كتبت – هدير محمود
سارا فاغن كنشت هي سياسية ألمانية بارزة، معروفة بمواقفها المثيرة للجدل. كانت عضواً في حزب اليسار الألماني (دي لينكه)، لكنها اختلفت مع قادته بشأن قضايا مثل العقوبات على روسيا والهجرة، وأسست حزباً جديداً في يناير/كانون الثاني 2024، واستطاع الحزب تحقيق نجاح كبير في الانتخابات الإقليمية بشرق ألمانيا؛ حيث حصل على 16% من الأصوات في تورينغن و12% من الأصوات في ساكسونيا على الرغم من حداثة تأسيسه.
نشأة سارا فاغن كنشت
وُلِدَت في عام 1969 من أم ألمانية وأب إيراني، جاءت إلى برلين الغربية للدراسة ثم عاد والدها إلى إيران عندما كان عمرها ثلاث سنوات، فنشأت مع جدها بقرية صغيرة في تورينغن بألمانيا الشرقية، وطالما كانت تتعرض لـ”إهانات” ومضايقات بسبب والدها الإيراني وشعرها الأسود وبشرتها السمراء.
يقول مراسل صحيفة نيويورك تايمز، ستيفن إيرلانجر، الذي زار ألمانيا الشرقية قبل الانتخابات المحلية وأجرى مقابلة معها، إنها اختارت التزام الصمت وعدم التعليق عندما سئلت عما إذا كانت قد بحثت عن والدها. لكن في عام 2009، عندما دخلت البرلمان الألماني لأول مرة، كتبت اسمها رسمياً بدلاً من “زارا” بالإملاء الألماني، بصيغته الإيرانية “زهرا”.
في وسائل الإعلام الفارسية يُكتب اسمها زهرا، لكن النطق الأكثر شيوعاً لاسمها في ألمانيا هو زارا وأحياناً سارا.
وفي عام 2007، في مقدمة المقابلة مع السيدة فاغنكنشت، كتبت مجلة “نامه مردم” التابعة لحزب توده الإيراني، أنها لا تريد التحدث عن اسم “زهراء”. ووفقاً لهذه المجلة، فإن السيدة فاغن كنيشت تعرف كلمات محدودة باللغة الفارسية.
الحياة السياسية لسارا فاغنكنيشت
بدأت ” سارا فاغن کنشت” حياتها السياسية في سن 19 عاماً، وانضمت إلى الحزب الشيوعي قبل أشهر قليلة من سقوط جدار برلين. وهو الجدار الذي قسم مدينة برلين الألمانية إلى شطرين شرقي شيوعي تحت نفوذ الاتحاد السوفييتي، وغربي ليبرالي تحت وصاية بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
وكانت أطروحة تخرجها بدرجة البكالوريوس حول تفسيرات كارل ماركس لأفكار هيغل، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، بعد سقوط جدار برلين.
بدأت نشاطها السياسي مع الأحزاب اليسارية، فأصبحت عضواً في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، ومن خلاله دخلت البرلمان الأوروبي في عام 2004، وبعد اندماج الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني مع حزب العمال والعدالة الاجتماعية وتشكيل حزب اليسار (دي لينكه)، انضمت إلى الحزب الجديد .
كانت تنوي أن تكون نائباً لرئيس حزب اليسار الألماني، لكنها تراجعت عن ذلك بسبب خلافات مع قادة الحزب. في عام 2009، نجحت في دخول البرلمان الألماني (البوندستاغ)، وأصبحت المتحدث باسم حزب اليسار في البرلمان. وفي عام 2010، حققت رغبتها وتمكنت من أن تصبح نائب رئيس حزب اليسار بأكثر من 75% من الأصوات وبشعبية كبيرة داخل الحزب.
استمرت خلافاتها مع قادة حزب اليسار حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى قررت الانفصال عنهم، وصرحت عند انفصالها بأنه “إذا استمر الوضع على هذا النحو، فلن تكون ألمانيا قابلة للتعرف عليها بعد 10 سنوات”.
