كتبت: سارة محمد علي
تأسست قوات التعبئة الشعبية شبه العسكرية المعروفة بـ”الباسيج” نهاية عام 1979 إثر نجاح الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، الذي دعا إلى إنشاء “جيش من عشرين مليون رجل” لحماية الثورة ونظامها السياسي والديني، فتأسست بنهاية العام هذه المنظمة الأمنية من مؤيديه المخلصين، وعرفت باسم “الباسيج” (قوات التعبئة الشعبية أو “المتطوعون”).
وفي عام 1981، تم ضم الباسيج إلى جهاز الحرس الثوري من أجل حشد وتدريب المتطوعين للقتال في حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق (1980-1988)، لكن لم يتمّ دمج “الباسيج” إداريا وتنظيميا بالكامل في الحرس الثوري حتى أواخر عام 2009.
وهي تتكون من جناحين رئيسيين هما: “كتائب عاشوراء” التي تضم أعضاءها من الذكور و”كتائب الزهراء” للإناث.
هيكلية الباسيج
تخضع الباسيج لمبدأ ازدواجية القيادة في القرار فتتلقى الأوامر رسميا من قائد الحرس الثوري، لكن قياداتها تتصل مباشرة بمكتب المرشد الأعلى للثورة، الذي يمتلك منفردا حق تعيين قائد الباسيج بناء على اقتراح من قائد الحرس الثوري.
وتتوزع قوات الباسيج في كافة المدن الإيرانية عبر 31 وحدة بمعدل وحدة لكل محافظة ووحدتين للعاصمة طهران.
ويتوزع الأعضاء في كل مدينة إيرانية على ما يسمى بـ”نطاقات مقاومة”، مقسمة هي الأخرى إلى “مناطق مقاومة”، و”قواعد مقاومة”، و”مجموعات فرعية”، وتشمل “نطاقات المقاومة” المساجد والمؤسسات الحكومية والتعليمية، كالمدارس والجامعات.
وعلى المستوى التنظيمي هناك ثلاثة مستويات للعضوية: العادي والشرفي وأعلاها “الباسيج الخاص”، وهم يتلقون تدريبهم السياسي والعسكري والعقائدي في أكثر من خمسين ألف قاعدة ومكتب تابعة للباسيج، موزعة على المساجد والمصالح الإدارية الحكومية والمصانع والمؤسسات التعليمية في عموم البلاد. كما توجد فيها عدة تصنيفات فئوية مثل: الباسيج العمالية والباسيج الطلابية والباسيج الرياضية والباسيج النسائية وباسيج رجال الدين.
وتدفع الدولة رواتب ثابتة من ميزانية الحرس الثوري للكادر العامل والأعضاء المتخصصين في الباسيج، منذ أن أقرّ بذلك البرلمان الإيراني، في 13أكتوبر/تشرين الأول عام 1991.
كما يحصل الأعضاء المنتسبون على امتيازات عديدة، منها مكافآت مالية وقروض ميسرة وتخفيضات لأسعار الرحلات الدينية لزيارة “المدن المقدسة” لدى الشيعة.
أدوار الباسيج
يمكن فهم أدوار قوات الباسيج عبر خطاب بعث به المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى أعضائها بمناسبة “أسبوع الباسيج” في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث طالبهم خامنئي بإيجاد “دفاع صارم، وشبه صارم، ودفاعات ناعمة في كل المناطق”، وابتكار استراتيجيات وتكتيكات للتعامل مع المواقف المختلفة، داعيا الباسيج في الوقت نفسه إلى “اجتنابهم المفاجآت، والحضور في كل الأحياء السكنية”، مؤكدا أن هذا الوجود المستمر مهم جدا، وفق ما نقله عنه موقعه الرسمي.
وحسب تقرير لموقع “راديو فردا” الإيراني، فإن الدفاع الصارم الذي دعا خامنئي الباسيج إلى اتباعه، يعني الدفاع العسكري والحرب، أما الدفاع شبه الصارم، فهو مقاومة الحرب الأهلية والانقلابات، ويعتبر مصطلح “الدفاع شبه الصارم” إشارة إلى دور الباسيج في قمع المعارضين في المناطق العمرانية والمحافظات.
