالیباف المتعرجة تجاه الحكومة
ذكرت الوكالة أن محمد باقر قالیباف كان أحد أبرز مرشحي التيار الأصولي في انتخابات 2024، وعلى الرغم من خسارته، فإنه نجح في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للبرلمان، مواصلا دوره في مراكز السلطة.
وأضافت أن البعض يرى أن قالیباف بدأ تدريجيا بالابتعاد عن التيار الأصولي المتشدد، لكنه لا يلبث أن يعود إليه في لحظات معينة. أحد أبرز الأمثلة على ذلك كان الجدل حول تعيين محمد جواد ظريف في حكومة بزشكيان.
وأوضحت أنه على الرغم من تأييده موقف مهدي فضائلي عضو مكتب حفظ ونشر أعمال المرشد الإيراني علي خامنئي، بشأن تعديل قانون الجنسية القسرية، مما عُدّ معارضة للمتشددين، إلا أنه في اليوم نفسه وصف تعيين ظريف في الحكومة بأنه غير قانوني، في خطوة فُسرت على أنها تودد مجدد للتيار المتشدد.
وتابعت أنه من ناحية أخرى، تشير بعض التقارير إلى أن هناك شخصيات محسوبة على قالیباف تم تعيينها في حكومة بزشكيان، بما في ذلك مناصب مثل وزارة الرياضة ووزارة الداخلية، وهو ما أثار استياء بعض أنصار بزشكيان نفسه.
وأشارت إلى أنه عند النظر إلى هذه التحركات المتناقضة، يتضح أن موقف بزشكيان من شخصيات ذات مواقف صريحة مثل سعيد جليلي أكثر وضوحا، مقارنة بتعامله مع قالیباف، الذي يتأرجح بين دعم الحكومة حينا، والاقتراب من المتشددين حينا آخر.
بور محمدي… إلى أي منصب يتطلع؟
ذكرت الوكالة أن مصطفى بور محمدي كان أحد مرشحي انتخابات 2024، ورغم كونه الأمين العام لـ”جمعية رجال الدين المقاتلين”، فإنه حرص على البقاء خارج التصنيفات التقليدية؛ فلم يصطف مع الأصوليين، ولم يسع للتقارب مع المعتدلين أو الإصلاحيين، لكنه بعد الانتخابات، أعلن دعمه لحكومة بزشكيان، بل وترددت شائعات قبل تشكيل الحكومة حول احتمال تعيينه وزيرا للداخلية.
وأضافت أنه في الأشهر الأخيرة، زاد ظهور بور محمدي في وسائل الإعلام، مما عزز التكهنات بأن تحركاته ليست عشوائية، بل جزء من استراتيجية محسوبة لهدف سياسي واضح. وقد لمح هو نفسه إلى ذلك في مقابلة حديثة، لكنه لم يحدد صراحة المنصب الذي يسعى إليه.
وأشارت إلى قوله عن ترشحه في انتخابات 2024: “منذ البداية كنت أعلم أنني لن أفوز، لأن المجتمع حسم خياراته السياسية مسبقا، لكنني واصلت السباق رغم الضغوط للانسحاب، حتى لا يُفسر ذلك على أنه محاولة للحصول على منصب، واليوم، هناك موجة فكرية جديدة في إيران، وإذا أمكنني، سأعمل على استمرارها”.