كتبت أسماء شاكر
يُعتبر ميناء تشابهار في جنوب إيران من أهم الطرق الاستراتيجية والسهلة لستة بلدان محاطة بالكامل بالبر في وسط آسيا، وهم: أفغانستان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان، حتى يتصلوا بالمياه.
كذلك فإن ميناء تشابهار يمثل حلقة وصل بين الهند وهذه الطرق التجارية التي تساعدها في التواصل التجاري مع أوروبا وجنوب القوقاز. ولذلك فقد عقدت الهند صفقة مع إيران للمشاركة في ميناء تشابهار.
صفقة معقودة اللسان
وفقاً لتقرير نشرته شبكة شرق الإخبارية الإيرانية الاثنين 26 أغسطس /آب 2024 فلقد أدى اشتعال حربين بين إسرائيل وغزة وبين روسيا وأوكرانيا إلى قلب العديد من موازين ممرات العبور في العالم. فالهند التي أبقت على ميناء تشابهار معلقًا حتى الآن، وسعت إلى إنشاء ممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بمساعدة الكتلة الغربية والدول العربية في الخليج العربي، اضطرت إلى التنازل عن هذا الميناء في الوقت الحالي بعد اندلاع الحرب في الشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى، تحاول باكستان، منافس الهند منذ فترة طويلة، تعزيز موطئ قدمها في جنوب القوقاز، في حين أن الهند لا زالت متنبهة لهذه القضية. وقد جعل هذا الموقف ميناء تشابهار مهمًا مرة أخرى بالنسبة للهند. ففي إبريل/ نيسان من هذا العام، وقع الهنود اتفاقية أخرى لمدة 10 سنوات للشراكة في ميناء تشابهار، لكن خرقهم للاتفاقية في العقد السابق جعل إيران تنظر إلى هذا العقد وعواقبه بريبة.
ففي غضون ذلك، يبدو أن الهنود ليس لديهم رغبة كبيرة في توضيح موقفهم الصامت من ميناء تشابهار. هذا حدث غريب ليس له إجابة واضحة من وجهة نظر المحللين في الدبلوماسية الاقتصادية.
المماطلة في تشابهار
في عام 2015، وبعد توقيع الاتفاق النووي، دخلت الهند ميناء تشابهار، ووافقت هذه الدولة على بناء رصيف في ميناء تشابهار باستثمارات بلغت 85 مليون دولار واستيراد المعدات اللازمة. في ذلك الوقت، قيل إن إيران والهند اتفقتا على بناء خط سكة حديد تشابهار وزاهدان على الجانب الخلفي للميناء، لكن هذه الاتفاقات لم تتحقق وأرجأت الهند بدء العمل في ميناء تشابهار.
بعد ذلك، في إبريل/ نيسان 2018، عندما انسحب دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، من الاتفاق النووي، زاد حضور الهند في ميناء تشابهار، وبعد عامين تقريبًا، وردت أنباء تفيد بأن الولايات المتحدة منحت إعفاءً من العقوبات لميناء تشابهار وأن الهند يمكنها نقل القمح الخاص بها إلى أفغانستان عبر هذا الميناء. ولم يحقق إعفاء ميناء تشابهار من العقوبات أكثر من هذا حتى أُعلن في إبريل/ نيسان من هذا العام أن إيران والهند وقعتا عقداً مدته 10 سنوات لتجهيز وتشغيل ميناء شهيد بهشتي في تشابهار؛ وقيمته 370 مليون دولار، بحسب وزارة الطرق والتنمية الحضرية الإيرانية، وسيتم إنفاق 120 مليون دولار من هذا الرقم على توفير معدات الموانئ و250 مليون دولار على البنية التحتية للنقل في تشابهار.
ومع ذلك، لا يزال الإعلام والمحللون الإيرانيون متشككين في النشاط الجاد للهند في ميناء تشابهار. ويوضحون أن البلاد كانت في موقف مربك طوال هذه السنوات؛ فمن ناحية، يعتبر ميناء تشابهار منطقة ذهبية للهند للوصول إلى جنوب القوقاز وأوروبا، وبعد تهميش ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا، أصبح ميناء تشابهار البديل الأكثر أهمية للهند للوصول إلى أوروبا، ومن ناحية أخرى، أبقت هذه الدولة ميناء تشابهار معلقاً طيلة العقد الماضي.
تشابهار ورقة رابحة للهند:
قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وغزة مباشرة، كان المعسكر الغربي إلى جانب الهند والدول العربية يُفكر في إنشاء ممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وعلى النقيض من الإعلان السابق، لم تكتفِ أمريكا بعدم مغادرة الشرق الأوسط، بل قررت في منافسة مع الصين وطريق الحرير، الكشف عن ممر يربط الهند بالشرق الأوسط والشرق الأوسط بأوروبا. بدأ مشروع ضخم لنقل الطاقة والغذاء من الهند ومر عبر الدول العربية في الخليج الفارسي ودخل أخيراً بوابة أوروبا بالاتصال بإسرائيل وتركيا. من ناحية أخرى، أصبحت الصين، التي تُعَدّ أكبر مستورد للطاقة، مرتبطة بشكل بارز هذه الأيام بطريق الطاقة في الشرق الأوسط ووقعت عقوداً كبيرة مع الدول العربية. وكانت الصين قد استثمرت في السابق بشكل كبير في النقل عبر الأراضي الباكستانية وميناء جوادر، وهو منافس قديم لميناء تشابهار الإيراني. لكن هذه المعادلة لم تدم طويلاً ومع اشتعال حرب إسرائيل وغزة وانعدام الأمن في البحر الأحمر مع الهجمات الانتقامية للحوثيين في اليمن، تم تهميش ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
من ناحية أخرى، أبدت يريفان ونيودلهي اهتمامهما بتنفيذ ممر العبور “الخليج الفارسي – البحر الأسود”. وهو الممر الذي يمكن أن يربط الهند عبر ميناء تشابهار الإيراني بأرمينيا وجورجيا والبحر الأسود ومن ثم إلى السوق الأوروبية. وهو الطريق الذي يُعتبر طريقاً بديلاً وآمناً لعبور الهند بسبب التوترات المتزايدة في مضيق باب المندب وقناة السويس.
لا خيار أمام إيران أفضل من الهند:
من ناحية أخرى، يبدو أن إيران ليس لديها شريك أفضل من الهند في ميناء تشابهار، فقد استثمر الصينيون في ميناء جوادر الباكستاني، ومن ناحية أخرى، تعد الصين حالياً المشتري الرئيسي للنفط الإيراني، وقد يكون من الأفضل لإيران ألا تضع كل بيضها في سلة الصين وتتعاون مع الهند في ميناء تشابهار.
ورغم أن وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار صرح لصحيفة “شرق” إن إيران والهند لديهما تاريخ من الشراكة الطويلة والخالية من التوتر مع بعضهما البعض ومن المهم لهذا البلد أن يكون له حضور طويل الأمد في ميناء تشابهار، إلا أن وزارة الموانئ والشحن والممرات المائية الهندية قالت إن الهند ليس لديها اتفاق مع إيران لبناء خط سكة حديد في الضفة الخلفية لميناء تشابهار، ولم توضح سبب تأخر الهند في ميناء تشابهار وتربطه بشكل غامض بمشاكل استراتيجية.