كتب: محمد بركات
تظهر أزمة محمد جواد ظريف مع التيارات الأصولية الإيرانية رحلة طويلة من التوترات السياسية التي تعود جذورها إلى ما قبل حكومة حسن روحاني والاتفاق النووي في عام 2015، فمنذ توليه مناصب دبلوماسية بارزة في عهد حكومة الإصلاحات وحتى عودته إلى المشهد السياسي كوزير للخارجية، كان ظريف هدفاً للانتقادات من مختلف التيارات الأصولية، التي اتهمته بالانحياز للغرب والتخلي عن المبادئ الثورية. ومع تصاعد الصراع السياسي الداخلي، أصبح ظريف رمزاً للجدل بين الإصلاحيين والمحافظين، حيث تتشابك المصالح السياسية والأيديولوجية لتشكيل ملامح هذه الأزمة المستمرة التي بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة.
أزمة ظريف من البداية إلى النهاية
إن أزمة ظريف مع التيارات الأصولية ليست وليدة البارحة، على الرغم من أن الكثيرين يعتبرون أن جذور التيارات المعادية لظريف تعود إلى حكومة حسن روحاني والاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015، إلا أن العداء له يعود إلى فترات سابقة، حتى في عهد حكومة الإصلاح وقبلها في عهد هاشمي رفسنجاني، فهذه الأزمة جاءت نتيجة تراكمات تاريخية وسياسية تعود إلى فترات مختلفة، بدءاً من عمله في وزارة الخارجية في التسعينيات، مروراً بدوره في المفاوضات التي أسفرت عن الاتفاق النووي في العام 2015، وصولاً إلى تعيينه كنائب للشئون الاستراتيجية للرئيس الإيراني.
ففي عهد حكومة محمد خاتمي، في الفترة بين 1997 و2005، عمل ظريف كدبلوماسي في وزارة الخارجية، وتولى مناصب مهمة، بما في ذلك منصب المندوب الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة.
وخلال هذه الفترة، اتهمته الصحف الأصولية، وخاصة صحيفة كيهان، بالانتماء إلى ما سمته حينها عصابة نيويورك، وهي مجموعة من الدبلوماسيين المتهمين بالعمل لصالح المصالح الغربية دون تنسيق كافٍ مع السلطات الإيرانية، هذه الاتهامات أدت إلى تشويه سمعته في أوساط التيار الأصولي، الذي رأى في سياساته الخارجية انحرافًا عن المبادئ الثورية.
ومع صعود محمود أحمدي نجاد إلى السلطة في العام 2005، شهدت السياسة الخارجية الإيرانية تحولاً نحو المواقف المتشددة، مما أدى إلى إبعاد ظريف عن المناصب الرسمية، ففي عام 2007، تم إبعاد ظريف من منصبه كمندوب دائم لإيران لدى الأمم المتحدة، وتم إجباره على التقاعد المبكر، هذا في حين أن ظريف نفسه أكد لاحقاً أنه قدم استقالته.
وحينها اعتبر التيار الأصولي إبعاد ظريف انتصاراً لما سماه السياسات المقاومة ضد الغرب، بينما رأى الإصلاحيون أن هذه الخطوة كانت جزءاً من حملة لتهميش الكفاءات الوطنية.
ومع انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران في العام 2013، عاد ظريف إلى الواجهة كوزير للخارجية، وقاد المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، حينها شن التيار الأصولي، بقيادة شخصيات مثل سعيد جليلي وحميد رسايي، هجوماً شرساً على ظريف، واتهمه بالتساهل مع الغرب والتخلي عن مبادئ الثورة، وعلى الرغم من نجاح المفاوضات، فقد صار ظريف من حينها رمزاً للانقسام بين الإصلاحيين والمحافظين، حيث رأى الأصوليون في الاتفاق النووي خيانة للمصالح الوطنية.
وأخيراً، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في العام 2018، تصاعدت الانتقادات ضد ظريف، الذي أصبح هدفاً رئيسياً للتيار الأصولي، لتستمر الأمور على حالها حتى تولى مسعود بزشكيان منصب الرئاسة في 2024 وتعيينه لظريف في منصب نائبه للشؤون الاستراتيجية في عام 2024، مما أثار موجة جديدة من الغضب في أوساط الأصوليين، خصوصاً أن أولاده يحملون الجنسية الأمريكية.
الانتقادات الأخيرة
أتت أخر مراحل الانتقادات التي واجهت ظريف عندما أدلى بتصريحات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس 20 يناير/كانون الثاني 2025، تحدث فيها عن الحجاب وعن حالة البلاد إذا ما كان فاز سعيد جليلي، المرشح الأصولي أمام بزشكيان، من عداء للخارج.
تلك التصريحات أشعلت غضب التيار الأصولي بأكمله، وكان لها دوي في البرلمان، كان آخرها ما صرح به علي رضا سلیمي، النائب البرلماني عن طهران وعضو هيئة البرلمان الإيراني، 26 يناير/كانون الثاني 2025، حيث قال: “إن الحكومة تكتفي بالمراقبة بدلاً من إصدار اللوائح التنفيذية للبرنامج السابع للتنمية، وبدلاً من ذلك، تنشغل بإرسال بعض الأشخاص بشكل متكتم هنا وهناك، ليبدو بالتحدث فيما يُسمى بالمحافل الدولية بما يتعارض مع المصالح الوطنية. أطلب من الحكومة أن تترك مثل هذه الأمور وتلتزم بالقضايا الأساسية التي تهم الشعب”.