ومع زيادة شعبيتها تدريجياً في شرق ألمانيا وتدرجها في المناصب، أسست حزبها في يناير/كانون الثاني 2024. وأصبحت الآن زعيمة حزب تم إنشاؤه حديثاً تحت اسمها: “تحالف سارا فاغنكنيشت”.
زوجها “أوسكار لافونتين”، سياسي ألماني يبلغ من العمر 81 عاماً، وكان سابقاً الأمين العام لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين الألماني، ووزيراً للمالية. وكما هو الحال مع زوجته، يعدّ من أبرز المنتقدين لحزب اليسار الذي أعلن انفصاله عنه في عام 2022؛ احتجاجاً على أدائه.
سارا فاغن كنشت معروفة في ألمانيا بأنها سياسية مثيرة للجدل، لم تجد مكاناً لها في أي حزب سوى الحزب الذي أسسته بنفسها.
تعتقد أن الناس قد انصرفوا عن الأحزاب الرئيسية لليسار الألماني؛ لأنها لا تتبع رغباتهم الحقيقية، وتسعى هي إلى مزج السياسات اليمينية واليسارية لجذب تأييد أكبر عدد من الناس.
وتُعرف بأنها سياسية شعبوية تتبنى سياسات اقتصادية يسارية مثل المساواة، وتقليل الفجوة الطبقية، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وسياسات أخرى يمينية مثل معارضة الهجرة ومساعدة أوكرانيا.
ينتقدها البعض باتهامها بالتعاطف مع روسيا، لكنها قالت رداً على ذلك إنها لا تثق بفلاديمير بوتين، رئيس روسيا، لكنها تتفهم معارضته لتوسع الناتو شرقاً، وذكرت أنها تؤمن بأن الناتو بدلاً من أن يجلب السلام، قد أشعل فتيل الحرب، وترى أنه لا توجد طريقة لإنقاذ الأرواح في الحرب سوى لغة الحوار.
أحد أسباب خلافها مع قادة الحزب اليساري “دي لينكه” بألمانيا كان حول مسألة فرض العقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا، فهي تعارض فرض العقوبات على روسيا، وتدعو إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة في الدبلوماسية الخارجية.
وعلى الرغم من انتمائها إلى اليسار السياسي، تتوافق بعض آرائها مع الحزب الأكثر يمينية في ألمانيا، مثل معارضتها القوية لاستقبال المهاجرين ومعارضتها لإرسال الأسلحة والمساعدات إلى أوكرانيا، مما يجعلها عرضة للهجوم من مجموعات تصف نفسها بأنها ضد الفاشية.
يصفها منتقدوها بالمعادية للمهاجرين، وقد تصاعدت سياساتها المناهضة للهجرة في عام 2015 مع دخول ألمانيا نحو مليون لاجئ من جنسيات مختلفة معظمهم سوريون، مما عمق خلافها مع حزب اليسار.
وفي مقابلة مع “دويتشه فيله” الألمانية في يونيو/حزيران 2017، أكدت أنه ليس بمقدور ألمانيا استيعاب عدد غير محدود من اللاجئين، وجلب عليها موقفها هذا النقد حتى في صفوف حزبها.
أيضاً لديها اختلافات كبيرة مع الأحزاب اليمينية، على سبيل المثال، عكس حزب اليمين المتشدد “البديل من أجل ألمانيا”، فهي تعارض الخروج من الناتو والاتحاد الأوروبي وتدافع بقوة عن المبادئ الديمقراطية، وضمن ذلك حرية التعبير. كان لدى حزب اتحاد سارا فاغنكنيشت نحو مليون وخمسمائة ألف دولار في صندوقه وقت التأسيس، وهو ما زاد على الأرجح خلال انتخابات الاتحاد الأوروبي، ومن ثم انتخابات الولايات (الإقليمية)، لكن التجربة في ألمانيا أظهرت على مدار التاريخ، أن الأحزاب التي تعتمد على الأفراد ليست لديها حظوظ كبيرة في النجاح، مثل الحزب الذي أسسه قاضٍ ألماني يدعى رونالد شيل عام 2000.