كتبت: لمياء شرف
التاريخ السياسي للحجاب في إيران يعكس التحولات الكبيرة التي شهدتها إيران عبر العقود الماضية، خاصة في ما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة وتوجهات الحكم. تحول هذا الوشاح الذي تغطي به النساء المسلمات رأسهن من رمزي ديني لرمز سياسي.
تعهد الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، بألا تتعرض شرطة الأخلاق للنساء، خاصة في ما يتعلق بارتداء الحجاب، الذي يعد أمرا إلزاميا يفرض على الإناث في إيران.
وكان بزشكيان قد وعد خلال حملته الانتخابية، بأن يسحب من الشوارع عناصر شرطة الأخلاق، التي تشرف على الالتزام ببعض القوانين الاجتماعية في البلاد، وفي مقدمها الحجاب الإلزامي لكل النساء.
بزشكيان: “حتى المدعي العام أعلن أن عناصر شرطة الأخلاق ليست لديهم الصلاحية لمواجهة النساء في الشارع”، وفق صحيفة “تلغراف” البريطانية.
ما زال الشارع الأيراني لم ير تغيرا واضحا بشأن سلطوية “شرطة الأخلاق” على النساء.
مهسا أميني
الشارع الإيراني المعارض تأثر بحادثة مقتل الشابة مهسا أميني التي مرت الذكرى السنوية الثانية لوفاتها في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي قضت في أحد مراكز توقيف شرطة الأخلاق عقب اعتقالها في طهران بحجة عدم التزامها بارتداء الحجاب.
وأسفر مقتل أميني عن خروج احتجاجات عارمة في مختلف أنحاء إيران، والتي قُتل فيها المئات، كما جرى توقيف الآلاف على هامش التحركات التي اعتبرتها طهران “أعمال شغب مدعومة من أطراف غربية”، حسب وكالة فرانس برس.
توفيت أميني (22 عاما) في 16 سبتمبر/أيلول 2022 بالمستشفى بعد اعتقالها من قبل شرطة الآداب في البلاد بزعم عدم ارتدائها الحجاب حسب القوانين المفروضة.
وبدأت الاحتجاجات التي أعقبت وفاة أميني أولا بهتاف “النساء، الحياة، الحرية”. ومع ذلك، سرعان ما تحولت صرخات المحتجين إلى دعوات مفتوحة للثورة ضد خامنئي.
أحرقت النساء خلال التظاهرات أغطية رؤوسهن، أو نزعنها ولوّحن بها في الهواء خلال المظاهرات التي عمّت البلاد؛ احتجاجا على المؤسسة الدينية، وأفادت تقارير بأن مئات الأشخاص قُتلوا خلالها في حملة قمع شنّتها قوات الأمن.
بعد عام واحد من اندلاع هذه التظاهرات ومقتل مهسا أميني، أقر البرلمان الإيراني مشروع قانون مثير للجدل سيزيد عقوبة السجن والغرامة على النساء والفتيات اللاتي يخالفن قواعد اللباس الصارمة.
تواجه النساء والفتيات فوق سن البلوغ، واللاتي لا يرتدين غطاء للشعر وملابس طويلة وفضفاضة “غير لائقة”، عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات بموجب مشروع القانون، الذي وافقت السلطات على “تجربته” لثلاث سنوات.
وبعد أن تمت الموافقة على القانون بالأغلبية ووفقا لقانون العقوبات، أقر البرلمان عقوبة السجن لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وغرامة تتراوح بين 180 مليونا و360 مليون ريال (أي ما يعادل 3651-7302 دولار).
قالت ميراز على لـ”زاد إيران” إنها غادرت إيران وجاءت إلى بريطانيا كلاجئة؛ خوفا من إيقافها وممارسة ضغوط قانونية ضدها من قبل شرطة الأخلاق، مؤكدةً أن النظام في إيران يسعى إلى فرض قيود وإسكات النساء سياسيا، والحجاب من ضمن تلك القيود.
وأشارت إلى أن “المعارضة في إيران لا تقاتل من أجل إلغاء الحجاب بشكل عام، فقضيتنا كمعارضة ليست مجرد مشكلة نسائية، نحن لا نريد هذا النظام العنصري بأي حال”.
وقالت: “لقد غادرت إيران؛ لأنني أؤمن بأن بلدي تم تدميره بواسطة حكومة عنصرية”، مؤكدةً أن طريق الإصلاح والمقاومة صعب بالعقوبات التي يفرضها القانون من سجن لسنوات وإعدامات قاسية لا يمكنني مجابهته”.
تلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان معلومات تفيد بأن رجال شرطة يرتدون الزي الرسمي وملابس مدنية في إيران يقومون بحملة قمع عنيفة في جميع أنحاء البلاد ضد النساء والفتيات بموجب قوانين الحجاب الصارمة، وكذلك ضد الرجال الذين يدعمونهن.
