كتب: حسين محمودي كاتب وباحث إيراني
ترجمة: حسن قاسم
كان دعم حافظ الأسد لإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية أحد أهم العوامل المُشكِّلة لعلاقة استراتيجية بين البلدين. في ذلك الوقت، أغلق الأسد خط أنابيب النفط العراقي للبحر الأبيض المتوسط، وهذا الإجراء ألحق الضرر بالاقتصاد العراقي بشكل مباشر وكان في صالح إيران.
كان هذا الإجراء نابعا من قلب المنافسات التاريخية والاختلافات الأيديولوجية بين النظام البعثي في سوريا والعراق، وليس بحسن النية تجاه إيران فحسب. كما أرسل حافظ الأسد أسلحة لإيران عن طريق السوق السوداء، وهو إجراء ساعد بشكل كبير خلال الظروف الحرجة في ذلك الوقت.
أدى هذا التعاون الاستراتيجي إلى أن تشعر إيران بنوع من الدَّين التاريخي لنظام الأسد. وبناء عليه، عندما بدأت أعمال الشغب الداخلية في سوريا عام 2011، دخلت طهران الميدان لدعم هذا النظام. وبررت إيران هذا الإجراء ليس فقط كرد على التعاون السابق، ولكن كجزء من استراتيجيتها للحفاظ على “محور المقاومة” ضد إسرائيل والغرب.
أسباب دخول إيران في الأزمة السورية
طرحت إيران عدة أسباب لدخول الأزمة السورية:
الحفاظ على محور المقاومة: كانت سوريا تعد حلقة وصل حيوية بين إيران من جانب وحزب الله اللبناني وجماعات المقاومة الفلسطينية من جانب آخر، وكان سقوط حكومة الأسد سيخل بتلك الشبكة الاستراتيجية.
تهديد تنظيم الدولة: كانت جماعات مثل تنظيم الدولة، المعروف بـ”داعش”، تشكل تهديدا خطيرا لحدود إيران والمنطقة بأسرها. حتى إن هذه الجماعات تمكنت من الاستيلاء على بعض المناطق في العراق والاقتراب من حدود إيران.
حماية الأماكن المقدسة: هددت قوات المعارضة المسلحة في سوريا بتدمير الأماكن الشيعية المقدسة مثل ضريح السيدة زينب في سوريا.
الشعور بالدين لنظام الأسد: كما سلف الذكر، كان التعاون التاريخي لسوريا خلال الحرب العراقية الإيرانية قد أشعر إيران بالالتزام وبالدين لنظام الأسد.
لهذه الأسباب، قررت إيران دخول سوريا بشكل استشاري لدعم جيش سوریا وقواتها الشعبية. کما لعب قاسم سليماني دورا رئيسا في ذلك من خلال تشكیل قوة الدفاع الوطني. كانت هذه القوات قد تشكلت من أفراد يسعون إلى الدفاع عن أراضيهم وقيمهم.
تحديات نظام الأسد بعد الأزمة
على الرغم من دعم إيران الكبیر، فشل نظام الأسد في إصلاح نفسه أو تقسيم السلطة بين الأطياف المختلفة. کما جعلت السياسات القمعية والفساد الهيكلي الأسد تحديا وليس حليفا استراتيجيا. فضلا عن وثائق المخابرات المنتشرة التي أظهرت أن نظام الأسد أقام صلات مع إسرائيل في السنوات الأخيرة وحتى لمناشدة الغرب، وقد قام بحل بعض الهياكل الدفاعية، مثل قوات الدفاع الوطني.
مستقبل المقاومة في سوريا
یشیر الوضع الراهن إلى أن محور المقاومة في سوريا يجب أن يعيد تعريف نفسه. وتجدر الإشارة إلى أن الأسباب الأخرى لدخول إيران في الأزمة، مثل تهديد تنظيم الدولة أو خطر تدمير الأماكن المقدسة، قد اندثرت، کما أكد المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال خطابه الأخير، أن مسؤولية مستقبل سوريا يجب أن تقع علی عاتق شعب سوریا وشبابها الحر. ويعكس هذا الرأي تحوُّل نهج إيران من الدعم العسكري المباشر إلى دعم استقلال سوريا وتياراتها الداخلیة.
تحرير الشام: فرصة للتغيير؟
أظهرت هيئة تحرير الشام، كواحدة من الجماعات الإسلامية الناشطة في سوريا، مؤخرا، نهجا مختلفا عن ذي قبل. فعلى الرغم من أن الجماعة كانت تُعرف في الماضي بأنها جزء من التيارات (التكفيرية)، فإنها تظهر الآن علامات تحول في سلوكها وأيديولوجيتها. وإذا تمكنت هيئة تحرير الشام من تقديم نفسها كقوة مستقلة مناهضة لنظام الاحتلال ولم تدخل في ألاعيب الغرب، فقد تصبح شريكا محتملا لمحور المقاومة.
ينبغي لإيران في مواجهة هذه التطورات تعزيز دبلوماسيتها والتركيز على إيجاد علاقات جديدة مع التيارات في سوريا. إذا تحركت هيئة تحرير الشام لمحاربة إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، فيمكنها أن تصبح لاعبا مهما في المنطقة. کما يمكنها أن تمهد الطريق لعودة المقاومة مرة أخرى، بجانب الإصلاحات الداخلية في سوريا.
وتشیر التجربة السورية إلى أن سياسات إيران الإقليمية تحتاج إلى إعادة النظر والتأقلم مع الوضع الجديد. کما أن دعم الأنظمة المستبدة والفاسدة، دون تخطيط دقيق للمصالح طويلة الأمد، يمكن أن يكلف إيران الكثير. والآن بعد أن تغير الوضع الإقليمي، ينبغي لإيران أن تنظر بشكل أكثر واقعية إلى مستقبل سوريا وأن تدعم القوى المحلیة والإصلاحية في سوریا.
کما أن هذا التغيير في النهج لن يساعد في خفض تكاليف إيران فحسب، بل يمكن أن يساعد كذلك في تعزيز محور المقاومة ضد إسرائيل والغرب.