كتب: محمد بركات
تعد قضية الإنجاب من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الإيراني بالوقت الحالي، في ظل هذه الأزمة، قدمت الحكومة الإيرانية عدة إجراءات لدعم الأسر وتشجيع الإنجاب، مثل تخصيص قروض الزواج وقروض الولادة كأدوات لتخفيف الأعباء المالية عن الأزواج الجدد والأسر التي لديها أطفال حديثو الولادة.
فقد صرح حميد بور محمدي، رئيس منظمة التخطيط والميزانية الإيرانية، على هامش اجتماع مجلس الوزراء الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني 2025، مشيرا إلى شائعات خفض حصة قروض الزواج في ميزانية العام الجديد، قائلا: “لم يتم تخفيض ميزانية قروض الزواج، بل لقد توصل البنك المركزي والبرلمان إلى اتفاق بشأن تخصيص 2750 تريليون ريال إيراني، ما يعادل 3.2 مليار دولار أمريكا، كقروض حسنة لتشجيع الزواج والإنجاب في المجتمع”.
ما هي قروض الزواج والإنجاب؟
في إطار سياستها لزيادة النسل، قدمت الحكومة الإيرانية مجموعة مختلفة من القروض لتشجيع الشباب على الزواج وتخفيف أعباء ومصاريف الأطفال حديثي الولادة، فقدمت قرض الزواج كأداة لمساعدة الشباب على بناء حياتهم الزوجية وتخفيف عبء التكاليف المرتبطة بالزواج، مثل المهور، والحفلات، والسكن.
ويتم تقديم القرض عن طريق البنك المركزي الإيراني وتحت إشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ويتراوح المبلغ المخصص لهذا القرض وفقا لعدة عوامل، منها الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد. في السنوات الأخيرة، تم تخصيص مبلغ 2000 ألف مليار ريال إيراني، ما يعادل 2.8 مليار دولار أمريكي، كميزانية لهذا القرض في الموازنة العامة للدولة.
كذلك، فهناك شروط للحصول على قرض الزواج، أبرزها أن لا تقل سن المتقدم للطلب عن 13 عاما ولا تزيد على 50 عاما، إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هذا الزواج هو الأول لهما، ويتم تقديم القرض بدون فوائد لمرة واحدة لكل شخص وبشكل منفصل، ويجب سداده على فترة طويلة تصل إلى عشر سنوات، مما يخفف من العبء المالي على المتزوجين الجدد.
كذلك يوجد قرض الإنجاب، ويستهدف هذا القرض الأسر التي لديها أطفال جدد؛ في محاولة لتغطية بعض التكاليف التي قد تنشأ نتيجة للمولود الجديد، مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والاحتياجات الأساسية الأخرى.
ويتم منح قرض الإنجاب للأسر التي يكون لديها مولود جديد خلال العام، ومع تزايد التحديات الاقتصادية في البلاد، مثل التضخم المرتفع وارتفاع تكلفة المعيشة، يعاني العديد من المواطنين من صعوبة في تلبية احتياجات أسرهم. لذلك، تأتي هذه القروض لتخفيف جزء من هذه العبء. القرض يقدم بدون فوائد أيضا، ويتم سداده على فترة زمنية تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
ورغم أن هذه القروض تقدم دعما مباشرا للمواطنين، فإن هناك بعض التحديات المرتبطة بها، أبرزها تأخر بعض المواطنين في الحصول على هذه القروض بسبب الإجراءات البيروقراطية المعقدة أو نقص التمويل، حيث صرح أحمد دنيا مالي، وزير الشباب والرياضة الإيراني، الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2025، بأن عدد المتقدمين في قائمة الانتظار للحصول على قرض الزواج وصل إلى 420 ألف شخص، وهو عدد كبير للغاية.
إضافة إلى ذلك، يشكو البعض من أن المبالغ المخصصة للقروض ليست كافية لتغطية التكاليف الحقيقية للزواج أو تربية الأطفال، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
أزمة الأنجاب في المجتمع الإيراني
يأتي القرار الأخير بزيادة قرض الزواج في إطار محاولات الحكومة لزيادة نسب المواليد، حيث تعد قضية الإنجاب أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع الإيراني في العصر الحديث، فمع تزايد معدل الشيخوخة في البلاد، يشهد المجتمع الإيراني انخفاضا ملحوظا في معدلات الإنجاب، وهو ما يثير القلق بشأن المستقبل الديموغرافي والاقتصادي للبلاد. في الوقت الذي تتصاعد فيه معدلات السكان كبار السن، تعاني البلاد من تراجع في أعداد الشباب؛ وذلك لأسباب، على رأسها الهجرة، وهو ما يهدد التوازن السكاني والنمو الاقتصادي.
ففي السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات والإحصاءات انخفاضا حادا في معدل الخصوبة بإيران، فوفقا للبيانات الرسمية، فقد انخفض معدل المواليد بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين، حيث بلغ متوسط عدد الأطفال لكل امرأة إيرانية 1.9 طفل، وهو ما يقل عن المعدل الضروري لاستبدال الأجيال، الذي يقدر بـ2.1 طفل. هذا التراجع في الخصوبة يعكس تحولا في توجهات الأسر الإيرانية نحو تأجيل الزواج أو تجنب الإنجاب، وهو ما يعد مؤشرا على تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية.
ومن بين الأسباب الرئيسية لانخفاض معدلات الإنجاب في إيران، التحديات الاقتصادية التي يعاني منها الشباب الإيراني، فارتفاع تكاليف الحياة، خاصةً تكاليف السكن والتعليم، يزيد من صعوبة تأسيس أسرة جديدة، كما أن البطالة بين الشباب، وعدم الاستقرار المالي، يشكلان ضغوطا إضافية على الأزواج الذين قد يرغبون في إنجاب الأطفال، لكنهم يترددون بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
إضافة إلى ذلك، هناك تأثيرات ثقافية واجتماعية، حيث أصبح عديد من الشباب يفضلون التركيز على التعليم والمهنية قبل تأسيس أسرة. وتسهم وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في ترويج أسلوب حياة يركز على الفردية والمهن، ما يؤدي إلى تأجيل الزواج أو حتى تفاديه.
ولمواجهة هذه الأزمة، أعلنت الحكومة الإيرانية عن عدد من المبادرات لدعم الأسر وتشجيع الإنجاب. فقد تم تخصيص ميزانية ضخمة لدعم قرض الزواج وقرض الولادة، إضافة إلى تقديم حوافز مالية للأزواج الذين يقررون الإنجاب، كما تم الإعلان عن تقديم تسهيلات في تكاليف التعليم والصحة للأطفال، وتحسين ظروف الإسكان للشباب.
ورغم هذه المبادرات، فإن كثيرا من الخبراء يعتقدون أن هذه السياسات قد لا تكون كافية لحل الأزمة، حيث إن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية العميقة تتطلب تدابير أكثر شمولية وطويلة الأمد. إضافة إلى ذلك، هناك حاجة لتغيير التصورات الاجتماعية حول الزواج والإنجاب، من خلال حملات توعية وتثقيف تركز على أهمية الأسرة ودورها في المجتمع.