وأفاد جيريمي لورانس، المتحدث باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في مؤتمر صحفي في جنيف، بأن المفوضية تلقت تقارير عن عمليات اعتقال ومضايقة واسعة النطاق للنساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمار العديد منهن بين 15 و17 عاما.
وقال إن قائد الحرس الثوري الإسلامي في طهران قد أعلن عن إنشاء هيئة جديدة لإنفاذ قوانين الحجاب الإلزامية الحالية، وإنه تم تدريب أعضاء الحرس الثوري الإيراني على القيام بذلك “بطريقة أكثر جدية” في الأماكن العامة.
وتشير التقارير إلى أن المئات من الأعمال قد تم إغلاقها قسرا لعدم تطبيق قوانين الحجاب الإلزامي، ويتم استخدام كاميرات المراقبة لتحديد السائقات اللاتي لا يلتزمن بالقوانين.
أنواع الحجاب
الحجاب ينقسم في إيران حسب القانون إلى نوعين “العرفي” الذي يُصنف على أنه حجاب غير شرعي، ينقسم في الدراسات الاجتماعية الإيرانية إلى: “الحجاب السيئ المقبول”، و”الحجاب السيئ غير المقبول”.
النوع الأول هو الأكثر انتشارا في إيران اليوم، فوفقا لآخر إحصائية رسمية نشرها مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني في يوليو/تموز 2018، فإن 60-70% من الإيرانيات يرتدين الحجاب العرفي، وأكثرهنّ يلبسن النوع الأول، بحيث يظهر جزء من شعر الرأس ولباسهن غير فضفاض.
في حين يُصنّف حجاب 10-15% من مرتديات الحجاب العرفي على أنه “سيئ غير مقبول”، ويعتبر خادشا للحياء العام، وفيه تكشف المرأة جزءا كبيرا من شعرها، وتضع مساحيق تجميل بشكل لافت.
مراحل قانون الحجاب
قبل الثورة الإسلامية خلال حكم رضا شاه،كانت هناك جهود مكثفة لتحديث إيران، وكان جزء من هذه الجهود محاولة تقليص النفوذ الديني في الحياة العامة.
أصدر رضا شاه مرسوما عرف بـ”كشف الحجاب”، وهو قانون يفرض خلع الحجاب عن النساء في الأماكن العامة. هذه الخطوة كانت جزءا من سياسة أكبر تهدف إلى تقليد النموذج الغربي، وشملت أيضا فرض الملابس الغربية على الرجال.
أثار هذا القانون غضبا واسعا بين قطاعات من المجتمع الإيراني المتدينة، واعتُبر تعديا على القيم الدينية والتقاليد. كان تطبيق هذا القانون مصحوبا باستخدام القوة من قبل السلطات، مما أدى إلى استياء كبير، خاصة في الأرياف والمناطق المحافظة.
اتبع ابنه محمد رضا شاه سياسة أقل تشددا تجاه الحجاب. لم يكن هناك قانون يلزم بخلع الحجاب، لكنه لم يكن مسموحا بارتدائه في المؤسسات الحكومية والمدارس.
الثورة الإسلامية بقيادة “آية الله روح الله الخميني”، فرضت الحجاب كقانون إلزامي في عام 1981، حيث أصبح الحجاب رمزا لهوية الجمهورية الإسلامية.
الحجاب لغير المسلمين
فرضت الحكومة الإيرانية الحجاب الإلزامي على جميع النساء، سواء كن مسلمات أو من أقليات دينية أخرى. تم تكوين “شرطة الأخلاق” للإشراف على تطبيق القانون، وكانت هناك عقوبات صارمة لمن لا يلتزم بالقانون، وضمن ذلك الغرامات والسجن.
في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، كان تطبيق قانون الحجاب صارما للغاية، ومع مرور الوقت، شهدت إيران بعض الانفتاح النسبي، حيث أصبحت بعض النساء يرتدين الحجاب بشكل أقل تقيدا.
التغيرات السياسية والتفاوت في الحكم بين التيار الإصلاحي والمحافظ كان لها دور في هذا الانفتاح، تفاوت شرطة الأخلاق في صرامة تطبيق قوانين الحجاب.
في السنوات الأخيرة، ازداد تحدي النساء لقوانين الحجاب الإلزامي، مما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات، خصوصا في المدن الكبرى.
الأوضاع الحالية
في العقدين الأخيرين، برزت حركات احتجاجية نسائية مثل “الأربعاء الأبيض” و”بنات شارع الثورة” التي تتحدى علنا قوانين الحجاب. هذه الحركات اكتسبت زخما عالميا وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
مع تصاعد الاحتجاجات، تعاملت الحكومة معها مرات بعنف وشددت القوانين والعقوبات، وفي أحيان أخرى قدمت الحكومة بعض التنازلات المحدودة.
مع ذلك، لا يزال الحجاب الإلزامي موضوعا حساسا ومحل جدل كبير داخل المجتمع الإيراني، ويظل الحجاب في إيران محور النقاشات حول الهوية الوطنية والحرية الشخصية بالبلاد.