كذلك فقد وجَّه علي خضريان، أحد النواب الأصوليين والداعمين لسعيد جليلي، هجوماً على ظريف، 26 يناير/كانون الثاني 2025، حيث قال: “أود أولاً أن أشكر الدكتور ظريف شكراً خاصاً، لأنه كشف بشكل صريح استراتيجية الوفاق للحكومة، إذا كنا سنحاول طويلاً لكشف النفاق الموجود في شعارات الوفاق، لما استطعنا بقدر ما فعل الدكتور ظريف، يجب شكره لأنه أوضح ما يجري على أرض الواقع ضد قوى الثورة باسم الوفاق، حيث يتم استهداف الشباب الثوري داخل البلاد وفي المناصب”.
ومن جانبه قال أحمد راستينه، النائب البرلماني، مشيراً إلى قضية الاتفاق النووي والمفاوضات مع الولايات المتحدة، قائلاً: “إن قلة العفة والتجرد في كلمات ظريف وربطها بقائد النظام وطرح فكرة الحرب في حالة عدم فوز بزشكيان يعد خيانة للأمة واستهدافاً للوحدة الوطنية، يا سيد ايجه أي، رئيس السلطة القضائية المحترم، إن البرلمان طالب بإلغاء حكم ظريف، هل يتمتع السيد ظريف بحصانة حديدية؟ إن القانون يجب أن يُطبق فوق أي اعتبار”.
كذلك فقد قال قاسم روان بخش، النائب البرلماني الأصولي، 26 يناير/كانون الثاني 2025: “للأسف، فالرئيس يعطي المجال لمساعدين يعملون خلافًا لسيرة أمير المؤمنين، هؤلاء الأشخاص، وبدلاً من خدمة الشعب وحل مشاكل البلاد، ينقلون رسالة ضعف وعجز إلى المجتمع الدولي ويقترحون استسلام الأمة الإيرانية”.
أما أمير حسين ثابتي، وأحد النواب الداعمين لسعيد جليلي، فقد كتب في التاريخ نفسه على حسابه عبر منصة إكس: “لا يمكن للشعب أن يهتف الموت لأمريكا بينما أبناء المسؤولين يحملون الجنسية الأمريكية، إن الجنسية القهرية كذبة واختراع شخصي، يستطيع ابن ظريف اليوم التقدم بطلب لإلغاء جنسيته، إن المسألة لا تتعلق بظريف كشخص أو بعدد محدود من الأفراد؛ إنها جزء من مشروع اختراق”.
مَن يقف وراء محاولة إبعاد ظريف عن الحياة السياسية؟
وفقاً لتقرير نشره موقع خبر أونلاين، 27 يناير/كانون الثاني 2025، فهناك أربع فئات سياسية من التيار الأصولي المعارض لظريف، تسعى لإقصائه من الحكومة.
تتمثل الفئة الأولى في أنصار سعيد جليلي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، وأولئك يتمثلون في عدة جهات من هيئة الأمر بالمعروف إلى الإذاعة والتلفزيون والبرلمان، فإلى جانب المواقف العامة للأصوليين تجاه الاتفاق النووي ودور ظريف فيه، فإنهم يعتبرونه الرجل الذي منع فوز سعيد جليلي. وقد أتت تصريحات ظريف الأخيرة بخصوصه لتزيد من استياء تياره وأنصاره ضد ظريف.
هذا ويعمل أنصار جليلي في مختلف المجالات ضد ظريف، من روح الله مؤمن نسب في هيئة الأمر بالمعروف، والذي طالب باعتقال ظريف، إلى مهري طالبي دارستاني، الذي أُقيل من الهيئة بسبب إساءاته لرئيس الحكومة، ولكنه استمر في توجيه تهديداته لظريف بأسلوبه المعتاد، وكذلك في البرلمان، حيث يلعب نواب مثل أمير حسين ثباتي، الذي يُعتبر اليد اليمنى لجليلي، دوراً فعالاً في السعي لإقصاء ظريف، وفي السياق نفسه، يبرز اسم حميد رسايي، الذي يُعد من الوجوه البارزة في تيار جليلي وجبهة الصمود.
وثانياً تأتي جبهة الصمود كإحدى جبهات معارضة ظريف، ولكنها، وعلى عكس تيار جليلي، تتسم بانتقادها الهادئ والالتزام بالقانون، حيث تكتفي بالاعتراض دون تحد مباشر لقرارات السلطة الحاكمة، حيث تنفذ جبهة الصمود سياساتها ضد ظريف من خلال عناصرها الميدانية، بينما يتصدر أنصار جليلي المشهد في الشوارع والبرلمان، مما يظهر تمايزاً بين التيارين في أسلوب التعامل مع ظريف.
كذلك، فهناك تيار محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، والذي ليس لديه مشكلة جوهرية مع المفاوضات أو بناء العلاقات بين إيران والغرب، ضمن شروط يحددها التيار نفسه، فبلا شك، لا يبدي هذا التيار تأييداً كبيراً لظريف، لكنه لم يجعل من مسألة إقصائه من الحكومة أولوية له، فاستعراض مواقف قاليباف في الأشهر الثلاثة الماضية حول قضية ظريف يُظهر أن التيار ينظر إلى ظريف ليس كمسألة أو كيان بذاته، بل كورقة للتعامل والتفاوض مع الحكومة.
وأخيراً يأتي التيار التقليدي من الأصوليين، والذي لا يحمل وُداً تجاه ظريف، وباستثناء جمعية علماء الدين المناضلين تحت إدارة مصطفى بور محمدي، والتي نادراً ما تدخل في مواجهات كلامية وسياسية مع ظريف، فإن الشخصيات التقليدية اليمنية ومجموعات مثل حزب المؤتلفة تحرص على إطلاق تصريحات حادة بين الحين والآخر لتظل متماشية مع مواقف الأصوليين الآخرين.