ترجمة: دنيا ياسر نورالدين
أجرت وكالة أنباء “إيرنا” الإيرانية، يوم الثلاثاء 23 مارس/آذار 2025، حوارا مع الناشط الأصولي، ومدير مكتب الدراسات وتدوين تاريخ إيران، عباس سليمی نمین، ناقشت فيه محاولات الولايات المتحدة لاستخدام المفاوضات كأداة للضغط على إيران، إضافة إلى أهمية الوفاق الوطني في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
إذ قال سليمي نمین في حديثه للوكالة الإيرانية، إن محاولات الولايات المتحدة للتفاوض مع إيران، في الوقت الذي تستمر فيه بفرض العقوبات، ليست سوى “خداع” يهدف إلى تحقيق مكاسب من خلال الضغط العسكري، مؤكدا أن هذا النهج لا يخدم مصالح البلاد على الإطلاق.
تقوية الصفوف الداخلية
أضاف سليمي نمین للوكالة: “إنه كلما تعرضت البلاد لتهديدات خارجية أكبر، أصبح من الضروري تعزيز صفوفنا الداخلية. اليوم نواجه عقوبات شديدة، ومن المحتمل أن تزداد حدتها مع وصول رئيس أمريكي جديد، مما يستدعي منا تعزيز وحدتنا ودعم الحكومة في مواجهتها”.
وأكد أن دعم الحكومة لا يعني منع النقد، بل العكس تماما، فالانتقادات البناءة والداعمة يمكن أن تسهم في تقوية الدولة، شرط أن تكون هذه الانتقادات بدافع مصلحة الشعب والدولة، وليس لأهداف شخصية أو فئوية.
وأشار سليمي نمین للوكالة إلى أن “إيران تمتلك إمكانيات داخلية كبيرة يمكنها استغلالها بدلا من الاعتماد المفرط على الاستيراد، قائلا: “بعض الجهات الاقتصادية تميل إلى الحلول السهلة، مثل استيراد السلع بدلا من دعم الإنتاج المحلي، مما أدى إلى تراجع قدرتنا على الاكتفاء الذاتي. يجب أن نغير هذا النهج ونركز على تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات، فهذا هو السبيل الوحيد لمواجهة الضغوط الاقتصادية وكسر إرادة المعارضين لاستقلالنا”.
وتابع: “إنه إذا تمكنا من تحقيق وفاق وطني حقيقي، فلن نتمكن فقط من تجاوز الأزمات الداخلية، بل سنمتلك أيضا اليد العليا في مواجهة الأعداء. لكن المشكلة تكمن في أن بعض الأطراف السياسية لا ترغب في تحقيق وفاق حقيقي، لأنها ترى في النجاح الوطني تهديدا لمصالحها السياسية الضيقة”.
وفاق وطني واسع
وعن مسعود بزشكیان، قال سليمي نمین: “بزشكیان يدرك أهمية الوفاق الوطني، ويسعى إلى توظيف الكفاءات من مختلف التوجهات السياسية، لكنه يواجه هجوما حادا من بعض الإصلاحيين المتشددين الذين يعتقدون أن جميع المناصب يجب أن تكون بيد تيارهم فقط. رؤية بزشكیان تقوم على اختيار الأشخاص الأكفاء بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وهذا ما يزعج البعض”.
أردف: “في حكومة بزشكیان، هناك توجه واضح نحو تحقيق وفاق وطني أوسع، لكن في بعض الحالات، شوهدت تعيينات في مستويات أدنى لم تكن تعكس هذا التوجه، حيث تم اختيار شخصيات متشددة. ومع ذلك، يبقى تحقيق وفاق شامل أمرا ضروريا لمواجهة التحديات”.
وتابع سليمي نمین حديثه قائلا: “العقوبات المفروضة على إيران لن يتم التغلب عليها إلا من خلال تعزيز التوافق الداخلي. بدأ المجتمع يدرك تدريجيا أن التحریمات أداة يستخدمها المعارضون لاستقلال إيران، ولذلك فإن الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى لمواجهتها. هذا الوعي سيتوسع وسيؤدي إلى نجاحات كبيرة في المستقبل”.
أشار سليمي نمین إلى أن تشكيل وفاق بين المسؤولين والسلطات، لا سيما في ضوء تأكيد قائد الثورة أهمية الانسجام والتكاتف بين المؤسسات في العام 2024، يعد أمرا بالغ الأهمية على المستوى الوطني.