وبالنسبة لمقاومة الانقلابات، فإنها تأتي عبر تدخل القوات لقمع الحركات الاحتجاجية، إضافة إلى الأنشطة التي تقوم بها المؤسسات المجتمعية التابعة للباسيج للمساهمة في نشر فكر الثورة الإسلامية وحشد التأييد لمرشدها وقرارات الهيئات والمؤسسات التي تمثلها، مما يفسر سبب اتساع مجالات عمل الباسيج وحضورها في الثقافة والفنون والتعليم والترفيه ومختلف مؤسسات الدولة.
ويذكر الأستاذ الجامعي السابق بجامعة طهران، سعيد جولكار، في كتابه “مجتمع أسير: الباسيج ونظام السيطرة الاجتماعية في إيران”، أن أعضاء الباسيج يقدرون بخمسة ملايين عضو، و65% من الموظفين في الدولة أعضاء فاعلون بهذه المنظمة.
كما أن طالبا إيرانيا واحدا من بين كل ثلاثة طلاب يمكن أن يكون عضوا فاعلا ومدربا فيها، بسبب قانون يخصص نسبة 40% من المقاعد الجامعية لأعضائها.
وتقدّم تلك القوات والمؤسسات والهيئات التابعة لها مختلف الخدمات التطوعية كقوة مساعدة لأجهزة السلطة، كما تشارك في أنشطة مثل الأمن الداخلي وتوفير الخدمات الاجتماعية، وتنظيم الاحتفالات الدينية العامة.
كما تضطلع الباسيج بإنفاذ بعض الأعراف الاجتماعية والقوانين في إيران وتعمل كشرطة أخلاق على المعابر ونقاط التفتيش وفي المتنزهات، كما تنتشر قواتها وقت الكوارث الطبيعية.
عقوبات دولية
في عام 2018 قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على قوات “الباسيج”، إضافة إلى 20 جهة ومؤسسة مالية، منها شركات وبنوك بدعوى أنها تقدم الدعم المالي للمنظمة، حسبما يذكر البيان.
وجاءت العقوبات، على خلفية قيام الباسيج بتجنيد وتدريب وإرسال الجنود الأطفال للقتال في الحروب التي يشنها الحرس الثوري الإيراني عبر المنطقة في سوريا وغيرها، وكذلك تورطها بقمع الاحتجاجات داخل إيران بارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان، وفق نص البيان المنشور على الموقع الرسمي لوزارة الخزانة الأمريكية.
وقال وزير الخزانة الأمريكي حينها ستيفن منوتشين، إن “هذه الشبكة تقوم بتوسيع مشاركتها الاقتصادية في الصناعات الرئيسية؛ لاستخدامها في تمويل الإرهاب وغيره من الأنشطة الخبيثة، كما توفر البنية التحتية المالية لجهود (الباسيج) لتجنيد وتدريب وتلقين الأطفال المجندين الذين يجبرون على القتال في إطار قيادة الحرس الثوري الإيراني بالمنطقة”.
ومن ضمن المؤسسات التي شملتها العقوبات، بنك تعاون الباسيج الذي يمول بعض الأنشطة الاقتصادية لأعضاء الباسيج عن طريق تمويل الشركات الصغيرة، وبنك “مهر” الاقتصادي، وشركة “مهر اقتصاد” الاستثمارية، وشركة تدبيرغاران عطية للاستثمار، وشركة نيغين ساحل رويال، ومجموعة مهر اقتصاد المالية، وشركة تكنوتار للهندسة، وشركة تكتار للاستثمار، وشركة إيران للصناعة.
وفي عام 2019 قامت الدولُ السبع (دول الخليج والولايات المتحدة) الأعضاءُ في «مركز استهداف تمويل الإرهاب» بتصنيف منظمة «الباسيج» باعتبارها منظمة إرهابية؛ وذلك لانتمائها إلى شبكات النظام الإيراني الداعمة للإرهاب في المنطقة، وشمل التصنيف 25 مؤسسة اقتصادية إيرانية اتهمتها الدول السبع بدعم قوات الباسيج، حسب البيان المنشور بوكالة أنباء الشرق الأوسط.
احتجاجات ساهمت في قمعها قوات الباسيج
على مدار أكثر من عقدين، ساهمت قوات الباسيج في قمع عدد كبير من الاحتجاجات في الشارع الإيراني، أبرزها:
الانتفاضة الطلابية
في الثامن من يوليو/تموز 1999 انطلقت تظاهرات حاشدة في طهران قادها طلاب جامعيون؛ احتجاجا على حظر صحيفة يومية مقربة من الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، واستمرت التظاهرات عدة أيام.