وأكد أن ذلك لا يعني التخلي عن المسؤوليات، بل يتطلب أداء الواجبات مع القدرة على التصحيح المتبادل، معتبرا أن المجتمع الإيراني بات يدرك أن المشكلات التي يحاول معارضو استقلال إيران فرضها عبر العقوبات لا يمكن مواجهتها إلا من خلال هذا التكاتف.
عمل عسكري
أوضح سليمي نمین أن السلطة القضائية كانت متعاونة بشكل كامل مع الحكومة خلال العام الماضي، مضيفا أن مختلف المؤسسات يمكنها العمل على تعزيز بعضها البعض في أثناء قيامها بمهامها، ما يشير إلى أن مفهوم الوفاق تم تحقيقه بشكل ملحوظ في الفترة الماضية.
وقال سليمي نمین في تحليله لمحاولات دونالد ترامب التفاوض مع إيران في ظل استمرار العقوبات، إن تقييم الداعمين للكيان الصهيوني يشير إلى أن إيران تملك من القوة ما يمكنها من خلق أزمة حقيقية لهم في حال وقوع مواجهة مباشرة.
أضاف أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى شن هجوم عسكري على إيران، إلا أن الولايات المتحدة، لكونها الحليف الرئيسي له، تدرك أن إيران تمتلك القدرة على فرض معادلات صعبة عليهم، مما يشكل تهديدا لمصالحهم.
وأشار سليمي نمین إلى أن المناورات العسكرية الأخيرة التي أجرتها القوات الإيرانية، دفعت بعض الخبراء الغربيين إلى الاعتراف بأن المواجهة المباشرة مع إيران قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة بالنسبة لهم، وهو ما جعلهم يبحثون عن مزيج من الضغوط العسكرية والوسائل الناعمة كبديل.
التفاوض مع الولايات المتحدة
أوضح سليمي نمین أن النهج الأمريكي في المفاوضات يتمثل في محاولة فرض اتفاقات غير عادلة من خلال استخدام التهديدات العسكرية.
وأضاف أن واشنطن تدعي رغبتها في الحوار، لكنها في الوقت نفسه تضع سيف التهديد فوق رأس طهران، ملوحة باستخدام الاحتلال الإسرائيلي لشن ضربات على المنشآت النووية الإيرانية في حال لم يتم تقديم التنازلات المطلوبة.
شدد سليمي نمین على أن إيران لا ترفض مبدأ التفاوض، لكنها تدعو إلى مفاوضات متوازنة يكون فيها تبادل الامتيازات بين الطرفين بشكل عادل. وأضاف أنه لا ينبغي لإيران أن تدخل أي مفاوضات إلا إذا كانت قادرة على الحصول على مكاسب كما تمنحها.
أوضح أن واشنطن تهدف إلى نيل الامتيازات دون تقديم أي مقابل، وتلجأ إلى التهديد المستمر للضغط على طهران. وأكد أن ترامب في ولايته السابقة ألغى الاتفاقيات الدولية؛ لأن الإدارة الأمريكية لم تكن تريد تقديم أي امتيازات مقابل ما كانت تحصل عليه من إيران.
اعتبر أن كل محاولات واشنطن لفتح باب التفاوض ليست سوى مناورة مخادعة، مشيرا إلى أن طهران اختبرت هذا المسار سابقا ولم تجنِ منه سوى مزيد من الضغوط.
وأضاف أن إيران أوفت بجميع التزاماتها في ما يخص الملف النووي، وأبدت مرونة عبر تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي وخفض نسب التخصيب، ولكن رغم ذلك، لم تفِ الأطراف الغربية بالتزاماتها برفع العقوبات وتقديم الدعم المطلوب.
الشفافية الكاملة
تابع حديثه بتأكيد أن إيران التزمت بشفافية تامة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أعلنت مرارا أنه لا يوجد أي انحراف في البرنامج النووي الإيراني.
وقال إن الولايات المتحدة، حتى بعد فتح باب المفاوضات، كانت تلجأ إلى أساليب تضليلية، حيث كانت تثير الشكوك حول النشاطات الإيرانية رغم عمليات التفتيش المتكررة.
اختتم سليمي نمین حديثه للوكالة بأن الاتفاق النووي كان ناجعا من وجهة نظر الغرب، لكنه كان في صالحهم أكثر مما كان لصالح إيران، ومع ذلك، قبلت إيران به لإنهاء الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها.
لكنه أكد أن واشنطن، بقيادة ترامب، هي من عرقلت هذا الاتفاق، وهي المسؤولة عن المأزق الحالي، وعليها التراجع عن سياساتها المخادعة.