وفي الثاني عشر من الشهر نفسه وقعت صدامات بين المتظاهرين وقوات الباسيج التي تمكنت بتدخلها العنيف من وضع حد للاضطرابات، وأوقعت أعمال العنف ثلاثة قتلى وفق حصيلة رسمية، فيما أشارت وسائل إعلام إلى مقتل خمسة أشخاص، حسب ما ذكره تقرير لموقع “فرانس 24”.
الحركة الخضراء
في يونيو/حزيران 2009، أثار فوز الرئيس التابع للتيار الأصولي محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية تحركات احتجاجية في طهران، بسبب غضب مناصري خصمه مير حسين موسوي الذين نددوا بعمليات تزوير ونظموا مظاهرات في العاصمة الإيرانية، واتسع نطاق الصدامات وأعمال الشغب، ومنع صحفيون أجانب من العمل، وطلبت السلطات الإيرانية من بعضهم مغادرة البلاد.
وتم الدفع بقوات الباسيج بقوة وكثافة إلى الشوارع الإيرانية؛ لقمع عشرات آلاف المتظاهرين، وأطلقت عليهم الرصاص الحي فقتلت بعضهم، وهو ما أدى في النهاية إلى توقف احتجاجاتهم التي عُرفت بـ”الحركة الخضراء”، وفق ما ذكره موقع يورو نيوز.
احتجاجات ارتفاع أسعار الوقود
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، انطلقت احتجاجات في مدن إيرانية عدة بعد الإعلان عن زيادة كبيرة في أسعار الوقود، وشهدت نحو مئة مدينة تحركات احتجاجية، بينها طهران ومشهد وأصفهان.
وبحسب بيان لمنظمة العفو الدولية، فقد قتل أكثر من 300 شخص خلال ثلاثة أيام في حملة قمع التظاهرات من قبل الشرطة الإيرانية وقوات الباسيج، وهو ما نفته طهران عبر بيانات رسمية نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”.
احتجاجات مهسا أميني
في النصف الثاني من شهر سبتمبر/أيلول 2022، خرجت تظاهرات حاشدة في محافظات إيرانية عدة؛ احتجاجا على وفاة الشابة مهسا أميني عقب توقيفها واحتجازها من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية، وأسفرت الاحتجاجات في أول أسبوعين لها، عن مقتل أكثر من 75 شخصا، نتيجة مواجهات بين المتظاهرين وقوات الباسيج والشرطة، وفقا لما ذكرته وكالة رويترز.
الباسيج خارج إيران
تدخلت قوات الباسيج لحماية المصالح الإيرانية في دول عدة، أبرزها:
في العراق تحت ذريعة “حماية الأماكن المقدسة”، وشاركت في “مهمات استشارية” لدى الجيش العراقي وخاضت معه معارك متعددة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة إثر سقوط الموصل، وفي معركة الفلوجة عام 2016 قـُتل القائد السابق لـ”كتائب عاشوراء” في الباسيج علي رضا بابايي، بحسب الجزيرة.
وفي سوريا، قامت إيران بإرسال الآلاف من قوات الباسيج، حيث قـُتل العديد من عناصرها ضمن أبرز العسكريين الإيرانيين القتلى في سوريا الذين كانوا يقدمون الدعم العسكري لنظام بشار الأسد إثر اندلاع الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011، وفق تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط.
الباسيج باقية وتتمدد
مطلع عام 2014 صرح قائد قوات الباسيج، اللواء محمد رضا نقدي، بأن بلاده تعتزم إنشاء وحدات لمنظمته في الأردن ومصر بعدما خاضت تجربة تشكيلها في فلسطين ولبنان، مضيفا أنَّ “تزايد مكونات الهيمنة الإيرانية في المنطقة يتزامن مع انحسار الهيمنة الأمريكية فيها منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979″، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية “إيسنا”.
وفي السياق نفسه؛ قال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، أواخر عام 2014، بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس الباسيج، إن “فكر الباسيج ينتشر في أنحاء العالم الإسلامي، وجماعات المقاومة في فلسطين ولبنان، بما يتماشى مع الاستراتيجية الإيرانية”.